بعد 8 سنوات على انطلاق الثورة السورية، لم يبق سوى إدلب شوكة في حلق النظام السوري، وأبرز منطقة متمردة بيد المعارضة السورية، وها هو النظام السوري بدأ حملته العسكرية، التي قد تطول هذه المرة، وإن كانت نتائجها قد لا تختلف بالنهاية، سيطرة على أرض محروقة بعد تدمير هائل ومجازر بشعة.
مضى على هجوم إدلب حتى اليوم نحو الشهر، حقق فيه النظام تقدما بسيطرة على نحو 13 بلدة، لكنه يبقى تقدما ضئيلا، مقارنة بقيمة البلدات الاستراتيجية والثمن الباهظ الذي دفعه النظام لتحقيق هذا التقدم المحدود، كما ونوعا في إدلب، ومقارنة بغوطة دمشق ودرعا وقبلهما حلب الشرقية، فإن فترة الشهر كانت أكثر من كافية للسيطرة على كل هذه المناطق الحيوية، من دون مواجهات عسكرية مكلفة للنظام، الذي لجأ للتسويات كسبيل مفضل مع فصائل تلك المناطق التي لطالما تلقت تمويلا ماليا وعسكريا من دول داعمة، من دون أن ينعكس هذا الدعم على أدائها العسكري، بينما لم تكن «تحرير الشام» من ضمن القوى المتلقية للدعم الدولي ومع ذلك ظلت الأقوى عسكريا.
ورغم أن هناك منطقتين أخريين تتواجد فيهما فصائل المعارضة الثورية، كعفرين ودرع الفرات، إلا أنه من الصعب بمكان اعتبارهما مناطق معارضة بكامل ما تحمل الكلمة من معنى، فهما منطقتان حصل عليهما الاتراك تحت غطاء روسي، من خلال اتفاق أستانة، الذي ينص أحد بنوده على تمكين «الدولة السورية» من استعادة أراضيها واحترام سيادتها، فهو الاتفاق الذي ترعاه الدولتان اللتان ساندتا الأسد في استعادة اراضيه، فلم ولن يسمح لفصائل المعارضة المتواجدة فيهما من إطلاق رصاصة واحدة على النظام السوري من داخل تلك الاراضي الخاضعة لسلطة الأتراك، وهو ما دفع بالكتائب الراغبة في القتال للانتقال من مناطق درع الفرات إلى إدلب، حيث أصبحت «أرض الجهاديين» الأرض الوحيدة التي يمكن فيها لفصائل الثورة ممارسة ثورتها ضد النظام، ومن يتجرأ على مهاجمة النظام من مناطق درع الفرات، كما حصل مع «أبو خولة موحسن» الذي هاجم النظام في تادف قبل عدة أشهر، فتعرض للقمع بل السجن، كما وقع معه قبل يومين فقط .حتى أن الاتراك انفسهم باتوا يتعاملون مع هذه الحقيقة كأمر واقع، فقد منحوا الضوء الأخضر لبعض الفصائل المعارضة لقتال النظام، من إدلب حصرا، ولم يسمحوا لها بمهاجمة النظام في تادف وتل رفعت انطلاقا من منطقة درع الفرات .ولعل هذا الوضع هو ما يجعل النظام مرتاحا دوما، فهو يهاجم في جبهة محددة، بينما حلفاؤه الروس يتولون تهدئة باقي الجبهات من خلال اتفاقات الهدن والمناطق الآمنة، وغيرها من مشاركة سياسية صممت لتخدم الشق العسكري .
قد يتمكن الجهاديون من إطالة معركة إدلب ومواجهة قوات النظام لكنها ستبقى محدودة التأثير وستؤول في النهاية لمحور النظام
وبينما تنتشر فصائل جهادية كـ»تركستان وأنصار الدين وجيش المهاجرين والأنصار»، إلا أن «تحرير الشام» نجحت في احتوائهم والتنسيق معهم، ليتحمل هذا المحور الجزء الأقسى من هجمات النظام، وكذلك الجزء الأكبر من الجهد الحربي الفعال .وقد نجحت تلك الفصائل الموصومة بالإرهاب، في ما فشل فيه نظراؤها المعتدلون، في أكثر من صعيد، أهمها إبعاد إدلب عن مساومات المصالحات والحفاظ عليها كمعقل أخير للثورة، والحفاظ على جهوزية قتالية عالية مقابل حالة من الانهيار في صفوف الفصائل الاخرى، التي رفعت الراية البيضاء، بل انضم بعض مقاتليها لجيش النظام، وقتلوا على جبهات إدلب، هذا الهجوم الذي ما زال متعثرا وبطيئا بعد مواجهته بمقاومة عنيفة، تمكنت من استرجاع ثلاث بلدات منها كفر نبودة، رغم أن النظام ما زال متقدما بسيطرته على 13 بلدة منذ بدء هجومه، وخلال كتابة هذا الموضوع بدأت المعارضة هجوما جديدا لاستعادة تلك البلدات، لكن لا يتوقع أن تذهب تلك المحاولة لأبعد مما ذهبت له حملة كفر نبودة، إذ تمكنت من استعادتها وتكبيد النظام خسائر كبيرة، لكنها عادت لتخضع النظام مجددا بعد موجة جديدة للنظام المستقوي بغطاء جوي مدمر .
قد يتمكن الجهاديون من إطالة المعركة ومواجهة موجات النظام المتلاحقة بموجات مضادة، لكنها ستبقى على الاغلب محدودة التأثير والمدى، وستؤول المعركة في إدلب في النهاية لمحور النظام، الذي تميل موازين القوى لصالحه، خاصة ونحن نتحدث عن أطراف نزاع تم اختبار قوتها في معارك سابقة على مدى سنوات عديدة، وتبدو هذه المعركة، بمثابة المعركة الكبرى الأخيرة بين النظام والمعارضة، التي لم تعد قادرة على ممارسة معارضتها المسلحة ضد الأسد إلا من مناطق يسيطر عليها الجهاديون، لتصبح إدلب آخر قلاع الثورة المسلحة في سوريا، أما درع الفرات وعفرين فليستا سوى آخر أسوار اسطنبول الآيلة ايضا للتهاوي في الداخل السوري، بعد إدلب.
القدس العربي