عند الحديث عن جماعة الإخوان المسلمين في أوروبا تتصدر الواجهة دول مثل فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة، ونادرا ما يتم ذكر إسبانيا رغم أنها تعد معقلا رئيسيا للجماعة وإحدى أكثر الدول التي تضم مؤسسات ومنظمات إسلامية تابعة لجماعة الإخوان، لكنها تعمل في صمت، حتى أن بعضها مستعد لإنكار علاقته بالجماعة ضمن سياسة لم تعد تؤتي أكلها في ظل التضييق على الإخوان والدعوات المستمرة التي تطالب إسبانيا ودول أوروبية أخرى بالتحقيق في الأموال التي تحصل عليها مثل هذه المنظمات، وحتى الدفع نحو السير على خطة دونالد ترامب للتفكير في وضعها على قائمة الجماعات الإرهابية.
لندن – امتد الجدل الذي أثاره إعلان الحكومة الأميركية عن العمل على إدراج جماعة الإخوان المسلمين على قائمة الجماعات الإرهابية الأجنبية إلى الأوساط الأوروبية التي تطالب حكوماتها منذ سنوات بإقرار مثل هذا التصنيف، بعد أن كشفت العديد من المراجعات عن علاقة الإخوان بالتطرّف، سواء من خلال أدبيات الجماعة أو من خلال ممارستها التي تتسبب في أزمة هوية لدى المسلمين في الغرب نتيجة سياسة الانغلاق التي تمارسها مؤسسات وجمعيات ومدارس تابعة للجماعة.
وتعد أوروبا المعقل التقليدي للإخوان، لا فقط لأن بريطانيا كانت ملجأهم بعد أن ضيق عليهم جمال عبدالناصر الخناق، بل أيضا لأن الدول الأوروبية تعتبر من أكثر المستقطبين للمهاجرين المسلمين (السنة)، خاصة دولا مثل فرنسا وإيطاليا وإسبانيا، التي تعد وجهة رئيسية لدول شمال أفريقيا.
ويشير المحلل دانيال أبسكال، في تقرير على موقع اتليار الإسباني، إلى أن إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب ستكون له عواقب على أعضاء الجماعة ومؤيديها في أوروبا، مضيفا أن الأمر قد يكون معقدا في أوروبا حيث يتصرف الإخوان بقدر كبير من السرية حتى أن بعض المؤسسات والأطراف تنكر عضويتهم في المنظمة.
ما يحدث في الدول الأوروبية هو أن هناك عدة مؤسسات ومنظمات لها انتماءات أو صلات غير مباشرة مع جماعة الإخوان المسلمين تميل إلى الجماعات السلفية التي انتهى بها المطاف في سوريا مع داعش والقاعدة.
وينقل أبسكال عن سيرجيو كاستانيو، وهو خبير في الحركات الإسلامية ومؤلف كتاب “الإخوان المسلمون”، أن أيا من أعضاء الحركات الإسلامية في أوروبا لا يعترف بانتمائه إلى الجماعة، مضيفا “إنهم يتجنبون الروابط مع الكيانات المحظورة في بعض البلدان والتي من المحتمل أن تضر بأدائهم في أوروبا”، لكن “العديد من الروابط العاطفية وحتى العائلية تربطهم بالشبكات الإسلامية، حتى لو لم يشاركوا كأعضاء أصليين في هذه المنظمات”.
وفقا للتقرير الذي نشره مرصد الإرهاب، ليس من السهل في إسبانيا تحديد وجود جماعة الإخوان المسلمين، لأنها لا تظهر في أي سجل على هذا النحو وتتجنب التعريف بنفسها. في السابق، في الستينات والسبعينات من القرن الماضي، وفقًا لقانون الجمعيات لعام 1964، تم تسليط الضوء على بعض الكيانات والمنظمات التي أنشأها المسلمون كمركز غرناطة الإسلامي في عام 1966 وجمعية مليلية الإسلامية في عام 1968 وجمعية سبتة في عام 1971. وفي نفس العام، تم تسجيل الرابطة الإسلامية الإسبانية في مدريد من قبل رياي تاتاري. في الوقت نفسه، أسس نزار أحمد الصباغ دار النشر La Casa Islámica في غرناطة وتخصصت أساسا في نشر كتب لحسن البنا وسيد قطب والمودودي، وجميعهم من منظري جماعة الإخوان المسلمين.
وفي عام 1990، أنشأ رياي تاتاري، إمام مسجد أبوبكر، الذي يقع في مدريد، اتحاد الجمعيات الإسلامية في إسبانيا. واتخذ دانيال أبسكال من تاتاري مثالا، لأنه لطالما نفى عضويته في جماعة الإخوان المسلمين.
وكان تاتاري قال، في حوار مع صحيفة “إل كونفيدينشيال”، في رده على سؤال حول علاقته بالإخوان، “لا علاقات مع الإخوان. ما يهمني فقط هو المجتمع المسلم بأكمله وهذا هو المشروع الذي أدافع عنه. الإسلام أكبر بكثير من كل تلك الحركات والجماعات، التي ليست سوى أدوات”.
لكن، أبسكال يرى أن المسجد التتاري والرابطة الإسلامية في إسبانيا لهما صلات مع اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا، الذي يمثل جماعة الإخوان المسلمين في المملكة المتحدة. ويشير إلى أنه بالإضافة إلى مساجد أبوبكر والرابطة الإسلامية واتحاد الجاليات الإسلامية في إسبانيا، فإن المنظمات الشريكة الأخرى في إسبانيا مع جماعة الإخوان المسلمين هي:
المركز الثقافي الإسلامي ببلنسية، بقيادة رضا باروني، القيادي في حركة النهضة الإسلامية، الفرع التونسي للإخوان المسلمين.
اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا، وبعض أعضائه يعملون أيضا في منظمة الإغاثة الإسلامية في إسبانيا، وأعضاء آخرون هم أيضا جزء من حزب النهضة التونسي.
منظمة الإغاثة الإسلامية في إسبانيا. الفرع الإسباني للمنظمة الخيرية الدولية، ويرتبط ارتباطا وثيقا بالإخوان المسلمين. واتهمت في تقرير أصدرته عام 2002 لجنة الإعلام العام لتمويل معسكرات التدريب لتنظيم القاعدة في أفغانستان.
ويشير التقرير الإسباني إلى أن جماعة الإخوان المسلمين ما زالت تحاول توسيع “معقلها” في إسبانيا، كما يتضح من أمر الترحيل الصادر ضد علاء محمد سعيد، رئيس الاتحاد الإسلامي للأئمة والمرشدين في إسبانيا، بسبب خطبه في المساجد التي تعمل على استقطاب الموالين.
ويوضح التقرير أن لقطر علاقة بمثل هذه التحركات خاصة على مستوى التمويل، حيث يشير إلى أن الدوحة تخصص ميزانيات ضخمة في شكل مساعدات تقدم لهذه المراكز والمؤسسات. يقول أبسكال إن الأموال تصل إلى هذه المراكز والمنظمات -بالإضافة إلى مشاريع أخرى (مثل كلية بلنسية الإسلامية)- بشكل رئيسي من قطر والجمعيات الخيرية الإسلامية مثل الإغاثة الإسلامية أو غيرها من المنظمات المرتبطة بالإخوان المسلمين في جميع أنحاء العالم.
ولفت أبسكال إلى أنه تم اكتشاف أن التنظيم الدولي للإخوان ينقل جزءا كبيرا من أصوله من فرنسا إلى كاتالونيا، في أعقاب ضغوط على المسؤولين للتحقيق في استثمارات الإخوان وأموالهم. وفي عام 2012 قالت تقارير حكومية فرنسية إن قطر استثمرت 50 مليون يورو في الضواحي الفقيرة ذات الأغلبية المسلمة في باريس. وتحاول قطر تكرار نفس السياسة في إسبانيا، حيث تسعى تنظيمات الإسلام السياسي إلى ترويج أيديولوجيا متشددة تقوم على “استعادة الأندلس من المحتلين الإسبان”.
ويقول أبسكال إن الإخوان يجدون تعاطفا في إسبانيا بسبب الخطاب التقليدي عن تحرير الأندلس. لذلك، يحذر الكثير من الخبراء -على غرار لورديس فيدال، الباحث بالمعهد الأوروبي المتوسطي- من خطر الإخوان في إسبانيا، مشيرا إلى أن الخطر يكمن في جهود الإخوان المستمرة لخلق بيئة أيديولوجية ودينية تدعم أفكارهم المتطرفة.
نجحت جماعة الإخوان على مدى عقود في نسج خيوط شبكتها الممتدة في أوروبا عبر المساجد وغطاء الجمعيات الخيرية والمؤسسات التعليمية وأيضا عبر العلاقات الخاصة مثل الزواج، بما يضمن الاستمرارية عبر هذه العلاقات العائلية.
ويقول لويس دي لا كورتيه، الباحث في معهد الشؤون الأمنية في جامعة مدريد المستقلة، إن الإخوان المسلمين يعملون من خلال إستراتيجية مزدوجة، فهم “لا يحاولون فقط بناء نفوذ على أسس دينية، ولكن يعملون أيضا بكل جد على اكتساب نفوذ في المؤسسات السياسية وبين الطبقة الحاكمة”.
وفي السنوات الأخيرة أصبحت الأضواء مسلطة على الإخوان في الولايات المتحدة وأوروبا، وباتت الأصوات تعلو مطالبة بحظر الجماعة والبحث في خفايا تمويلاتها وجمعياتها. ومن بين التحقيقات التي سلطت الضوء على هذا التهديد، التحقيق الذي أجري في بريطانيا في سنة 2014، بطلب من رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون، حول ما إذا كانت المنظمات المستوحاة من فكر جماعة الإخوان المسلمين والمتمركزة في المملكة المتحدة تشكل تهديدا للأمن القومي البريطاني.
خلص التقرير إلى أنه “يجب تصنيف الانضمام أو اتباع جماعة الإخوان المسلمين كدليل على التطرف”، لكنها لم توص بحظر الجماعة بشكل كلي، الأمر الذي جعل الجدل متواصلا، وتضاعفت قوته مع قرار الرئيس الأميركي الأخير.
العرب