مسقط – بدد وزير الشؤون الخارجية العمانية يوسف بن علوي الغموض بشأن زيارته الاثنين إلى طهران حين أعلن وجود وساطة عمانية لتهدئة التوتر بين واشنطن وطهران. لكنه بالمقابل فضح لعبة الأجنحة داخل السلطة في إيران، حيث تسعى مختلف تلك الأجنحة إلى الوساطة سرا لمنع مواجهة مكلفة مع الولايات المتحدة، مع الحرص على التبرؤ منها في العلن وتبني خيار التصعيد.
ولم يتأخر المرشد الأعلى علي خامنئي في تحميل المسؤولية بشكل مباشر إلى الرئيس حسن روحاني ووزير الخارجية محمد جواد ظريف، أي الواجهة المعتدلة التي يسعى النظام لتسويقها عن نفسه عبر اختيار شخصيات دارسة في الغرب دأب الإعلام المحلي على اتهامها بتحريف الثورة و”خيانة” قيمها من خلال الانفتاح على أوروبا أو الولايات المتحدة ومحاورتها.
وتطلب القيادة المتشددة (سواء خامنئي أو ذراعه الأمنية الحرس الثوري) من الواجهة الإصلاحية البحث عن تسويات لأزماتها خاصة مع الولايات المتحدة، وعند الفشل تبدأ بالهجوم على المعتدلين مثل روحاني وظريف لتأمين سرعة التراجع ومسح الفشل في دعاة الحوار والانفتاح، لكن في ما وراء الستار، فإن النظام الإيراني يوزع الأدوار بين أجنحته في لعبة باتت مكشوفة للإيرانيين وللغرب ولدول الجوار العربي.
وتبرأ خامنئي من مسار الاتفاق النووي مع أن إيران تفاخر به وتتمسك بتأويل بنوده بما يخدم وجهة نظرها. وقال “إلى حد ما، لم أقتنع بالطريقة التي طبق بها الاتفاق النووي. في كثير من الأحيان، ذكرت الرئيس روحاني ووزير الخارجية ظريف بذلك”.
وتابع “لا أثق كثيرا في الوسيلة التي دخل بها (الاتفاق النووي) حيز التنفيذ.. وأبلغنا مرارا الرئيس ووزير الخارجية وأرسلنا لهما إخطارا”.
وسعى ظريف لمنع تحميله مسؤولية الفشل و”خيانة مسار الثورة” إلى الرفع من سقف تصريحاته بأن وصف، خلال زيارته إلى باكستان، الجمعة، الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأنه “إرهابي”، وأن إيران ستشهد نهاية ترامب ولكنه لن يشهد أبدا نهاية إيران.
وقال مراقبون إن مجاهرة خامنئي بتحميل الواجهة الدبلوماسية للنظام مسؤولية “التورط” في الاتفاق النووي تهدف إلى إرضاء الداخل الإيراني في ظل توسع دائرة الغضب من استمرار لعبة الصراع مع الغرب، وهي لعبة تبدو مملة وغير قادرة على إلهاء الإيرانيين على الأزمة الاجتماعية والاقتصادية الخانقة، وهي ناجمة بالأساس عن تبديد النظام لأموال إيران في معارك “تصدير الثورة” وزرع الميليشيات في الشرق الأوسط، في وقت يعيش فيه الشعب ظروفا صعبة بسبب التقشف الحكومي الهادف إلى توفير التمويلات الضرورية لفائدة الأذرع في لبنان واليمن والعراق وسوريا.
ولم يعد التبرؤ من الاتفاق النووي والتلويح بإعادة التخصيب ورقة ذات تأثير إذا كان المقصود بها الضغط على الولايات المتحدة للتراجع عن العقوبات، فإدارة ترامب هي التي بادرت إلى وقف التزام واشنطن بالاتفاق وتريد تضمين شروط جديدة له تتعلق بالأساس بوقف الأنشطة العدائية لإيران في المنطقة وبينها تهديدات إمدادات النفط.
ونقلت وكالة فارس للأنباء عن قائد كبير في الحرس الثوري الإيراني الخميس قوله إن المواجهة بين إيران والولايات المتحدة هي “صراع إرادات” مشيرا إلى أن أي “مغامرة” من الأعداء ستواجه برد ساحق.
من جهته، قال كيوان خسروي المتحدث باسم المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني إن بلاده، “لن تجري أي مفاوضات بين إيران وأميركا”، مشيرا إلى أن بعض المسؤولين من عدد من الدول زاروا إيران في الآونة الأخيرة “معظمهم يمثلون الولايات المتحدة”، في إشارة إلى الوساطة التي يقوم بها يوسف بن علوي.
ويقابل التصعيد الإيراني تهدئة من قبل الولايات المتحدة إذ لا يرى ترامب أن هناك ضرورة حاليا لإرسال المزيد من الجنود الأميركيين إلى الشرق الأوسط برغم الأزمة مع إيران. واكتفى بالموافقة على إرسال 1500 جندي بعدما أعلنت البنتاغون أنها تدرس إرسال بضعة آلاف من الجنود إلى المنطقة.
وفي هذا السياق، قال نائب وزير الخارجية الكويتي خالد الجارالله “يبدو أن المفاوضات بين طهران والولايات المتحدة قد بدأت”، مشيرا إلى جهود وتحركات واتصالات وزيارات من خلال وزير الشؤون الخارجية العماني إلى طهران والتواصل مع واشنطن وغيرها من التحركات للتهدئة ويبدو أنها في إطار التفاوض.
وقال “لدينا ثقة في أن يكون الهدوء هو سيد الموقف وألا يكون هناك صدام في المنطقة”.
وأكدت الخارجية العمانية في تغريدة على تويتر الجمعة أن سلطنة عمان تسعى “مع أطراف أخرى لتهدئة التوتر” بين الولايات المتحدة وإيران.
ونقلت التغريدة عن الوزير بن علوي تحذيره من “خطورة وقوع حرب يمكن أن تضر العالم بأسره”، مؤكداً أن الطرفين الأميركي والإيراني “يدركان خطورة الانزلاق أكثر من هذا الحد”.
ويبدو أن الحديث العلني ليوسف بن علوي في لعب دور الوسيط بين طهران وواشنطن قد أزعج السلطات المتشددة في طهران التي دأبت على إخفاء اللقاءات التي تتم مع المسؤولين الأميركيين ومنع أخبارها من أن تصل إلى جمهورها المحافظ الذي يعيش على ترديد شعارات “الثورة” و”الاستكبار العالمي” و”الشيطان الأكبر” فيما قياداته تعقد اللقاءات من وراء الستار مع الأميركيين وتتحالف معهم لغزو العراق.
وأربك الوزير العماني باعترافه العلني الخطاب الخارجي للنظام الإيراني الذي بدا موحدا ومتماسكا بوجه واشنطن في الأزمة الراهنة، في استعادة لخطاب بدايات الثورة وما تلا اقتحام السفارة الأميركية في طهران من زخم.
ويعتقد أن الوزير العماني، الذي يعرف بمهندس الوساطات، تعمد إخراج الوساطة التي يقوم بها بين واشنطن وطهران إلى العلن كردة فعل على النفي الذي بادرت إليه وزارة الخارجية الإيرانية الخميس، والذي بدا وكأنه تشكيك في تلميحاته الأخيرة، وخاصة في سجله كرجل وساطات، فضلا عن سجل السلطنة كقناة حوار خلفي في مختلف الأزمات.
ودأبت إيران على ممارسة اللعبة بنفس الطريقة، أي التصعيد العلني مع المراهنة على القناة العمانية للتحرّك بشكل مواز وسري لتبريد الخلاف مع واشنطن، لكن تشدد إدارة ترامب في شروطها بدد الرهان الإيراني على دور الإطفاء الذي دأبت سلطنة عمان على النهوض به.
ولعبت سلطنة عمان في السابق دور الوسيط في أكثر من ملف من ضمنها ملف الأزمة اليمنية وقبله الملف النووي الإيراني الذي وقعته طهران مع القوى الست الكبرى في العام 2015. كما استضافت العديد من المحادثات السرية والعلنية التي أمنت لإيران قناة تواصل قريبة منها ومن أدواتها في المنطقة وأمنت لها خروجا.
وتحتفظ مسقط بعلاقات قوية مع الولايات المتحدة، وينظر إليها دائما على أنها القناة التي يتم الالتجاء إليها وقت الحاجة لحل الخلافات بعيدا عن الأنظار، وليست وسيطا تحت الطلب لإنقاذ إيران.
العرب