حالة من القلق والتوجس تسود لبنان من التوتر المتصاعد بين الولايات المتحدة وإيران رغم تحاشي المسؤولين في هذا البلد الحديث عن الأمر لعدم تأزيم الوضع أكثر. وقد وجهت الولايات المتحدة مؤخرا تحذيرات من مغبة تدخل حزب الله في هذه المواجهة لأن لبنان سيكون الخاسر الأكبر.
بيروت – أعربت أوساط سياسية لبنانية عن مخاوفها من التصعيد الجاري بين الولايات المتحدة وإيران وارتداداته على لبنان في ظل وجود مكون لبناني في عين عاصفة هذا التصعيد، وهو حزب الله الذي يتجنب مسؤولوه التعقيب على ما يحصل.
وحذر مساعد وزير الخارجية الأميركي للشرق الأوسط ديفيد ساترفيلد خلال لقاءاته الثلاثاء والأربعاء مع المسؤولين اللبنانيين في بيروت، من أن الولايات المتحدة جادة في التعاطي مع أي تهديد لمصالحها.
وبدأ ساترفيلد مساء الاثنين زيارة إلى لبنان هي الثانية له في أقل من شهرين، ولئن كان عنوانها الرئيسي هو ملف ترسيم الحدود البرية والبحرية بين لبنان وإسرائيل، إلا أنه حرص خلال لقائه مع رئيس الحكومة سعد الحريري ورئيس الجمهورية ميشال عون على توضيح أن بلاده جادة في وضع حد لتهديدات إيران، مطالبا اللبنانيين بكف يد حزب الله وإلا فإنه سيجر لبنان إلى مصير قاتم.
وكان وزير الدفاع اللبناني إلياس بوصعب قد تلقى ذات التحذيرات خلال زيارته الأخيرة إلى الولايات المتحدة، حيث أكد له المسؤولون الأميركيون الذين التقاهم بأن بلاده ستبقي الغطاء على لبنان طالما استطاع النأي بنفسه عن المواجهة الجارية مع إيران، وهذا الأمر يستبعده كثيرون في ظل وجود قوة لبنانية مسلحة تابعة لفيلق القدس الذراع الخارجية للحرس الثوري الإيراني، لن تتوانى عن تنفيذ ما يطلبه الأخير.
ونشرت وزارة الخارجية الأميركية هذا الأسبوع شريط فيديو تحت عنوان “بمنتهى الوضوح- فيلق القدس الإيراني” يرصد معسكرات تدريب لحزب الله داخل الأراضي اللبنانية. وعرض الفيديو الذي نشرته الوزارة عبر موقعها على “تويتر” مجموعة من الخرائط تعود إلى مراكز تدريب في منطقة البقاع اللبنانية، عند الحدود مع سوريا.
وزارة الخارجية الأميركية نشرت هذا الأسبوع شريط فيديو يرصد معسكرات تدريب لحزب الله داخل الأراضي اللبنانية
وفي تعليق على الفيديو قال مدير مشروع التهديد العابر للأمم المستشار السابق في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، سيث جونز، إن “هدف إيران من هذه القاعدة في لبنان هو تطوير قدرات حلفائها المحليين”.
ويرى محللون أن نشر الخارجية الأميركية لهكذا فيديو في هذا التوقيت بالذات هو رسالة من الولايات المتحدة بأنها تراقب تحركات الحزب ونشاطاته عن كثب وأن أي خطوة تصعيدية يقدم عليها ستعجل بنهايته.
وتخيم على المنطقة أجواء حرب، في ظل تهديدات متبادلة بين إيران والولايات المتحدة التي عمدت في الأيام الأخيرة إلى استقدام منظومة صواريخ دفاع جوي من نوع “باتريوت” وحاملة طائرات “يو.أس.أس أرلينغتون” لتنضم إلى حاملة الطائرات “أبراهام لينكولن” الموجودة منذ فترة في المنطقة مع قاذفات “بي 52” الاستراتيجية.
وفي تطور جديد طلبت الولايات المتحدة الأربعاء من موظفيها غير الرسميين في العراق مغادرة البلاد، كما علقت كل من ألمانيا وهولاندا برنامجا لتدريب القوات العراقية، ما يشي بأن الأمور تتدحرج بسرعة نحو المواجهة.
وتخشى الأوساط السياسية في لبنان من أن يتحول التوتر المتصاعد بين واشنطن وطهران إلى حرب شاملة، تعمد من خلالها الأخيرة إلى تحريك أذرعها في المنطقة وفي مقدمتها حزب الله، لاستهداف المصالح الأميركية أو إسرائيل، وما سيجلبه ذلك من دمار للبنان المنهك بطبعه بفعل الأزمة المشتعلة في جواره.
وبالرغم من تهديدات الحرس الثوري الإيراني بإلحاق الهزيمة بالولايات المتحدة في حال حصول صدام، بيد أن طهران واقعيا لا تملك من القوة التي تخول لها إلا مجرّد الصمود لأيام أمام الضربات الأميركية.
وتراهن طهران على الميليشيات التابعة لها والمنتشرة في أكثر من بلد ومن بينها لبنان، وسط ترجيحات بأن يطالب الحرس الثوري حزب الله بالتحرك، عند انطلاق المواجهة المفترضة وضرب أهداف إسرائيلية، بغية جرّ الأخيرة إلى مستنقع الصراع.
وأنشأت إيران حزب الله في أوائل ثمانينات القرن الماضي، في خضم حرب أهلية طاحنة يعيشها لبنان، قبل أن تعمم تجربة هذه الميليشيا في العراق وسوريا واليمن وباكستان والبحرين وأفغانستان، في مسعى بدا واضحا لتوسيع نطاق نفوذها في المنطقة، وشكل هذا التوجه الإيراني أحد الأسباب الكامنة خلف تصعيد الولايات المتحدة.
وكان فيديو الخارجية الأميركية قد سلط الضوء على “تنافس إيران مع الولايات المتحدة، من خلال تدريب وإرشاد وتجهيز قوات غير خاضعة لسيطرة الدولة، ومن ضمنها الميليشيات الشيعية في العراق وحزب الله في لبنان”.
ويرجح خبراء أن يكون حزب الله جزءا من أي مواجهة تطل برأسها بين إيران والولايات المتحدة، وسبق أن تحدث الأمين العام للحزب حسن نصرالله قبل أشهر عن اقتراب المواجهة الشاملة بين ما يسميه “محور المقاومة” و”المحور الأميركي الإسرائيلي”.
وعلى خلاف الحوثيين في اليمن الذين أكدوا من خلال تبنيهم مؤخرا لهجوم على أحد خطوط أنابيب النفط في المملكة العربية السعودية وإعلانهم أنهم سيكونون في صلب أي مواجهة شاملة في المنطقة، في رسالة إيرانية واضحة، فإن حزب الله يركن للصمت مع تسريبات بأنه سيكون مستعدا حين اندلاع “المحظور”، فيما بدا كل ذلك تهيئة للرأي العام المحلي.
ويرى محللون أن لبنان في موقف ضعيف جدا ذلك أنه سيكون من الصعب عليه لجم حزب الله في حال قرر خوض غمار المواجهة إلى جانب حليفته إيران، وفي ظل وجود الأخير في السلطة السياسية فضلا عن امتلاكه لترسانة عسكرية تتجاوز حتى قدرة الجيش اللبناني.
ودعا مجلس الأمن الدولي، الثلاثاء، المجتمع الدولي إلى تقديم الدعم إلى الجيش اللبناني باعتباره “القوة العسكرية الوحيدة والمشروعة” في البلاد. جاء ذلك في تصريحات أدلي بها رئيس مجلس الأمن الدولي، السفير الإندونيسي، ديان تريانسيا دجاني الذي تتولى بلاده الرئاسة الدورية لأعمال المجلس، عقب انتهاء جلسة مشاورات مغلقة حول لبنان.
وقال السفير الإندونيسي، إن وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية، روز ماري ديكارلو قدمت لأعضاء المجلس خلال جلسة مشاورات مغلقة عرضا للتقرير نصف السنوي للأمين العام، أنطونيو غوتيريش، بشأن تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 1559.
واعتمد مجلس الأمن الدولي القرار 1559 لعام 2004، الذي طالب جميع القوات الأجنبية بالانسحاب من لبنان، ونزع أي سلاح بحوزة الجماعات والميليشيات المسلحة وحصره تحديدا في الجيش اللبناني فقط. وأوضح رئيس مجلس الأمن أن “أعضاء المجلس أعربوا خلال جلستهم عن دعمهم الكامل للمحافظة على سيادة لبنان وسلامته الإقليمية ووحدته واستقلاله السياسي”.
ووفق ديكارلو “دعا المجلس إلى ضرورة تقديم الدعم للقوات المسلحة اللبنانية باعتبارها القوة العسكرية الوحيدة والمشروعة في لبنان”. وكانت الأمم المتحدة، قد طالبت في أكثر من مرة بنزع سلاح حزب الله وجميع الميليشيات المسلحة في لبنان.
العرب