لم تمر ساعات قليلة على قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب البدء بإنهاء الإعفاءات لمشتري النفط الإيراني، إلا وصرّح وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، ان وقف الولايات المتحدة الإعفاءات من حظر استيراد النفط الإيراني، لن يخدم السلام والاستقرار الإقليمي. وجاء ذلك في تغريدة نشرها جاووش أوغلو، الاثنين على حسابه في موقع تويتر، تعليقاً على إنهاء واشنطن إعفاء ثماني دول بينها تركيا من حظر استيراد النفط الإيراني، وشدد الوزير التركي أن وقف الإعفاء سيضرّ بالشعب الإيراني، مشدداً أن بلاده لا تقبل العقوبات الأحادية الجانب، ولا الإملاءات المتعلقة بكيفية العلاقات التي نقيمها مع جيرانها.
بينما رحّبت دول خليجية بإعلان العقوبات المفروضة على إيران، مجددة موقفها بضرورة وقف أنشطة النظام الإيراني المهددة للسلام والاستقرار، وجدّدت السعودية، عبر وزير خارجيتها الدكتور إبراهيم العساف، ترحيبها البالغ بإعلان وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بشأن العقوبات المفروضة على صادرات النفط الإيراني.
وأعرب العساف عن الدعم الكامل للخطوة التي اتخذتها الولايات المتحدة، باعتبارها خطوة لازمة لحمل النظام الإيراني على وقف سياساته المزعزعة للاستقرار، ودعمه ورعايته للإرهاب حول العالم، حيث دأب النظام الإيراني على استخدام موارد الدولة الإيرانية لتمويل هذه السياسات الخطيرة، دون أي اعتبار لمبادئ القانون الدولي، وشدد العساف على موقف الرياض من ضرورة مواصلة الجهود الدولية لحمل النظام الإيراني على الالتزام بمبادئ القانون الدولي ووقف تدخلاته السافرة في الشؤون الداخلية للدول الأخرى ونشاطاته التي أدت إلى جلب الفوضى والخراب لكثير من الدول.
وأكد إبراهيم العساف على ما ورد في تصريح المهندس خالد الفالح وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية من تأكيد، مجدداً دعوته لمواصلة الرياض سياستها الراسخة، التي تسعى من خلالها إلى تحقيق الاستقرار بالأسواق في جميع الأوقات، وعدم خروجها من نطاق التوازن، وأشار العساف إلى أن بلاده ستقوم بالتنسيق مع منتجي النفط الآخرين، من أجل التأكد من توفر إمدادات كافية من النفط للمستهلكين، والسعي لاستقرار ونمو الاقتصاد العالمي.
ورحّبت مملكة البحرين بإعلان وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، بشأن العقوبات المفروضة على صادرات النفط الإيراني، في خطوة ضرورية ومهمة من شأنها دعم وتعزيز الجهود الرامية إلى تجفيف منابع الإرهاب والتصدي للدور الخطير الذي تقوم به إيران في زعزعة الأمن والاستقرار ودعم التنظيمات والميليشيات الإرهابية في المنطقة.
وأشادت المنامة بالدور الكبير والجهود المتواصلة للولايات المتحدة، والقرارات التي تتخذها في مواجهة مختلف أشكال العنف والتطرف والإرهاب، وكل من يدعمه ويموله، على الصعيدين الإقليمي والدولي، مجددة موقفها الثابت الداعي إلى ضرورة تكاتف وتعزيز الجهود الدولية الهادفة إلى وقف أنشطة وسياسات النظام الإيراني التي تهدد الأمن والسلام، والكفّ عن مساعيه لإثارة الفوضى في المنطقة، وإجباره على احترام استقلال وسيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية. وبحسب معلومات خاضة حصل عليها مركز الروابط فإن واشنطن سوف تمدد للعراق شراء الغاز الإيراني حتى نهاية صيف هذا العام.
وكان وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو أعلن أن بلاده لن تمدد أية إعفاءات للعقوبات على النفط الإيراني بعد الثاني من مايو/ أيار المقبل، مشيراً إلى أن هدف بلاده هو “أن تكون عائدات النفط الإيراني صفراً”، وأكد وزير الخارجية الأميركي، خلال مؤتمر صحفي في واشنطن، أن “80% من عائدات إيران هي من النفط، وقد حرمنا النظام الإيراني من (10) مليارات دولار على الأقل، بسبب قرارنا عدم تجديد الإعفاءات على عقوبات نفط إيران”.
وقال بومبيو، إن النظام الإيراني واصل استخدام الأموال التي يحصّلها من بيع النفط في إنتاج صواريخه الباليستية والتدخل في شؤون الدول ليس فقط في المنطقة بل وفي مناطق أخرى كفنزويلا أيضاً، ويدعم الميليشيات التي تحارب في اليمن، ونوه بومبيو، بأن الإعفاءات التي منحت لعدد من الدول ستتوقف و«على كل دولة أن تعمد إلى وقف هذا الاستيراد، لأن الأمر لا يستحق المخاطرة وتعريض نفسها للعقوبات»، بحسب قوله.
وقال بومبيو: «بإعلان إنهاء الإعفاءات تؤكد الولايات المتحدة جديتها في ممارسة ضغوطها على إيران، وأن إعادة النظر بهذه السياسات مرهونة بالسياسات التي سيتبعها النظام الإيراني وسلوكه السياسي والإقليمي»، مشدداً على ضرورة أن ينصاع النظام للجلوس إلى طاولة المفاوضات.
وأكد بومبيو، أن ما تقوم به الولايات المتحدة يعكس أيضا رغبة الشعب الإيراني الذي يطالب نظامه بالكف عن سياساته والالتفات إلى مصالحه، ونوه بأن «واشنطن حذرت طهران من أن أي هجوم علينا سيقابل برد قوي»، مشيراً إلى أنه ليس لديه تعليق على تغيير قائد الحرس الثوري، وأن «التمييز في وجود تيارات مختلفة داخل النظام ليس مهما، لأن رموزه، بدءاً بالرئيس روحاني والوزير ظريف وغيره، لا تفرق ولا تختلف في السياسات التي يتبعها قاسم سليماني».
من جانبه، قال المبعوث الأميركي الخاص بإيران برايان هوك، إن واشنطن ترى أن العقوبات على إيران تجعل الشرق الأوسط أكثر أمناً، مشدداً على أن الإجراءات الأميركية تسعى لأن تتحول إيران إلى دولة طبيعية، مشدداً على أن واشنطن تتخذ خطوات قوية حتى تتوقف إيران عن «عملياتها التوسعية».
ومنذ سنوات، تتصدر تركيا دول العالم المعارضة للعقوبات الأميركية على إيران، لا سيما فيما يتعلق بمنع طهران من تصدير الطاقة، وذلك لأسباب متعددة، أبرزها اعتماد تركيا على إيران بشكل أساس في سد احتياجاتها الضخمة من النفط والغاز الطبيعي.
وعلى الرغم من أن تركيا كانت أبرز الدول الثماني التي حصلت على استثناء أميركي يسمح لها بالاستمرار في استيراد النفط والغاز من إيران لفترة معينة، إلا أن أنقرة أكدت منذ أمد طويل أنها لن تلتزم بهذه العقوبات على الإطلاق حتى عقب انتهاء فترة الاستثناء الأميركي.
وفي تصريح سابق للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قال ان بلاده «لن تلتزم قطعاً» بالعقوبات الأميركية على إيران حتى بعد انقضاء فترة الاستثناء الأميركي، ولفت إلى أن بلاده «ترفض العقوبات لا سيما المتعلقة بأمور النفط الذي لا غنى عنه»، مشيراً إلى أن بلاده تستورد الغاز من إيران ولا يمكنها ترك مواطنيها عرضة للتجمد في برد الشتاء امتثالاً للعقوبات.
هذا الرفض التركي «القطعي» للالتزام بالعقوبات الأميركية على إيران ينبع من مدى اعتماد تركيا الفقيرة بمصادر الطاقة على إيران بشكل أساس في استيراد النفط والغاز الطبيعي من إيران وبأسعار أقل من غيرها لقربها، وذلك على الرغم من المتاعب السياسية والاقتصادية التي يمكن أن يسببها لها هذا الموقف. وعلى صعيد النفط ومشتقاته، وحسب تقرير الدولة الرسمي حول واردات النفط التركية لعام 2017 الذي اطلعت عليه «القدس العربي»، فإن إيران تتصدر قائمة الدول التي تستورد منها تركيا النفط ومشتقاته المختلفة وبفارق كبير عن الدول الأخرى.
ويظهر التقرير أن تركيا استوردت من إيران عام 2017 حوالي 11.5 مليار طن من المشتقات النفطية، وفيما يتعلق بالغاز الطبيعي، وحسب تقارير الدولة الرسمية لعام 2017 التي اطلعت عليها «القدس العربي»، فإن تركيا تعتمد بالدرجة الأولى في تأمين احتياجاتها الهائلة من الغاز من روسيا بالدرجة الأولى بنسبة تصل إلى 52٪، بينما تحل إيران بالدرجة الثانية مباشرة بنسبة تصل إلى 17%. وبشكل عام تعتبر تركيا واحدة من أكثر الدول المستوردة للطاقة في العالم لافتقارها للموارد الطبيعية وضخامة استهلاكها، ويعتبر استيراد البترول والنفط من الخارج عامل الاستنزاف الأكبر لخزينة الدولة، وهو ما دفع أنقرة لتعزيز مساعيها للبحث عن الموارد الطبيعية في شرقي البحر المتوسط رغم مخاطر أن يؤدي ذلك إلى صدام مع اليونان، إلى جانب بدئها العمل على إنشاء أكثر من محطة نووية لتوليد الطاقة الكهربائية للتقليل من اعتمادها على الخارج، بالتوازي مع مساعيها لتعزيز اعتمادها على الطاقة النظيفة. وحسب الأرقام السابقة، فإن إيران تعتبر المزود الأول للبترول والثاني للغاز الطبيعي إلى تركيا وهو ما يجعل من إمكانية تخلي تركيا عن النفط والغاز الإيراني عملية شبه مستحيلة، ويمكن أن تؤدي إلى نقص حاد جداً في السوق التركي.
إلى جانب ذلك، لا يبدو من السهل بحث تركيا عن بدائل للغاز والنفط الإيراني، فالكمية المطلوبة كبيرة، فيما يمكن لروسيا وجورجيا سد جزء من الاحتياجات التركية من الغاز، لا يعرف كيف يمكن لأنقرة تأمين الـ27٪ من البترول الذي تستورده من إيران من مكان آخر دون الحاجة لمد خطوط نقل جديدة وهو ما يحتاج لسنوات من التخطيط والتجهيز. بالإضافة إلى ذلك، تعتبر أسعار النفط والغاز الإيراني من الأفضل لتركيا في المنطقة لقربها وقصر مسافة النقل بين البلدين، لا سيما وأن ذلك يأتي في الوقت الذي خسرت فيه العملة التركية قرابة 40٪ من قيمتها، ما رفع فاتورة واردات الطاقة بشكل هائل على الحكومة التركية كونها تستوردها بالعملات الأجنبية، وبالتالي فإن الاقتصاد التركي لم يعد يحتمل أي ارتفاع جديد في تكاليف فاتورة واردات الطاقة مع وصول نسبة التضخم في البلاد إلى قرابة 30٪.
وإلى جانب ذلك كله، تعتبر تركيا أن العقوبات الأميركية مقدمة لمخطط أوسع لإحداث الفوضى في إيران وتخريب النظام السياسي فيها، وهو ما تعارضه تركيا بقوة وتعتبره تهديداً مباشراً على أمنها القومي، ويقول كتاب أتراك: «رغم اختلافنا الشاسع مع إيران ولكن إذا سقطت ستكون تركيا الهدف المقبل». ». والسؤال الذي يطرح في هذا السياق: هل تتوقف تركيا عن شراء النفط الإيراني؟ ارتبطت تركيا بعلاقات اقتصادية قوية مع إيران في الأعوام القليلة الماضية على الرغم من الجهود الغربية لعزل طهران بسبب برنامجها النووي.غير أن بقاء تلك العلاقات بالوتيرة نفسها يواجه تحديات أميركية مستمرة كان آخرها وقف واشنطن إعفاءات شراء النفط الإيراني، الأمر الذي طرح أسئلة بشأن انعكاسات هذا القرار على تركيا، وكيفية تعامل أنقرة مع الموضوع.
ويرجح القيادي في حزب العدالة والتنمية الحاكم رسول توسون في تصريحات له ألا تتوقف أنقرة عن شراء النفط الإيراني في الوقت القريب، معربا عن اعتقاده بعزم الحكومة مواصلة شرائه ما لم تدعم الأمم المتحدة أو تتبنى الحظر الذي تفرضه الولايات المتحدة.وأضاف توسون النائب البرلماني السابق أن “أنقرة تحصل على سعر جيد جدا من إيران، ومن وجهة نظرها لا يوجد شيء مخالف للقانون، نحن ندفع من خلال وسائل قانونية، وما دام الأمر كذلك فلماذا التوقف عن شراء النفط الإيراني؟”.وأكد أن “إيران جارة جيدة لتركيا، ولن نقطع علاقاتنا التجارية معها لأن دولا أخرى طلبت منا هذا بسبب برنامجها النووي”.
وأشار القيادي في الحزب الحاكم إلى أن بلاده ستنظر فيما إذا كانت الولايات المتحدة ستفرض لاحقا عقوبات جدية على تركيا في هذا الشأن، مبينا أن حكومته ستعمل على إقناع الرئيس الأميركي ترامب بالحصول على استثناءات جديدة بعد انتهاء أجل الاستثناءات الحالية في مايو/أيار. ويعتقد توسون أنه إن كانت واشنطن مصرة على موقفها أو على استعداد للتضحية بعلاقتها مع أنقرة فإن تركيا سترد بالتحول إلى أسواق جديدة وشراكات جديدة وتحالفات جديدة، موضحا أن أنقرة ستتبع مصالحها في نهاية المطاف.
وتفيد بيانات من هيئة تنظيم سوق الطاقة التركية بأن تركيا تحتاج إلى نفط إيران، إذ تستورد الأولى من الأخيرة نصيبا كبيرا من احتياجاتها من النفط والغاز، ففي العام 2017 أصبحت إيران المصدر الأول الذي تحصل منه تركيا على الطاقة بما يعادل 44.6% من مجموع الإمدادات النفطية و17% من إجمالي واردات الغاز، وتعتمد أنقره في النسبة الباقية على العراق وروسيا والكويت والسعودية.وارتفع حجم التبادل التجاري بين إيران وتركيا في السنوات الماضية بأكثر من 80%، وشملت الصادرات الإيرانية إلى تركيا النحاس والألمنيوم والفولاذ والزنك والمشتقات النفطية والغاز والبطيخ والفستق، في حين شملت الصادرات التركية لإيران الحبوب والتبغ والآلات الصناعية والقطن والخشب والأدوية والورق.ويتوقع خبراء اقتصاديون أن تواصل الصين وتركيا شراء الكميات نفسها أو أكثر منها على الرغم من إشارات سابقة من أنقرة إلى أنها قد تشتري المزيد من النفط السعودي.
من جهته، قال أستاذ العلاقات الدولية في جامعة “نجم الدين أربكان” غوكهان بوزباش إن واشنطن تزرع الفوضى في الشرق الأوسط، وتتبع سياسة بعيدة عن واقع المنطقة، ومن الوارد التماس تبعاتها بعد خمس أو عشر سنوات، الأمر الذي سيسبب صراعا في المنطقة.وأضاف بوزباش للجزيرة نت “لا يمكن لأنقرة القبول بقرار وقف إعفاءات شراء النفط الإيراني الذي من شأنه إشعال صراع في الشرق الأوسط”، مبينا أن السياسة التركية كانت وما زالت ترجح الحل الدبلوماسي لأي مشكلة كانت، وأشار إلى أن تركيا لديها حصة من الغاز الإيراني كما الصين واليونان وغيرها من الدول على خلفية اتفاقيات نفذت منذ نحو 20 عاما وأكثر.
وتعقيبا على تصريحات وزير الخارجية التركي، ذكر بوزباش أن هذا الموقف ليس جديدا على تركيا المرتبطة بعلاقات تجارية موسعة مع إيران، فسابقا رفضت تركيا كذلك الالتزام بالعقوبات الأميركية على إيران، لافتا إلى أن أنقرة لا تريد وقف شراء النفط الإيراني تفاديا لمؤشر العجز في الحساب الجاري وزيادة التضخم وخفض النمو الاقتصادي. وأكد أن على ترامب معرفة أن قرارا مثل هذا لا يخص فقط أنقرة وطهران، فجميع الدول معنية بذلك، وعلى الرئيس الأميركي إظهار استعداده للتعاون كتعاون أنقرة مع واشنطن حيال قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في إسطنبول العام الماضي.ويرى بوزباش أن بعض دول المنطقة كالإمارات والسعودية تدعم سياسة واشنطن، وهذا الدعم يعقد المشكلة.
والسؤال الذي يطرح في هذا السياق: كيف ستتعامل إيران مع وقف امداداتها النفطية؟ هل ستعمد إيران إلى شحن الشارع الإيراني ضد واشنطن وحلفائها بعد وقف الإعفاءات الأخيرة، وإلقاء تبعة الضائقة الاقتصادية العظمى التي تعيشها إيران على هؤلاء وأولئك؟ مبدئياً، يمكن توقع ذلك، لكن الذين قدر لهم متابعة ثورات وفورات الجماهير الإيرانية خلال الأشهر المنصرمة، يدرك أنهم أكثر وعياً بالمسؤولية التي تقع على عاتق النظام الإيراني، والذي تسبب بسياساته الخرقاء في جلب العداوات على الداخل الإيراني.
لم يعد ينطلي على الإيرانيين الشعارات التي لا تملأ البطون الخاوية، وهذا ما علا به صوت المتظاهرين الذين رددوا هتافات معادية لحزب الله اللبناني، ومنادين بسقوط النظام الإيراني على بكرة أبيه. يدرك الإيرانيون إدراكاً واضحاً وجلياً حجم الإنفاق الرهيب الذي تدعم به طهران أذرعها الميليشياوية إقليمياً، ناهيك عن الموازنات السرية للحرس الثوري، ويتساءلون بكرة وأصيلاً عمن أجدر بهذه الأموال، وما الذي عاد عليهم من الرايات الفاقعة منذ زمن الخميني وصولاً إلى خامنئي.
حين تفقد إيران تصدير مليون برميل من النفط يومياً، فإن الحدث جلل، وارتداداته حتماً كارثية مع الوصول إلى تصفير عداد نفط إيران للخارج، وكافة محاولات الالتفاف على العقوبات ستكون قاصرة، ومن هنا يطفو على السطح السؤال الأكثر إثارة: «ترى ماذا هم فاعلون، وهل سيذهبون في طريق العقلانية أم يرجحون خيارات الجنون؟
قبل الجواب ربما يتحتم علينا قراءة دلالات التغيرات والتطورات الأخيرة المتصلة بالحرس الثوري الإيراني، فقد عيّن المرشد خامنئي قائداً جديداً لحرسه الثوري، – العميد الذي بات الآن لواء – حسين سلامي، رجل غابة الصواريخ والأنفاق الشهير، والأكثر أدلجة من سابقه علي جعفري.
يلفت كل الانتباه في مرسوم خامنئي بتعيين سلامي، تشديد الأول على أهمية التوسع في الأبعاد الآيديولوجية لقوات الحرس الثوري، فضلاً عن تعزيز قدراته المتعددة الجوانب، وجاهزية كل قطاعاته… ماذا عن تلك القطاعات؟
ربما يجدر بنا أن نذكر أن الحرس الثوري يملك أقساماً أساسية عدة: قوات برية وبحرية، جوية وصاروخية، وفيلق القدس، وقوات الباسيج، إضافة إلى كيانات اقتصادية ودعائية تنشط في مجالات مختلفة بإيران…… فهل تكليف خامنئي يعني الاستعداد الإيراني للمواجهة العسكرية مع أميركا عما قريب؟
حين يأتي حسين سلامي إلى موقعه هذا مع حال العقوبات الكارثية الأخيرة، فإن الذاكرة تستدعي وعلى الفور تهديدات الرجل حين كان نائباً لجعفري بإغلاق مضيق هرمز، وهو يمضي في إثر هيراركية إيرانية ترى أنه حال لم تتمكن طهران من تصدير نفطها عبر الممر الشهير، فإنها ستمنع مرور أي نفط للعالم الخارجي، مقتدين ربما بما قاله أبو فراس الحمداني ذات مرة: « إذا مِتّ ظَمْآناً فَلا نَزَل القَطْرُ».
هل ستعمد إيران إلى شحن الشارع الإيراني ضد واشنطن وحلفائها بعد وقف الإعفاءات الأخيرة، وإلقاء تبعة الضائقة الاقتصادية العظمى التي تعيشها إيران على هؤلاء وأولئك؟مبدئياً، يمكن توقع ذلك، لكن الذين قدر لهم متابعة ثورات وفورات الجماهير الإيرانية خلال الأشهر المنصرمة، يدرك أنهم أكثر وعياً بالمسؤولية التي تقع على عاتق النظام الإيراني، والذي تسبب بسياساته الخرقاء في جلب العداوات على الداخل الإيراني. لم يعد ينطلي على الإيرانيين الشعارات التي لا تملأ البطون الخاوية، وهذا ما علا به صوت المتظاهرين الذين رددوا هتافات معادية لحزب الله اللبناني، ومنادين بسقوط النظام الإيراني على بكرة أبيه.
يدرك الإيرانيون إدراكاً واضحاً وجلياً حجم الإنفاق الرهيب الذي تدعم به طهران أذرعها الميليشياوية إقليمياً، ناهيك عن الموازنات السرية للحرس الثوري، ويتساءلون بكرة وأصيلاً عمن أجدر بهذه الأموال، وما الذي عاد عليهم من الرايات الفاقعة منذ زمن الخميني وصولاً إلى خامنئي.
حين تفقد إيران تصدير مليون برميل من النفط يومياً، فإن الحدث جلل، وارتداداته حتماً كارثية مع الوصول إلى تصفير عداد نفط إيران للخارج، وكافة محاولات الالتفاف على العقوبات ستكون قاصرة، ومن هنا يطفو على السطح السؤال الأكثر إثارة: ترى ماذا هم فاعلون، وهل سيذهبون في طريق العقلانية أم يرجحون خيارات الجنون؟ قبل الجواب، ربما يتحتم علينا قراءة دلالات التغيرات والتطورات الأخيرة المتصلة بالحرس الثوري الإيراني، فقد عيّن المرشد خامنئي قائداً جديداً لحرسه الثوري، العميد الذي بات الآن لواءً – حسين سلامي، رجل غابة الصواريخ والأنفاق الشهير، والأكثر أدلجة من سابقه علي جعفري. يلفت كل الانتباه في مرسوم خامنئي بتعيين سلامي، تشديد الأول على أهمية التوسع في الأبعاد الآيديولوجية لقوات الحرس الثوري، فضلاً عن تعزيز قدراته المتعددة الجوانب، وجاهزية كل قطاعاته… ماذا عن تلك القطاعات؟
ربما يجدر بنا أن نذكر أن الحرس الثوري يملك أقساماً أساسية عدة: قوات برية وبحرية، جوية، وصاروخية، وفيلق القدس، وقوات الباسيج، إضافة إلى كيانات اقتصادية ودعائية تنشط في مجالات مختلفة بإيران…… فهل تكليف خامنئي يعني الاستعداد الإيراني للمواجهة العسكرية مع أميركا عما قريب؟ حين يأتي حسين سلامي إلى موقعه هذا مع حال العقوبات الكارثية الأخيرة، فإن الذاكرة تستدعي وعلى الفور تهديدات الرجل حين كان نائباً لجعفري بإغلاق مضيق هرمز، وهو يمضي في إثر هيراركية إيرانية ترى أنه حال لم تتمكن طهران من تصدير نفطها عبر الممر الشهير، فإنها ستمنع مرور أي نفط للعالم الخارجي، مقتدين ربما بما قاله أبو فراس الحمداني ذات مرة: « إذا مِتّ ظَمْآناً فَلا نَزَل القَطْرُ».
ليس واضحاً بما يكفي إن كانت إيران تمضي هذه المرة لجهة سياسة نحو حافة الهاوية ثم التراجع كعادتها، أم أنها وأمام إخفاقاتها تجاه شعبها في الداخل، وانكسارات الخارج من جراء عدم المقدرة على الإنفاق على وكلائها وضياع مشروعاتهم الثورية المغشوشة، ستفضّل الارتماء في وهدة الجحيم الذي تشعل حطبه بأيديها، حفاظاً على رؤيتها الدوغمائية التي دافعت ونافحت عنها منذ أربعة عقود وحتى الساعة، ارتماءً أقرب إلى صرخة الطائر الذبيح.
بين إعفاء محمد علي جعفري من قيادة «الحرس الثوري»، وإنهاء الولايات المتحدة العمل بالإعفاءات التي كانت قد منحتها لثماني دول تستورد النفط والغاز من إيران، وما بينهما من تسريبات صحفية عن احتمال اندلاع حرب إسرائيلية ضد لبنان هذا الصيف، يرفع الطرفان من احتمالات المواجهة المباشرة أو غير المباشرة بينهما، ولم يعد مستبعداً أن يقوم أحدهما بتحديد ساعة الصفر، بعدما دخل الطرفان في مرحلة التهيئة لها، حيث أوكلت طهران المهمة للرجل الذي يتبنى مشروع المواجهة عسكرياً وعقائدياً ويروج له، فيما رفعت واشنطن من قسوة حصارها الاقتصادي مستخدمة سلاح العقوبات وسيلة إلى لَيِّ ذراع طهران بعد قرار تصفير صادراتها النفطية، الذي سبقه بأسابيع قرار وضع «الحرس الثوري» على قائمة الإرهاب الأميركية، إضافة إلى تشديد العقوبات المالية على «حزب الله».
بين نفي الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله ما نقلته صحيفة «الرأي» الكويتية من كلام منسوب إليه يتوقع فيه اندلاع حرب مع الكيان العبري، وتهديد قائد القوات البحرية في «الحرس» بإغلاق مضيق هرمز إذا حرمت إيران من استخدامه، والحديث عن إعادة تموضع روسي في سوريا مرتبطة بأولويات موسكو الإسرائيلية، واستمرار تل أبيب في ضرب أهداف إيرانية في سوريا، ورفض الجامعة العربية في اجتماعها الطارئ أية خطة سلام لا تلتزم بقرارات الشرعية الدولية ومعادلة «الأرض مقابل السلام» ومشروع حل الدولتين، واعتبار الرئيس الفلسطيني محمود عباس أن «الأمور تسير من سيئ إلى أسوأ»… يبدو أن المنطقة أمام خيار حرب استباقية باتت الوسيلة الوحيدة للخروج من حالة المراوحة بين اللا حرب واللا سلام، والاتجاه نحو اتخاذ قرار الحسم الذي ينتظر أن يحدد أحد الأطراف فيه موعد ساعة الصفر.
وحدة الدراسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية