في ظل ارتفاع منسوب التوتر بين الولايات المتحدة وإيران واستقدام قطع حربية أميركية إضافية إلى المنطقة لمواجهة تهديدات إيرانية محتملة،وضعت الولايات المتحدة الأمريكية أضخم مجموعة للبتروكيماويات في إيران، تحت طائلة العقوبات وذلك بسبب دعمها المالي للحرس الثوري، الذي يعمل على زعزعة استقرار منطقة الشرق الأوسط.
قالت وزارة الخزانة الأمريكية في بيان، إن عقوبات جديدة تفرضها واشنطن، تستهدف قطاع البتروكيماويات الإيراني، بما في ذلك أضخم مجموعة بتروكيماويات قابضة في البلاد، وذلك لدعمها المالي للحرس الثوري الإيراني. وأضافت الوزارة إن الإجراء «يستهدف الحد من تمويل أكبر شركة بتروكيماويات في إيران وأكثرها ربحاً، ويشمل 39 فرعاً ووكيلاً لها في الخارج». وأشارت إلى أن المجموعة وفروعها تمثل 40 في المئة من إنتاج إيران من البتروكيماويات، و50 في المئة من صادرات هذا القطاع. وأضاف بيان الخزانة أن وزارة النفط الإيرانية منحت العام الماضي شركة خاتم الأنبياء، الذراع الاقتصادية والهندسية للحرس الثوري، عشرة مشاريع في صناعات النفط والبتروكيميائيات بقيمة 22 مليار دولار، أي أربعة أضعاف الميزانية الرسمية للحرس الثوري الإيراني.
وقال وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوتشين “باستهداف هذه الشبكة نعتزم قطع التمويل عن عناصر رئيسية من قطاع البتروكيميائيات الإيراني تقدم الدعم للحرس الثوري”. وقال سيغال ماندلكر مساعد وزير الخزانة الأميركي لمكافحة الإرهاب والاستخبارات المالية إن “الحرس الثوري تسلل بشكل منهجي إلى قطاعات رئيسية في الاقتصاد الإيراني لتمويل نفسه”.من جهته أكد وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو أن حملة الضغوط الاقتصادية القصوى على إيران مستمرة، مطالبا طهران بوقف تهديداتها النووية واختبارات الصواريخ البالستية ودعمها للجماعات الإرهابية والتوقف عن اعتقال المواطنين الأجانب.
وتأتي العقوبات الجديدة في الوقت الذي تسعى فيه إدارة الرئيس دونالد ترامب لزيادة الضغوط الاقتصادية والعسكرية على إيران بسبب برامجها للأسلحة النووية والصواريخ البالستية وكذلك لشنها حروبا بالوكالة في سوريا والعراق ولبنان واليمن، وفقا لمسؤولين أميركيين. كما يأتي هذا التوجّه الأميركي ضمن سياسة خارجية اقتصادية عامة تتخذ من العقوبات والرسوم الجمركية أداة لتحقيق أهداف سياسية لإدارة الرئيس ترامب، وهو ما يتجلى في العلاقة التجارية المتوترة مع الصين، وكذلك مع روسيا والدول المجاورة للولايات المتحدة، فضلاً عن الاتحاد الأوروبي.
وناصب الرئيس الأميركي إيران العداء، وأزعج الحلفاء الرئيسيين للولايات المتحدة عندما انسحب العام الماضي من اتفاق 2015 بين إيران والقوى العالمية والذي بموجبه تكبح طهران برنامجها النووي مقابل رفع بعض العقوبات وتخفيف أخرى مفروضة عليها من الدول الغربية. وزادت التوترات بين الولايات المتحدة وإيران منذ أبريل/نيسان الماضي بسبب تحركات واشنطن لقطع صادرات النفط الإيراني وإرسالها مجموعة حاملة طائرات إلى الشرق الأوسط لردع أي هجمات إيرانية على المصالح الأميركية، وبسبب الهجمات الأخيرة على ناقلات سعودية ونرويجية وإماراتية والتي ألقت واشنطن باللوم فيها على طهران.
أما عن أثر هذه العقوبات على الاقتصاد الإيراني يرى متابعون للشأن الإيراني إن العقوبات الأخيرة لن يكون لها سوى أثر متواضع لأن الشركات غير الأميركية تتجنب بالفعل التعامل مع قطاع البتروكيميائيات الإيراني بسبب العقوبات الحالية.ووصفت سوزان مالوني من معهد بروكينغز في واشنطن أحدث العقوبات الأميركية بأنها “خطوة طبيعية تالية ضمن ما أعتقد أنها مجموعة زائدة من العقوبات المفروضة على انخراط إيران في الاقتصاد العالمي”. وأضافت “حتى عندما يكون التأثير الصافي ضئيلا نسبيا، أعتقد أن الإدارة تعتمد على السلطات المتداخلة والعقوبات التي تزيد الضغط على الإيرانيين وتخلق شعورا بأن الاقتصاد بأكمله محاصر”. ومع هذا الفرض الجديد للعقوبات الأمريكية على إيران، يطرح في هذا السياق السؤال التالي: هل سياسة العقوبات الامريكية على إيران تغير خارطة تأثيرها في الشرق الأوسط؟
تريد إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجفيف منابع العملات الصعبة التي تحصل عليها إيران، فتذهب بشكل مباشر نحو النفط، النبع الرئيس الذي يغذي خزينة طهران بما تحتاجه لتصنع تأثيرا ممتدا ومثيرا للجدل في منطقة الشرق الأوسط.بالنسبة لترامب، عندما تصبح إيران غير قادرة على تأمين ما يكفي من دولار ويورو، لن يكون بإمكانها تسديد فواتير حلفائها ودفع رواتبهم وصناعة دعاية موالية لها تساهم في تثبيت أجندتها الإقليمية المناهضة لواشنطن وحلفائها في المنطقة.
ويتقاطع هذا مع جزء كبير من المطالب الـ 12 التي كان وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، قد رفعها في آيار/ مايو من العام الماضي حين خرجت بلاده من الاتفاق النووي، والتي ينصب معظمها حول الدور الإقليمي لإيران والممتد من العراق إلى اليمن وفلسطين ولبنان وسوريا.وبعد مرور ما يقارب عام على خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، لا تبدو العقوبات وكأنها غيرت من خارطة التأثير الإيراني في المنطقة.على الرغم من أنه يصح القول إنها أثرت بشكل كبير على اقتصاد إيران وعلى تحويلاتها لحلفائها في المنطقة، تحديدا حزب الله في لبنان والفصائل الفلسطينية، لكن الأثر الذي كان يبحث عنه ترامب لم يقع وأصبحت الحاجة أكبر لتشديد الخناق وإن كان هذا على حساب بعض حلفاء واشنطن في العالم.
ولهذا كان القرار بإلغاء الإعفاءات من شراء النفط الإيراني التي أعطتها واشنطن لثماني دول هي، الصين والهند وكوريا الجنوبية واليابان وتركيا واليونان وإيطاليا وتايوان.
وبررت الولايات المتحدة قرارها بفتح المجال أمام هذه الدول للبحث عن بدائل عن النفط الإيراني، لا سيما تلك التي تجد صعوبات في ذلك ككوريا الجنوبية واليابان والهند.ولم ترغب دول أخرى كاليونان وإيطاليا وتايوان بالاستفادة من الإعفاءات وقررت قطع الشراء فورا, بينما اعترضت كل من الصين وتركيا.ولم يكن الأمر يشكل تحديا طالما أن الإعفاءات ممنوحة، لكن سحبها وضع إيران والدول المعنية وسوق النفط أمام أسئلة الالتزام والاعتراض والالتفاف.
وقبل أن يتحرك السوق على وقع النقص الذي يمكن أن ينشأ، كانت المملكة العربية السعودية والإمارات تؤكدان بعد الترحيب بالقرار أنهما ستغطيان أي نقص قد يقع وهو ما أكّد عليه البيت الأبيض.وجددت تركيا والصين الإعتراض وأعلنتا أنهما ستستمران بشراء النفط الإيراني. وبينما أطلقت أنقرة وطهران آلية لتأكيد استمرار عمليات الاستيراد والتصدير لم يتضح بعد ما إذا كانت الصين ستكتفي بالاعتراض أم انها قد تطوّر اعتراضها إلى زيادة الاستيراد مع وجود آلية جاهزة للدفع بالعملات المحلية.
وفي حين تعوّل واشنطن على تجاوب تدريجي من بكين مع الإجراءات الأمريكية لما يمكن أن تتركه من تأثيرات كبيرة عليها، لا تبدو الصين حتى اللحظة معنية بالحسم سلبا أم إيجابا بشكل عملي، لكن ما جرى لمسه خلال الأشهر الماضية كان تفاوتاً في كميات النفط الإيراني المستوردة.وقد يكون لهذا الأمر علاقة برغبة الصين في الحصول على ثمن أفضل من إيران، ليس فقط على مستوى النفط بل في صورة فرص اقتصادية أخرى داخل إيران قد تكون بكين مهتمة بها.
وفي هذا الإطار، لا يمكن تجاهل الهواجس المتبادلة بين البلدين، إذ أن شركة النفط الوطنية الصينية كانت فازت بعدة عقود لاصلاح وإدامة حقول نفطية في إيران بينها ازادغان الجنوبي غربي محافظة خوزستان في العام 2009، لكن طهران ألغت العقد في العام 2014 بسبب ما وصفته بعدم التزام الطرف الصيني بتعهداته.وقد تعزز استثمارات المؤسسات الصينية في الولايات المتحدة التردد الصيني في زيادة كمية النفط المستوردة من إيران التي تراجعت بعد العقوبات الأمريكية بنسبة الربع، و ما يرسم مسافة واضحة بين الموقف السياسي والسياسة العملية في العلاقة بين بكين وطهران.ورفعت الهند بدورها مستوى وارداتها النفطية من إيران قبل الإعلان الأمريكي لتصل الى 7 مليون برميل في الشهر، بزيادة 35% عن المعتاد لتعويض النقص اللاحق، وهي وإن وضعت مع إيران آلية خاصة إلا أنها تسعى لتحييد نفسها عن لائحة الدول المستفزة لترامب مع ملاحظة مصالحها التي تبدو حتى اللحظة مرتبطة بالنفط الإيراني.
فطهران تعطي نيودلهي مهلة 60 يوما للتسديد وتأمينا مجانيا على الشحن كما أن تعرفة الشحن منخفضة، ولا يمكن أن نتجاهل مشروع ميناء تشابهار جنوبي إيران على المحيط الهندي الذي يشترك البلدان في بنائه، وهو بالمناسبة معفي من العقوبات.
أمام ما تقدّم، لا يبدو أن الهدف الأمريكي المعلن وهو تصفير مبيعات النفط الإيراني ممكن في الظروف الحالية، رغم كل الضغط الذي يمكن أن يتسبب به على طهران. بيد أنه في الوقت نفسه ستكون له تأثيرات واضحة على سياسة إيران النفطية وبنية الإقتصاد الإيراني والذي يتجه عاما بعد عام لتخفيف الاعتماد على النفط مقابل صادرات أخرى.
في ميزانية 2019 /2020 كانت نسبة الواردات النفطية من مجمل الواردات أقل مِن ثلاثين بالمئة لكنها لا تزال بعيدة بنسبة 12% عن معدل 15% الذي يجب أن تصل إليه بحسب توصيات خطة التنمية الوطنية السادسة.
وكانت النسبة تراجعت تدريجيا خلال السنوات الماضية بِناء على ما يعرف في إيران بنظرية الاقتصاد المقاوم والتي أطلقها المرشد آية الله علي خامنئي وهي بجزء منها تقوم على إنهاء الاعتماد على النفط وتعزيز الاكتفاء الذاتي وصناعة نموذج اقتصادي يمكنه الاستمرار تحت الضغوطات الخارجية.
لكن تطبيق نظرية الاقتصاد المقاوم بالكامل كما ينظّر لها خامنئي، وهو ما ستؤدي إليه ضغوطات ترامب تدريجيا، سيعني أن إيران ستصبح أكثر انفصالا عن دائرة الاقتصاد العالمي، إلا ضمن استثناءات وستطوّر مع الوقت قدرة ذاتية على مواجهة إجراءات خارجية مشابهة.
بالتالي، ومع افتراض تمكّن إيران من الصمود لعام ونصف آخر تحت العقوبات ومواءمة ظروفها معها، فهي ستتكيف بالحد الأدنى كما فعلت مع عقوبات سابقة، لكن الخبر السيء عندها سيكون أن ظروف الإتفاق النووي في العام 2015 قد لا تعود ملاءمة لها في المستقبل، تحديدا مع تحول الاتفاق في الظروف الحالية إلى عبء ثقيل على الداعمين لمساره بسبب العجز عن دعم مساره والانعكاسات السلبية للعقوبات.
ويسير الصراع بين طهران والولايات المتحدة على الاتفاق النووي بموازاة اشتباك داخلي إيراني حول جدوى التفاوض مع الغرب بشكل عام وعقد اتفاقيات معه. وسيتجلى هذا الاشتباك بشكل أكبر في عناوين الانتخابات العامة الإيرانية والتي ستجري بداية العام القادم، ويدون شك في نتائجها التي ستحدد من سيفوز بأغلبية البرلمان قبل الانتخابات الرئاسية التي ستجري في صيف 2021. لكن ما هي خيارات إيران في مواجهة العقوبات الأمريكية؟
بعد أن اتخذ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قراره المفاجئ، مستهدفاً تضييق الخناق على اقتصاد طهران المنهك أصلاً بفعل العقوبات الأمريكية، جاء الرد الإيراني بالتهديد بإغلاق مضيق هرمز في وجه ناقلات النفط.من الناحية النظرية البحرية الإيرانية تمتلك القدرة على إغلاق المضيق، ولكن عملية اتخاذ القرار نفسه لن تكون بسيطة، ولا يتوقع أن تكون متسرعة.
لأن ذلك ليس له إلا معنى واحد وهو الحرب، والنظام الإيراني يدرك ذلك جيداً، ويدرك أن هذا ما يسعى إليه ترامب، ومن خلفه أعداء إيران في المنطقة.ورغم وقوع أكثر من حادث «تحرش بحري» بين القوارب الحربية الإيرانية والسفن الحربية الأمريكية التي تجوب الخليج، وأبرزها في عامَي 2007 و2008، وكادت تتحول لاشتباكات فعلية، فإن طهران لم تقدم أبداً على إغلاقه من قبل.
ومفهوم أن التهديد بإغلاق المضيق يمثل ورقة الضغط الأبرز لدى طهران.أما الإغلاق الفعلي فنتيجته الحتمية هي الحرب؛ لأنه لا السعودية ولا باقي دول الخليج ولا حتى الصين ستتحمل النتائج الكارثية على اقتصاداتها.والأسطول الخامس الأمريكي متمركز في البحرين، وتجوب سفنه مياه الخليج باستمرار، لضمان عدم وجود عوائق أمام حركة ناقلات النفط من الخليج إلى المحيط الهندي، مروراً بمضيق هرمز.
وأثناء فترة التوتر عام 2011، أكد المتحدث باسم البنتاغون وقتها، كابتن جون كيربي حرص واشنطن أن يكون وجودها العسكري في محيط هرمز «كافياً للالتزام بتعهداتنا الأمنية تجاه الأصدقاء والشركاء في المنطقة، بالإضافة للمجتمع الدولي»، في إشارة واضحة للاستعداد العسكري الأمريكي لأي محاولات إيرانية لإغلاق هرمز.وبصرف عن التهديدات الإيرانية، فمعروف نتيجة أي حرب مباشرة إذا كانت الولايات المتحدة طرفاً فيها.
وحدة الدراسات الايرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية