يؤشر فوز مرشح المعارضة التركية في إسطنبول، تصاعد التململ من سياسات الحزب الحاكم، وتراجع التأييد لسياساته الخدمية والإدارية ربما، لكن الناخب التركي مثله مثل الناخب الشرق الأوسطي عموما، تتحكم في قراراته التوجهات الأيديولوجية والانتماءات الاجتماعية، أكثر من غيرها من العوامل، لهذا فإن الانتخابات التركية تجري في أجواء مشحونة بالنزاعات الثقافية والسياسية، أكثر ربما من الجوانب الخدمية الثانوية، وتسيطر الأحزاب الرئيسة في البلد على كتل سكانية كبرى، تمثل قاعدتها الرئيسة. بينما تبقى كتل أخرى رمادية غير خاضعة للتأثيرات الأيديولوجية هي ربما من تؤثر في ترجيح الحزب الفائز، لعلها تشبه نوعا ما، حزب الكنبة في مصر.
في تركيا لكل حزب كتلة صلبة تؤيده، تعتمد على مكون عرقي أو طائفي معين، لا تتأثر بالعوامل الاقتصادية أو الخدمية، بل هي أيديولوجية، وهناك كتلة متأرجحة لكل حزب هي التي تتأثر بتلك العوامل.
حزب العدالة يعتمد على الأتراك السنة.. ثلثا كتلة صلبة، معظمهم محافظون إسلاميون، وثلث كتلة متأرجحة، تعطى أحيانا لغيرها من قومي وجمهوري.
لعبت المعارضة التركية على كسب أصوات الكتلة الكردية الصلبة، فسحبت جل أصوات أكراد إسطنبول
الحزب القومي، يعتمد أيضا ككتلة صلبة على الأتراك السنة، لكن القوميين غير الإسلاميين، وكتلته المتأرجحة تصوت أحيانا لحزب العدالة، كما حصل في الانتخابات السابقة وأنقذوه قبل أن يتعزز هذا التعاون بتحالف انتخابي علني، وسبق أن ساند الحزب القومي حزب العدالة في انتخابات حاسمة قبل سنوات، كرد على صعود قوة الأكراد ودخولهم للبرلمان لأول مرة، وهو ما استفز القوميين، فلم يجدوا بدا من منح نصف كتلتهم الانتخابية لحزب العدالة، الذي عاد وحقق في انتخابات الإعادة نصرا كبيرا، وكان ذاك أول اختبار لتحالف القوميين مع حزب العدالة ذي الجذور الإسلامية، الذي جاء اليوم بنتائج عكسية للمفارقة، حيث رد الأكراد في إسطنبول، وبعض محافظات الجنوب كأورفا وماردين بانتخابات المعارضة، وكانت الضربة الأقسى في إسطنبول، فقد لعبت المعارضة التركية على كسب أصوات الكتلة الكردية الصلبة، فسحبت جل أصوات أكراد إسطنبول من خانة حزب الشعوب الكردي إلى صفها، فوحدت الجبهة ضد العدالة والتنمية، وخرجت بخليط معارض غير متجانس، لكنه موجه ضد بن علي يلدريم مرشح اردوغان في إسطنبول، غير أن العدالة والتنمية ما زال يراهن على مجموعة كبيرة من الادلة كما يراها، على حدوث خروقات كبيرة قدمها للجنة العليا للانتخابات، ضمن طلب لإعادة الانتخابات، ولكن فرصته بكسب قرار قضائي تبدو محدودة، خصوصا أنه سيبدو انه يستخدم نفوذه في السلطة للتحكم بالسلطة القضائية لصالحه، وهذا سيدخل البلاد في أجواء عدم ثقة، ما يطعن بمصداقية العملية السياسية برمتها.
حزب الشعوب الكردي يعتمد على الاكراد، نصف الى ثلثين منهم كتلة صلبة، وهم من الأكراد القوميين اليساريين، وثلث منهم متأرجح، هم الكرد المحافظون الاسلاميون كثيرا ما يعطون أصواتهم لأردوغان في المحافظات الكردية ويعاقبونه في اسطنبول إذا تحالف مع خصومه القوميين.
أما حزب الجمهوري، فلديه أكبر كتلة صلبة، لانها تعتمد على العلويين الاتراك والعلويين العرب، وكتلته المتأرجحة تمثل نسبة قليلة من الترك السنة الاتاتوركيين والكرد العلويين، وهم لا يتأثرون كثيرا بالعوامل الخدمية مقابل الأيديولوجية، ومن الأمثلة على ذلك اعتراضهم على تسمية الجسر الثالث في إسطنبول باسم السلطان العثماني، سليم الذي يكن له العلويون مشاعر عدائية، وكان من أبرز قادة حملة الاعتراضات رئيس الحزب الجمهوري، وهو أيضا علوي.
القدس العربي