الرياض – حملت زيارة رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي، الأربعاء، إلى السعودية مؤشرات على رغبة جدية في بغداد للابتعاد التدريجي عن إيران وتلافي عقوبات مشددة تلوّح بها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تجاه أي جهة تعمل على اختراق الحظر الأميركي على طهران.
وحظي عادل عبدالمهدي بلقاء العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز الذي أعرب بالمناسبة “عن ارتياحه للتطوّر والاستقرار الذي يشهده العراق، وأمل أن تؤدي زيارة عبدالمهدي إلى تحقيق ما يصبو إليه البلدان من زيادة التعاون ورفع مستوى العلاقات بما يحقّق المصالح المشتركة للشعبين”.
من جهته، قال عبدالمهدي إن “زيارته تجسد توجه الحكومة العراقية ورغبتها بتطوير العلاقات مع المملكة في جميع المجالات”.
ولفت، وفق بيان صادر عن مكتبه الإعلامي، إلى أن “تبادل الزيارات بهذا المستوى الكبير يفتح آفاقا واسعة ويحقق تطلعات الشعبين والأمن والاستقرار لعموم شعوب المنطقة”.
واصطحب عبدالمهدي إلى الرياض أحد عشر وزيرا من أعضاء كابينته، ونحو 60 مسؤولا رفيعا في مختلف المجالات، فضلا عن وفد كبير جدا من رجال الأعمال، قارب عدد أعضائه الـ80.
وتتوّج هذه الزيارة سلسلة من الزيارات المتبادلة بين مسؤولي البلدين، جرى خلالها وضع خارطة طريق لتوقيع أكثر من 20 اتفاقية تعاون ومذكرة تفاهم في تسعة مجالات، تغطي جانبا واسعا من اهتمامات الجارين.
ويقول متابعون للزيارة إن أهميتها لا تقف عند عدد الاتفاقيات التي سيتم اعتمادها، ولكن بنتائجها السياسية في ضوء زيارته الأخيرة إلى إيران ومدى قدرة العراق على السير في منطقة للحياد تبدو مستحيلة.
ويجد رئيس الوزراء العراقي نفسه في موقع صعب كونه من ناحية يريد تثبيت اقترابه من المحور العربي، وخاصة من السعودية ذات الثقل الدبلوماسي والاقتصادي، ومن ناحية ثانية فهو لا يرغب في الصدام مع حلفاء إيران الذين يسيطرون على حكومته وعلى مختلف المؤسسات.
وعشية توجهه إلى الرياض، قال عبدالمهدي إن زيارته إلى السعودية ستكون كالزيارات السابقة إلى مصر وإيران، و”هي زيارات مهمة لبيان طريقة عمل العراق مع محيطه وجواره والعالم العربي والإسلامي”، مشددا على أن “العراق يريد أن يكون نقطة لقاء كبيرة”.
وتأتي زيارة رئيس الحكومة العراقية في ظل تعاظم الضغوط الأميركية على إيران، التي توّجها تصنيف الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية.
ويعتقد مراقبون أن طهران ستراقب زيارة عبدالمهدي إلى الرياض بتوجّس، في ظل النوايا الجادة التي يبديها السعوديون في دعم العراق.
ومن وجهة نظرهم، فقد جاءت إشارة عبدالمهدي، إلى أن “كل شيء سيكون مفتوحا على الطاولة” في مباحثاته مع السعودية، بوصفها تطمينا للإيرانيين، بأن العراق لن ينقلب عليهم.
وتنظر إيران إلى العراق حاليا بوصفه حليفا نادرا، يمكن أن يسهم في تخفيف ضغط العقوبات الأميركية عليها، من خلال تسهيل حصولها على العملة الصعبة، وفتح أسواقه أمام بضائعها، والاعتماد عليها في شراء احتياجاته من الغاز والكهرباء لسد النقص الذي يعانيه في قطاع الطاقة.
ومن دون هذا الدور العراقي سيكون من الصعب على طهران الصمود أمام العقوبات الأميركية.
لكن إيران، تدرك أن السعودية يمكن أن تستغل ثقلها الاقتصادي، ورمزيتها الدينية والسياسية في المنطقة، لتوفير بدائل أمام العراقيين ربما تغنيهم عن الاعتماد الكلي على الجار الشرقي.
وهذا ما يفسر المساحة الواسعة التي غطتها تفاهمات المسؤولين في بغداد والرياض، وعدد الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي وقعت بين الجانبين خلال الأشهر الماضية، حيث تضع زيارة عبدالمهدي إلى السعودية، لمساتها الأخيرة.
ويمكن للسعودية أن توفر بديلا مناسبا عن الغاز والكهرباء الإيرانيين للعراق.
ويشكو المسؤولون العراقيون سرا من أن طهران لا تجهز بلادهم بالطاقة التي يجري التعاقد عليها خلال فصل الصيف، عندما تبلغ الحاجة الإيرانية ذروتها للكهرباء مع اشتداد درجات الحرارة.
ويقول مسؤولون عراقيون في قطاع الطاقة إن إيران تجهز العراق بالكهرباء في الشتاء، وتخفض الكمية إلى نحو الربع خلال الصيف.
ويحتاج العراق إلى الكهرباء بشدة خلال الصيف، حيث ترتفع درجات الحرارة إلى نحو 50 مئوية. وخلال الأعوام القليلة الماضية، كان نقص الكهرباء أحد أبرز محفزات حركة احتجاج شعبي اجتاحت عددا من المحافظات، وتخللها العنف.
وتخشى حكومة عبدالمهدي من أن تتسبب احتجاجات جديدة خلال الصيف الحالي في الإضرار بحظوظها في إكمال مدتها الدستورية.
وعرضت السعودية مشروعا للربط الكهربائي المشترك مع العراق.
ووفقا لمسؤول بارز في الحكومة العراقية تحدث مع “العرب”، فإن “عبدالمهدي تلقى تحذيرا إيرانيا غير مباشر من توقيع اتفاق الربط الكهربائي مع السعودية، الذي يهدد عقود تجهيز الطاقة الموقعة بين طهران وبغداد”.
لكن المسؤول العراقي كشف أن عبدالمهدي لم يرد على التحذير الإيراني، بينما يخطط للاستفادة جزئيا من العرض السعودي، من دون الإضرار بمصالح الإيرانيين.
العرب