ترجّل الحاج نايف من حافلة المسافرين فور وصوله كراج معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا حاملا حقيبة ممتلئة بالألعاب والهدايا لأحفاده، فقد مضى على لقائهم الأخير ثلاث سنوات منذ لجأ إلى إقليم هاتاي التركي.
وتبدو علامات التعب والإرهاق واضحة على وجه العم نايف، بعد ساعات من الوقوف تحت أشعة الشمس الحادة في طابور طويل عند المعبر التركي لقضاء إجازة عيد الفطر السعيد في سوريا هذا العام.
نزوح أقاربه من مدينة خان شيخون مؤخرا بسبب القصف والعمليات العسكرية، دفع الرجل الستيني لتغيير وجهته نحو بلدة كفر نايا بريف حلب الغربي، حيث استقرت كثير من العائلات الهاربة من ريف إدلب الجنوبي، خلال الأيام الأخيرة.
بصوته الأجش ولهجته الريفية يقول نايف اليوسف للجزيرة نت “من سوء حظي لما قررت أعيّد بسوريا مع الأهل والجيران اشتد القصف وفرغت خان شيخون من سكانها”.
وأشار أثناء انتظاره سيارة الأجرة إلى أنه تحمل مشاق السفر وحيدا رغم إصابته بداء السكري، لرؤية منزله والتجول في حارات مدينته خان شيخون بصحبة أقربائه وجيرانه.
ويضيف “كنت أتمنى لو كانت هذه الزيارة إلى سوريا دائمة، لكن الحاجة للدواء والعلاج هي ما دفعتني للاستقرار في تركيا، وأكثر ما أخشاه هو الموت في بلاد الغربة بعيدا عن أرض الوطن”.
ازدحام.. مصاعب
توسّط غياث الجلوس بين والده ووالدته وشقيقته في حديقة منزلهم بمدينة سلقين في ريف إدلب، ليخبرهم عن صعوبات العمل في تركيا وحنينه للعودة بشكل دائم، بسبب صعوبة تأقلمه مع عادات وتقاليد المجتمع التركي، على الرغم من انقضاء ثلاث سنوات منذ لجأ مع أقاربه إلى الأراضي التركية بحثاً عن وظيفة لإعالة أسرته.
يقول غياث رحماني (27 عاما) للجزيرة نت “قبل ثلاث سنوات لجأت إلى تركيا مع عمي بحثاً عن عمل تعذّر الحصول عليه في سوريا، ومنذ ذلك الوقت لم أر عائلتي، عندما حلّت إجازة العيد قررت قضائها معهم هذا العام”.
وأضاف أنه شعر بالصدمة حين مشاهدته حجم الدمار والخراب في بعض القرى والبلدات أثناء رحلته إلى مدينة سلقين غربي إدلب، كما لفت انتباهه انعدام الخدمات وغياب أبسط مقومات الحياة، مثل الانقطاع الدائم للماء والكهرباء عن المنازل.
ويشير إلى أن غياب الأمن وعدم توفر الخدمات والقصف الذي تتعرض له محافظة إدلب لم يثن آلاف السوريين عن قضاء إجازة العيد مع أسرهم وجيرانهم.
ولفت إلى أن معبر باب الهوى الحدودي يشهد حركة ازدحام شديدة منذ سمحت السلطات التركية لمن يرغب من اللاجئين السوريين قضاء إجازة العيد في بلدهم ابتداء من 15 مايو/أيار الحالي.
محادثات.. إحصاءات
وأحصت إدارة معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا عبور نحو ثلاثين ألف شخص إلى الأراضي السورية خلال النصف الثاني من مايو /أيار الجاري.
وكشف مدير المكتب الإعلامي في المعبر مازن علوش عن محادثات قائمة مع الجانب التركي لتمديد فترة عبور السوريين حتى الثاني من يونيو/حزيران القادم، حتى يتسنى لمزيد من العائلات قضاء إجازة العيد بلدهم.
ورجح علوش ارتفاع أعداد السوريين القادمين من الأراضي التركية إلى الأربعين ألفا خلال الأسبوع القادم، لافتا إلى أن العدد ارتفع مقارنة بالعام الماضي رغم الأوضاع المأساوية في الفترة الحالية بالداخل السوري.
وأوضح أن إدارة المعبر استنفرت جميع كوادرها البالغ عددهم خمسمئة موظف، واعتمدت آليات جديدة ابتداء من الشهر الماضي، بغية تسهيل حركة المسافرين ذهابا وإيابا.
تمسك بالوطن
وأشار الناشط الإعلامي عبد الرزاق حمود إلى إقبال السوريين على قضاء إجازة العيد في بلادهم رغم الحرب المستعرة في أكثر من منطقة والأوضاع المعيشية الصعبة التي تعصف بمن تبقى مما يعكس مدى تمسكهم بوطنهم.
ويشاطره الناشط محمد حوا الرأي حول الإقبال اللافت للسوريين على قضاء فترة الأعياد في مدنهم وقراهم، مشيراً إلى أن في ذلك إشارة واضحة من اللاجئين السوريين في كافة دول العالم وفِي تركيا على وجه الخصوص بنيتهم العودة إلى بلادهم حين يتحقق الاستقرار ويتوفر الأمن.
وتسمح السلطات التركية للاجئين السوريين الحاملين بطاقة الحماية المؤقتة على أراضيها قبيل حلول عيدي الفطر والأضحى من كل عام قضاء إجازة العيد في بلادهم، على أن يعودوا للأراضي التركية في فترة أقصاها ثلاثة أشهر.
المصدر : الجزيرة