ست خطوات نووية محتملة لإيران

ست خطوات نووية محتملة لإيران

بعد عامٍ واحدٍ بالتحديد من إعلان الرئيس ترامب انسحاب الولايات المتحدة من «خطة العمل الشاملة المشتركة»، استعدت إيران لإعلان تدابيرها الثأرية الخاصة في 8 أيار/مايو. ووفقاً لبعض الأوساط الإيرانية، سيُعلِم الرئيس حسن روحاني قادة مجموعة 4+1 (بريطانيا والصين وفرنسا وروسيا وألمانيا) بأن حكومته ستوقِف بعض التزاماتها النووية بموجب «خطة العمل الشاملة المشتركة»، بينما سيُعلن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف عن المستجدات المتعلقة بأدق تفاصيل هذه الخطوة. ويبدو أن طهران تتصرف بموجب المادة 26 من الاتفاق النووي، التي تنص على أنه إذا أعادت واشنطن فرض العقوبات، فيمكن أن يتعاطى النظام مع المسألة كـ “أساسٍ لإيقاف تنفيذ التزاماته بموجب «خطة العمل الشاملة المشتركة» الراهنة سواء بشكلٍ كامل أو جزئي”.

وشدد المسؤولون الإيرانيون على أن حكومتهم لا تنوي إبطال «خطة العمل الشاملة المشتركة» أو التخلي عن “معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية”، بل تقلل من التزاماتها بشكلٍ جائز. وقد يشمل ذلك استخدام المادة 36 من «خطة العمل الشاملة المشتركة» التي تدعو إلى إحالة قضايا عدم الامتثال “إلى اللجنة المشتركة للتسوية”. وتدفع هذه العملية إلى إجراء استشارات على فترة أمدها خمسةٍ وثلاثين يوماً، مما قد يؤدي إلى إعلان المدّعي عن حدوث “تخلف ملحوظ عن الأداء” واستخدامه كأساس لإيقاف تأدية التزاماته بموجب الاتفاق.

ومن المحتمل أن تحاول إيران استخدام هذه الأيام الخمسة والثلاثين كفرصة لابتزاز مجموعة 4+1 من أجل تقديم تنازلات اقتصادية تشمل التنفيذ الكامل لـ “أداة دعم الأنشطة التجارية”، التي أُطلِقت في وقتٍ سابقٍ من هذا العام لتسهيل التجارة مع طهران. وحتى الآن، واجهت هذه “الأداة” تحديات ناشئة عن العقوبات الأمريكية وبالتالي فشلت في تحقيق التوقعات الإيرانية. وفي زيارةٍ إلى موسكو في 7 أيار/مايو، أشار ظريف إلى أن طهران أظهرت “صبراً استراتيجيّاً”، لكن يبدو أن أوروبا عاجزة عن مقاومة الضغوط الأمريكية، فلم يبقَ للنظام سوى خيار إيقاف تنفيذ “بعض” التزاماته “في الوقت الحالي”.

وباختصار، يبدو أنه تم تحديد فترة خمسة أسابيع من الإطناب النووي والخطاب الذرّي. فما هي الخطوات المحددة التي قد تتخذها إيران؟

التهديد باستئناف أنشطة التخصيب على نطاقٍ كامل. منذ بدء تنفيذ «خطة العمل الشاملة المشتركة»، أشار المسؤولون الإيرانيون مراراً إلى إحدى تعليمات المرشد الأعلى علي خامنئي التي تقضي بإعداد البرنامج النووي للنهوض سريعاً في حال ترَكَ النظام الاتفاق، مع الإشارة غالباً إلى الهدف المثير للسخرية المتمثل في تحقيق معدّل في تخصيب اليورانيوم يبلغ 190 ألف وحدة عمل فصل. وحدّد علي أكبر صالحي، رئيس “منظمة الطاقة الذرّيّة الإيرانية”، هذه الجهود بشكلٍ أدق في كانون الثاني/يناير، موضحاً أن بلاده اتخذت الاستعدادات اللازمة لاستئناف التخصيب بقدرة أعلى. غير أن إيران ستواجه على الأرجح تحديات تقنية كبيرة في إعادة البدء بالبرنامج، على غرار التحديات التي واجهتها قبل «خطة العمل الشاملة المشتركة». ونظراً لتداعيات مثل هذه الخطوة على احتمال تشكيل تحالف دولي ضد إيران، ربما يفضّل النظام استخدام هذه الورقة كتهديد فقط في الوقت الحالي.

الإعلان عن نية التخصيب بنسبة 20 في المائة. يشكّل تخصيب اليورانيوم لبلوغ نسبة 20 في المائة من النظير الانشطاري يورانيوم-235 مرحلة بالغة الأهمية في الوصول إلى اليورانيوم العالي التخصيب اللازم للأسلحة النووية. وتستخدم إيران أيضاً اليورانيوم المخصَّب بنسبة 20 في المائة لتغذية “مفاعل طهران البحثي”، حيث تُنتج النظائر الطبية – وهو أمرٌ يعتز به البرنامج النووي المدني في البلاد. وبموجب «خطة العمل الشاملة المشتركة»، يُحظر على إيران حالياً التخصيب بنسبة 20 في المائة وكان عليها تصدير مخزونها الموجود من هذا اليورانيوم إلى روسيا. لكنّ الاتفاق يسمح أيضاً للنظام باستيراد كميات صغيرة منه خاضعة لعمليات تفتيش دولية من أجل إنتاج أقراص الوقود. وربما تأمل طهران أن تبرّر أي خرق مستقبلي لـ «خطة العمل الشاملة المشتركة» عبر الإعلان عن أن العقوبات الحاليّة تمنعها من الحصول على هذه المادة، مدّعيةً أنها بحاجة إلى إنتاج اليورانيوم المخصَّب بنسبة 20 في المائة بنفسها لتلبية احتياجاتها. وفي وقتٍ سابقٍ من هذا العام، استخدم صالحي لهجةً مبهمةً عن قصد للإعلان عن أن إيران “تعمل على” تصميمٍ محدَّث لوقود المفاعل الخاص بها. كما أوحى إلى أنه على الرغم من عدم حاجة النظام إلى التخصيب بنسبة 20 في المائة في الوقت الحالي، فقد يختار تخزين اليورانيوم بهذا المستوى إذا لزم الأمر.

إيقاف تنفيذ “البروتوكول الإضافي”. بموجب «خطة العمل الشاملة المشتركة»، وافقت إيران على “تطبيق ‘البروتوكول الإضافي’ بشكلٍ مؤقّت على ‘اتفاق الضمانات الشاملة’ “. وهذا البروتوكول هو تدبير نموذجي بين “الوكالة الدولية للطاقة الذرّيّة” والدول الأعضاء فيها والذي يوسّع نطاق التزاماتها النووية بموجب اتفاقات الضمانات ويزيد من قدرة الوكالة على التحقيق في المنشآت والأنشطة النووية غير المعلَنة. وغالباً ما أشار المسؤولون الإيرانيون إلى البروتوكول على أنه خطوة طوعيّة، مع التهديد بإيقاف تنفيذه إذا لزم الأمر. وهذا ما قام به النظام تحديداً في الماضي – ففي عام 2006، بعد جولة من فشل التعاطي مع أوروبا، لجأ إلى الرد عبر إيقاف تنفيذ البروتوكول بعد يومين من إحالة “الوكالة الدولية للطاقة الذرّيّة” قضية طهران إلى “مجلس الأمن الدولي”.

تسريع البحث والتطوير لأجهزة الطرد المركزي المتقدمة. يسمح الاتفاق النووي لإيران بإجراء عمليات محدودة من البحث والتطوير على أجهزة الطرد المركزي المتقدمة طالما لا تجمّع اليورانيوم المخصَّب، وفقاً لـ “خطة البحث والتطوير في مجال التخصيب” الخاصة بطهران – وهي خارطة طريق منفصلة لتطوير أجهزة الطرد المركزي المتقدمة التي تفاوضت إيران بشأنها كجزءٍ من عملية «خطة العمل الشاملة المشتركة» (ولم يُعلَن أبداً عن هذه الخطة رسميّاً، لكنّ وكالة “أسوشيتد برس” حصلت على نسخة منها وفقاً لبعض التقارير بعد وقتٍ قصيرٍ من تنفيذ «خطة العمل الشاملة المشتركة» في عام 2016). لكن باستطاعة طهران أن تدّعي أنها حققت قفزة نوعية إلى الأمام في مجال البحث والتطوير تتطلّب تغييراً في خطة التخصيب المتّفَق عليها، مثل تسريع إدراج جيل جديد من أجهزة الطرد المركزي المتقدمة. ولا يحدد النص الأساسي من «خطة العمل الشاملة المشتركة» بوضوح الحد الأقصى لجهود البحث والتطوير قبل عام 2024 (ويُزعَم أن هذه الالتزامات موضحة بالتفصيل في خطة البحث والتطوير المذكورة أعلاه). وغالباً ما استغلّت إيران هذه الثغرة خلال “إجازاتها” النووية. ففي الشهر الماضي مثلاً، استخدم الرئيس روحاني “اليوم الوطني للتكنولوجيا النووية” الذي تحتفل به إيران سنويّاً من أجل إعطاء أمر بتركيب عشرين جهاز طرد مركزي متطوّر من طراز “IR-6” في منشأة التخصيب في نطنز، آملاً ان يستغل الغموض المعهود في «خطة العمل الشاملة المشتركة». ومن خلال القيام بذلك، ربما يكون قد وجّه إنذاراً في ذكرى 8 أيار/مايو، محذّراً واشنطن من أن المزيد من الضغط من شأنه أن يدفع طهران إلى إدراج وحدات أكثر تطوّراً بعد: “إذا واصلتم السير على هذا الطريق، ستشهدون جهاز الطرد المركزي من طراز ‘IR-8’ في المستقبل القريب”.

تجميع فائض من المواد النووية. في مقابلةٍ أُجريت في تشرين الثاني/نوفمبر مع “مجموعة الأزمات الدولية”، أفاد دبلوماسي إيراني رفيع المستوى لم يُذكر اسمه بأنه لو قام النظام “بالرد على الوتيرة البطيئة لتخفيف العقوبات عن طريق الإفراط في إنتاج اليورانيوم المخصَّب”، فستستبق أوروبا الأمور بصورة أكثر في مساعدة طهران. ووفقاً لهذا المنطق، يمكن أن تقرر إيران سلوك منحًى صارمٍ، فتقوم بالضغط على أوروبا من خلال إنتاج فائضٍ من المواد النووية. فعلى سبيل المثال، يُطلَب من إيران إبقاء مخزونها من اليورانيوم المخصَّب بنسبة 3.67 في المائة ما دون 300 كيلوغرامات، لكن إذا تجاوزت هذا الحد، قد تلقي اللوم في تصرفاتها على قرار واشنطن بإلغاء الإعفاءات النووية التي كانت تسمح لها بشحن أي يورانيوم مخصَّب فوق 300 كيلوغرام. وبدلاً من ذلك، يمكن أن تزعم أن الانتهاك حدث بسبب أخطاء تقنية صغيرة مرتبطة بالعملية الحساسة والمعقدة لتخصيب اليورانيوم. بالإضافة إلى ذلك، يبلغ وزن المخزون المسموح به لإيران من الماء الثقيل 130 طنّاً مترياً، لكن على عكس قيود اليورانيوم، لا يشكّل هذا الحد إلا قيمة تقديرية، وسبق أن تجاوزه النظام في الماضي. وإذا انتجت طهران مرة أخرى فائضاً من الماء الثقيل لمفاعلاتها، فقد تقدّم عدداً من الأعذار التقنية لتبرر هذه الهفوة، أو أن تزعم مجدداً أن القيمة التقديرية قد تغيّرت بسبب قرار واشنطن المتعلق بالتنازل.

البدء بإنتاج أجهزة الطرد المركزي من طراز “IR-1”. بموجب «خطة العمل الشاملة المشتركة»، يمكن أن تستخدم إيران مخزونها من أجهزة الطرد المركزي من طراز “IR-1” “ليحل محل الآلات المعطّلة أو المتضررة [إلى أن] ينخفض مستوى مخزون آلات “IR-1″ إلى 500 أو أقل”. حينئذٍ، تستطيع إيران “الحفاظ على هذا المستوى من المخزون من خلال استئناف إنتاج آلات “IR-1″… من دون تجاوز المخزون البالغ 500”. ومن خلال إنتاج آلات جديدة من طراز “IR-1″، يمكن لإيران أن تشير إلى الغرب بأنها تعتزم تركيب المزيد من أجهزة الطرد المركزي في المستقبل القريب، ولكن من دون المبالغة في تخطي الحدود لدرجةٍ تدفع واشنطن إلى اتخاذ خطوات قاسية.

الخاتمة

لتحديد مهلة خمسة وثلاثين يوماً من مداولات “اللجنة المشتركة”، تستطيع إيران تصميم خارطة طريق تحدد كيف يمكنها تخفيف التزاماتها بموجب «خطة العمل الشاملة المشتركة» في الأسبوع المقبل أو الأسبوعين القادمين ما لم يتخذ الغرب إجراءات معينة. ومن وجهة نظر طهران، قد يسمح ذلك للنظام بردع الضغط الغربي وتَرْك انطباع مثير للقلق لدى الجماهير الأساسية في أوروبا، مع الحفاظ في الوقت نفسه على المرونة اللازمة لتنفيذ تهديداته فعليّاً. وعلى مر العقدين الماضييْن، لوّع فشل استراتيجيات حافة الهاوية آيات الله، لذا فمن المرجح أن يحرصوا على الامتناع عن اتباع سياسات طائشة وغير مدروسة قد تدفع أوروبا إلى الانضمام إلى مقاربة الرئيس ترامب المتمثلة في ممارسة “الضغط الأقصى”.

والسؤال هو ما إذا كان بإمكان إيران مَنع خارطة طريق التصعيد المحدود الممنهَجة بعناية من الخروج عن نطاق السيطرة. فسبق أن تعلّم الإيرانيون في الماضي أن ديناميكيات التصعيد لا يمكن توقعها على نحوٍ خطير. ونظراً إلى مدى بُعدهم عن تحقيق المطالب التي وجّهوها إلى أوروبا، فقد يحشرون أنفسهم في الزاوية من خلال التهديد بتخفيف «خطة العمل الشاملة المشتركة».

معهد واشنطن