قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل سنوات عديدة إن من يسيطر على مدينة اسطنبول سيحكم تركيا، ومن هنا يمكن تفهم لماذا لم يتقبل أردوغان فكرة خسارة المدينة ووقوعها في يد خصومه. كما أنها المدينة التي شهدت ولادته وبداية مسيرته السياسية عندما فاز برئاسة بلديتها عام 1994.
منذ بداية ظهور بوادر فوز مرشح حزب الشعب الجمهوري المعارض أكرم إمام أوغلو برئاسة بلدية المدينة أثار أردوغان الشكوك بنزاهة النتائج وتحدثت أوساطه عن مخالفات وتلاعب في التصويت.
وقال أردوغان في 8 أبريل/نيسان الماضي إن الانتخابات شابتها “مخالفات” على نطاق واسع ارتكبت بشكل “منظم”، وقال إن “الأمر لا يتعلق بمخالفات هنا وهناك لأن العملية برمتها كانت غشاً”.
ودعا أردوغان إلى إعادة فرز الأصوات وقد استجابت لجنة الانتخابات لطلبه، وبعد الانتهاء من إعادة الفرز في جميع صناديق الاقتراع لم تتغير النتيجة لصالح حليف اردوغان ورئيس وزرائه السابق بن علي يلدريم، وجرى التصديق على فوز إمام أوغلو بعد 17 يوما من الانتهاء من التصويت الذي جرى في 31 مارس/آذار الماضي وتولى إمام أغلو منصبه.
من هو أكرم إمام أوغلو، رئيس بلدية اسطنبول الجديد؟
“كسب الوقت”
واتهم إمام أوغلو حزب أردوغان بمحاولة كسب الوقت عبر مضاعفة الطعون لمحو أثار المخالفات المحتملة المرتكبة في البلدية، وهو ما ينفيه الحزب بشدة.
ووصف المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية عمر جيليك تلك الاتهامات بأنها “ادعاءات فارغة” وأكد أن الحزب سيحترم النتائج النهائية بعد إعادة الفرز، حتى لو لم تكن لصالحه.
لكن من يملك الكلمة النهائية في تركيا هو أردوغان لا غير. ويعرف المراقبون والشارع التركي أن أردوغان سياسي محنك من العيار الثقيل لا يتراجع بسهولة وله نفس طويل ولا يتردد في مواجهة خصومه ولا يقبل الهزيمة بسهولة، لأنه ببساطة لم يعهدها منذ وصول حزبه إلى الحكم عام 2002.
بعد استلام إمام أوغلو المنصب اتبع أردوغان خطابا بدا تصالحياً ودعا أنصاره إلى تقبل الأمر والتطلع إلى الأمام. لكنه تراجع عن ذلك في ما بعد ولجأ الى التصعيد رافضاً نتائج انتخابات اسطنبول، وكرر الدعوة إلى إعادتها، فوجدت لجنة الانتخابات نفسها في مأزق لا تحسد عليه فكان لا بد من الاستجابة لطلب أردوغان وإعادة الانتخابات، فما سبب إصرار أردوغان على التمسك باسطنبول؟
هل تسعى تركيا إلى “تتريك” شمال سوريا وضمه إليها؟
مصدر ثروة
منذ تولي أردوغان رئاسة بلدية المدينة عام 1994 والمدينة تحت سيطرة الإسلاميين المحافظين وفقدان السيطرة عليها له مغزى كبير لما لها من مكانة اقتصادية وسياسية ورمزية تاريخية لديه ولدى أنصاره.
من الناحية الاقتصادية تمثل اسطنبول قلب تركيا ومحركها الاقتصادي إذ تنتج 31.2 في المئة من إجمالي الناتج القومي التركي الذي يعادل 851 مليار دولار حسب بيانات مركز الإحصاءات التركي لعام 2017 و يبلغ عدد سكانها أكثر من 16 مليون شخص.
أما العاصمة أنقرة فلا تنتج سوى 9 في المئة من الناتج القومي. ومعدل دخل الفرد في اسطنبول هو الأعلى على مستوى البلاد ويبلغ أكثر من 65 ألف ليرة تركية حسب احصاءات 2017. بينما لا يتجاوز ذلك 14 ألفا في المنطقة الكردية في جنوب شرقي البلاد.
كما تمثل اسطنبول قلب الصناعة في تركيا إذ تنتج 29 في المئة من إجمالي الإنتاج الصناعي في البلاد.
وبلغت موزانة بلدية المدينة نحو 10 مليارات دولار عام 2018 وهذا المبلغ يتجاوز موزانة وزارة الدفاع التركية السنوية.
عقود مجزية
خلال سيطرة حزب العدالة على المدينة تم منح عقود مشاريع كبيرة لشركات ورجال أعمال مقربين من الحكومة وبالتالي جرى تشغيل عشرات الآلاف من أنصار الحزب في هذه الشركات، بينما اتهمت صحف المعارضة الحزب بتلقي رشى لقاء منح هذه العقود.
وقال رئيس البلدية السابق مولود اويسال أواسط العام الماضي إن بلدية اسطنبول وفروعها توفر 80 ألف فرصة عمل.
كما تبرعت البلدية بمبلغ 150 مليون دولار لجمعيات ومؤسسات مقربة من حزب العدالة والتنمية ومن أسرة أردوغان حتى عام 2018 حسب كشوفاتها المالية.
وتم منح المشاريع العملاقة في اسطنبول والتي بلغت قيمتها مليارات الدولارات مثل مطار اسطنبول الجديد والجسر الثالث الذي يربط شطري المدينة لشركات مقربة من أردوغان مثل كاليون وكولين وليماك حسبما قالت صحيفة واشنطن بوست.
وتقول أوساط المعارضة إن المدينة كانت دائماً تمثل مصدر كسب ودخل لحزب أردوغان منذ سيطرته عليها ويذهب جزء من موزانتها لشركات يملكها موالون لأردوغان بينما تذهب المشاريع العملاقة والكبيرة فيها للمقربين منه.
بي بي سي العربي