بعد عام على الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي: الاقتصاد الإيراني يتجه إلى الأسوأ

بعد عام على الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي: الاقتصاد الإيراني يتجه إلى الأسوأ

وقّع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 8 مايو 2018 قرار انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، وأعلن في الوقت نفسه إعادة العمل بالعقوبات الأمريكية المرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني، وقد وجد قرار ترامب صدى دوليًّا وإقليميًّا واسعًا. ويعود ذلك إلى أن الاتفاق منذ تم توقيعه في منتصف عام 2015 بين إيران ومجموعة 5+1 وهو مثار جدل على الساحتين الإقليمية والدولية، لا سيّما أنه لم يؤدِّ إلى حدوث أي تغيير في سلوك النظام الإيراني، سواء في الداخل أو في الخارج، فداخليًّا لم يُحدِث الاتفاق تغييرات إيجابية كما كان رهان الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما وشركائه الأوروبيين، كما لم تتخلَّ إيران عن برامجها العسكرية، خصوصًا برنامج الصواريخ الباليستية، ولم تتعاون بالقدر الكافي بحسب وجهة النظر الأمريكية في ما يتعلق ببرنامجها النووي. وخارجيًّا استغلّت إيران الاتفاق من أجل إضفاء شرعية على دورها الإقليمي، الذي تسبّب في الأساس بتهديد بالغ للأمن والسلم الإقليميين، وازداد الجدل حول الاتفاق أكثر فأكثر بعدما جاء ترامب إلى السلطة مطلع عام 2017 وكان ضمن أولوياته تقويض هذا الاتفاق بوصفه أسوأ اتفاق وقّعته الولايات المتحدة الأمريكية في تاريخها بحسب ترامب، وأنه لا يمنع إيران من تطوير قنبلة نووية في المستقبل.

انتهت يوم الخميس الماضي مهلة الشهور الستة التي كانت الولايات المتحدة منحتها لعدد من الدول التي تشتري النفط الإيراني لإعفائها من العقوبات الأميركية المفروضة على طهران.  -وبالأمس- فرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عقوبات جديدة على إيران، شملت قطاع الصلب والحديد والألومنيوم والنحاس، وهو أكبر مصدر للربح من الصادرات غير النفطية لطهران.وقال ترامب في بيان أصدره الأربعاء، إن الاتفاق النووي الذي وقعته إدارة أوباما مع طهران، غذى الدعم الإيراني للإرهاب وزاد من قوتها الصاروخية وأشعل صراعات إقليمية، ودفع إيران لاحتجاز رهائن أمريكيين واضطهاد الشعب الإيراني، بالإضافة إلى تنشيط برنامجها النووي.وأكد الرئيس الأمريكي أن الأمور يمكن تتغير بشكل كبير خلال عام، وذلك بعد أن اتخذت أمريكا القرار بحماية أمنها القومي، وأشاد بالقرارات التي اتخذتها إدارته خلال الفترة الماضية والتي قال إنها تسببت بمعاناة للنظام الإيراني في عملية تمويله للإرهاب، ودفعت الاقتصاد الإيراني إلى حالة ركود غير مسبوقة، وجففت مصادر الأرباح الإيرانية وأسفرت عن خروج التضخم في طهران عن السيطرة.وأكد الرئيس الأمريكي أن هذه الخطوة تندرج تحت الاستراتيجية التي تتبعها إدارته بفرض ضغط غير مسبوق على الاقتصاد الإيراني، كما أنها تستهدف 10% من الصادرات الإجمالية لطهران، وتوجه رسالة للدول الأخرى بأن استيراد الصلب والحديد من إيران أمر لا يمكن التسامح فيه. وفي نهاية بيانه، دعا ترامب الحكومة الإيرانية للرضوخ للشروط التي وضعتها واشنطن بعد الخروج من الاتفاق النووي وعبر عن تطلعه للقاء القادة الإيرانيين من أجل توفير مستقبل أفضل لإيران.

وكان الرئيس الأمريكي، دونالد ترمب، أعاد فرض هذه العقوبات في العام الماضي بعد أن أعلن انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي مع إيران، وهو اتفاق يقول إنه يريد إعادة التفاوض بشأنه.ويواصل القادة الإيرانيون إبداء تحديهم للعقوبات الأمريكية ويقولون إنهم مصممون على التغلب عليها، ولكن أثر العقوبات على الحياة المعيشية في إيران واضح لا ريب فيه. كان الاقتصاد الإيراني قد تأثر سلبا إلى حد بعيد نتيجة العقوبات التي كان يفرضها المجتمع الدولي جراء برنامج البلاد النووي.
وكان الرئيس الإيراني حسن روحاني اتفق في عام 2015 مع الولايات المتحدة وخمس قوى دولية أخرى على الحد من النشاطات النووية الإيرانية مقابل رفع العقوبات.
وفي العام التالي لتنفيذ الاتفاق النووي، عاود الاقتصاد الإيراني النمو وارتفع الناتج المحلي الإجمالي بحوالي 12,3%، حسب ما يقول المصرف المركزي الإيراني.
ولكن جزءاً كبيراً من هذا النمو الاقتصادي عُزي إلى قطاع النفط والغاز، بينما لم يفي تعافي القطاعات الاقتصادية الأخرى بآمال وتوقعات الإيرانيين.
وفي عام 2017، انخفض معدل النمو ثانية إلى 3,7% ، ما ساعد في إشعال مشاعر الغضب التي أدت بدورها إلى اندلاع أكبر احتجاجات مناوئة للحكومة تشهدها البلاد منذ عقد من الزمن في كانون الأول / ديسمبر الماضي.
بيد أن إعادة فرض العقوبات الأمريكية في العام الماضي – والتي استهدفت قطاعات الطاقة والنقل البحري والمال على وجه الخصوص – أدت إلى توقف الاستثمارات الأجنبية وأضرت كثيرا بصادرات النفط.
وبعد عام على الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي وعودة عقوبات واشنطن، عاني الاقتصاد الإيراني بشدة ، غير أنّ طهران التي لم تنسحب من جانبها تحذّر بأنّ ثمة “حدوداً” لصبرها.
ويوجز الباحث في الشركة الاستشارية الأميركية “اوراسيا غروب” هنري روم، الوضع الاقتصادي في إيران بأنّه سيء ويتجه نحو “المزيد من السوء”.
ويشير صندوق النقد الدولي إلى أنّ الناتج المحلي الإجمالي للجمهورية الإسلامية سيهبط بنسبة 6% عام 2019، بعد تراجع بنسبة 3,9% في 2018.
غير أنّ الهبوط قد يكون أكثر شدّة لأنّ هذا التوقع يعود إلى ما قبل إعلان واشنطن في 22 نيسان/ أبريل عن وضع حد للإعفاءات التي كانت لا تزال تسمح لثماني دول بشراء النفط الإيراني دون مخالفة العقوبات الاقتصادية الأمريكية ذات المفعول الخارجي.
وتبدو هذه الأزمة ضمن مسار أسوأ من الانكماش الاقتصادي لعامي 2012 و 2013 الذي لا يزال ماثلاً في أذهان الإيرانيين، حين أنتجت العقوبات الدولية ضدّ برنامج طهران النووي وبرامجها لتطوير الاسلحة الباليستية أقصى آثارها.
وكان النص الذي جرى التوصل إليه في فيينا في تموز/يوليو 2015 بين الجمهورية الإسلامية ومجموعة 5+1 (الصين، الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، روسيا وألمانيا) سمح بإعادة دمج إيران بمنظومة السياسة الدولية.
وكسبت طهران من خلال الاتفاق الذي أقرّه مجلس الأمن الدولي، رفعاً جزئياً للعقوبات الدولية التي تستهدفها، وفي المقابل، وافقت على الحد من برنامجها النووي بشكل كبير وتعهدت بعدم السعي بتاتاً لحيازة قنبلة نووية.
إلا أنّ حكم الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بأنّ هذا الاتفاق لا يقدّم ضمانات، جعله يعلن في 8 أيار/مايو 2018 نيته بسحب بلاده بشكل أحادي وإعادة فرض العقوبات التي كانت معلّقة بموجب نص فيينا.
وأعيد العمل بالعقوبات ابتداءً من شهر آب/ أغسطس 2018، وتسعى واشنطن لقيادة حملة “ضغوط قصوى” ضدّ طهران بغية دفعها وفق ما تقوله نحو التفاوض على “اتفاق أفضل”.
وبعد مرور عام، يشير ديبلوماسي أوروبي فضّل عدم الكشف عن اسمه، إلى غياب أية نقطة للانطلاق نحو “معالجة، وغياب أية خطة ذات مصداقية تسمح بالتفكير باتفاق أفضل” من اتفاق عام 2015.
وتبحث واشنطن في الواقع، وفقاً للمصدر نفسه، بأسلوب “وقح وغير مسؤول” عن دفع إيران نحو “انتهاك التزاماتها النووية” للتمكن تالياً “من القول للعالم: إيران تشكّل تهديداً”.
وانخفضت قيمة الريال الإيراني مقارنة بالدولار منذ 8 أيار/مايو 2018 بنسبة 57% في الأسواق الحرّة، ما أنتج ارتفاعاً حاداً في أرقام التضخم التي باتت تلامس نسبة 51% على أساس سنوي مقارنة بـ8% قبل عام، وليس الحديث إلا عن النسب الرسمية… ولا تتبع المرتبات النسق التصاعدي.
يؤثر ارتفاع الأسعار بشكل خاص على المواد الغذائية، ويقول مصدر في الصناعات الغذائية “زدنا أسعارنا بنسبة 70%” منذ 21 آذار/مارس 2018 (بداية السنة الإيرانية 1397)، ويضيف “بلا شك، سيتعيّن علينا الزيادة بـ20% حتى شهر تموز/يوليو”.
وفي بعض محلات العاصمة، بات من الصعب العثور على اللحوم الحمراء، كما أصبح الفستق الذي يحضر عموماً على كل طاولات الأفراح، بمثابة ترف غير متاح بالنسبة إلى كثيرين.
وجاء الإعلان الأمريكي بوقف الإعفاءات على مبيعات الخام الإيراني ليفاقم جواً من الأسى والنزعة الحتمية في العاصمة، فيتساءل أحد سكّان طهران: “ماذا سيحل بهذا البلد إذا لم يعد بمقدوره بيع النفط على الإطلاق؟”.
ويعزى انهيار قيمة الريال إلى المشاكل التي يواجهها الاقتصاد الإيراني والطلب الكبير على العملة الأجنبية من جانب الإيرانيين العاديين الذين يشاهدون مدخراتهم وهي تتلاشى ويقلقون من أن الأوضاع قد تزداد سوءا.
وكان الريال قد استعاد بعضا من عافيته منذ أيلول/ سبتمبر 2018 عندما ضخ البنك المركزي الإيراني كميات من الدولارات في السوق المحلية وتصدت السلطات للمضاربين في العملات عندما وصل سعر صرف العملة المحلية إلى 190 ألفا للدولار.
وأدى تدهور سعر صرف الريال إلى شح في السلع والمنتجات المستوردة التي تعتمد على مواد أولية تستورد من الخارج، وعلى وجه الخصوص حفاظات الأطفال.
ارتفاع كلفة المعيشة بشكل كبير، تمكنت حكومة الرئيس روحاني من خفض مستوى التضخم إلى 9% في عام 2017، ولكن صندوق النقد الدولي يقول إن التضخم ارتفع إلى 31% في عام 2018، ويتوقع أن يرتفع أكثر – إلى 37% أو أكثر – هذا العام اذا استمر انخفاض صادرات النفط.
لم يؤثر تدهور قيمة الريال على أسعار السلع المستوردة فحسب، بل أثر سلبا أيضا على المواد الأساسية المنتجة محليا، ففي الشهور الـ 12 الماضية، ارتفعت أسعار اللحوم الحمراء والدجاج بنسبة 57%، وأسعار الحليب والجبن والبيض بـ 37% ، والخضراوات بنسبة 47%، حسبما يقول مركز الإحصاء الإيراني.
وأدى ارتفاع الأسعار إلى ازدحامات كبيرة عند متاجر الأغذية التي تدعمها الحكومة، وخصوصا المتاجر التي تبيع اللحوم المدعومة، وفي محاولة منها لخفض الأسعار، حظرت الحكومة تصدير الماشية واستوردت جوا مئات الآلاف من البقر والخراف من الخارج، ولكن محللين يقولون إن بعض المزارعين الإيرانيين يبيعون اللحوم للدول المجاورة من أجل الحصول على العملات الصعبة.
كما أن هناك خطة تهدف إلى استحداث نظام للكوبونات الإلكترونية لمساعدة الشرائح الفقيرة على شراء اللحوم وغيرها من السلع الأساسية.
يذكر أن 3% من الإيرانيين (2,4 مليون نسمة) لم يكونوا يتقاضون أكثر من 1,90 دولارا في اليوم في عام 2016، كما تلقى الفقراء ضربة أخرى جراء ارتفاع كلفة السكن والخدمات الصحية بحوالي 20% في العام الماضي.
وقال جهاد آزور من صندوق النقد الدولي لوكالة رويترز في الأسبوع الماضي، إن بإمكان إيران ترويض وحش التضخم عن طريق العمل على إلغاء الفرق بين سعر صرف الريال الرسمي وسعره في السوق غير الرسمية.
اختارت إيران البقاء ضمن الاتفاق النووي ومواصلة احترام التزاماتها التي تعهدت بها في فيينا في مقابل الانسحاب الأمريكي، ويرى دبلوماسي أنّ الحكومة الإيرانية التي تواجه صعوبات حقيقية مرتبطة بأثر “إعادة فرض العقوبات، تبدي حتى الآن براغماتية عالية”، برغم ذلك، يزعج طهران ما ترى فيه عجزاً أوروبياً عن التحرر من واشنطن وإنقاذ الاتفاق النووي عبر السماح للجمهورية الإسلامية بالاستفادة من الفوائد الاقتصادية المتوقعة.
ويحذّر نائب وزير الخارجية الإيراني عباس عرقجي باستمرار العقوبات والضغط على بلاده بقوله “ان ثمة حدود” لصبر إيران.
ولم يُستتبع إنشاء فرنسا وألمانيا وبريطانيا لنظام مقايضة في نهاية كانون الثاني/يناير يسمح بتبادلات محدودة بين أوروبا وإيران عبر الالتفاف على العقوبات الأمريكية، بأي تعامل ملموس حتى الآن.
ويعتبر الباحث المتخصص في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية كليمان تيرم، أنّ “إيران ستحتاج إلى أوروبا ذات سيادة على الصعيد الاقتصادي من أجل المواصلة وفق الوضع الراهن، بلا الولايات المتحدة، في إطار” الاتفاق النووي، غير أنّه يضيف أنّ المشهد “يفرض على إيران مواصلة الحوار السياسي مع أوروبا لتجنّب انسجام أمريكي – أوروبي، وإنشاء جبهة موحدة بوجه الاقتصاد الإيراني”.
لا تخفي الادارة الامريكية أن الهدف من الانسحاب من الاتفاق النووي والعودة إلى فرض العقوبات على طهران هو إجبارها على التراجع إلى داخل حدودها، ووقف التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، والحد من نفوذها ودورها في كل من العراق وسوريا واليمن، وتفكيك برنامجيها النووي والصاروخي، اضافة إلى البعد الآخر وهو الحصول على استثمارات اقتصادية مباشرة في ظل اتفاق جديد يكون منسجما مع هذه الشروط.
حتى الآن ترفض طهران القبول بالشروط الامريكية، وتتمسك بما حققته من انفراجة في علاقاتها مع المجتمع الدولي، وفرها الاتفاق النووي، ولا تقبل بان تقدم أي تنازل في أي من الساحات التي باتت مسرحا لنفوذها وسيطرتها، وهي على استعداد لتبني سياسة «الصبر الاستراتيجي» أمام الضغوط الامريكية بانتظار، تغيير ما قد تأتي به الانتخابات الرئاسة المقبلة، أو التوصل إلى صفقة تضمن لها الاعتراف بشركاتها وبدورها كلاعب اساس في الاقليم، إلى جانب اللاعب الذي تريده واشنطن، وتنتقل من خلاله إلى عامل استقرار وثابت وسلام في الاقليم.
فعلياً بعد دخول قرار تصفير صادرات إيران النفطية حيز التنفيذ، وتعالي أصوات التهديد من طهران بضرورة الرد الاستراتيجي على القرار الأميركي والحديث عن إغلاق مضيق هرمز وضرب المصالح الأميركية في الخليج العربي، ردت واشنطن سريعاً بتعزيز قواتها العسكرية في البحر المتوسط وبحر العرب، بقطع بحرية عسكرية رادعة ليس لطهران قدرة على مواجهتها أو حتى الاحتكاك بها، ما أسقط من يدها الخيار العسكري الذي لوّحت به مباشرة بعد 3 مايو /أيار، وهذا ما عبّر عنه بشكل واضح مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون، الذي أكد أن هدف بلاده من نشر حاملة الطائرات وقاذفات القنابل هو إرسال رسالة واضحة لا لبس فيها إلى النظام الإيراني مفادها أن أي هجوم على مصالح الولايات المتحدة أو على مصالح حلفائها سيقابَل بقوة لا هوادة فيها.
ظاهرياً، فإن الحشود الأميركية العسكرية الضخمة في الشرق الأوسط ضد إيران ترفع احتمال اندلاع مواجهة عسكرية بين الجانبين، ولكنها عملياً قد تدفع طهران إلى إعادة حساباتها إذا اقتنعت بمخاطر الاحتكاك الخشن مع واشنطن التي قرعت طبول الحرب جدياً هذه المرة كآخر فرصة من أجل إجبار إيران على قرع طبول المفاوضات.

وحدة الدراسات الإيرانية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية