أنقرة – لم تنجح خطة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في توظيف الاحتماء بروسيا لمواجهة الضغوط الأميركية. وعلى العكس تماما، فإن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يستمر في تحدي نفوذ أنقرة من خلال هجمات قوية للطيران الروسي على مدينة إدلب، حيث يتمركز حلفاء تركيا من جماعات المعارضة السورية، ليظهر كما لو أنه يوجّه رسالة إلى نظيره التركي بأن موسكو لن تقدم أي مقابل لصفقة أس-400 في الملف السوري ولا في غيره.
ويهدد الهجوم الذي تنفذه قوات الرئيس السوري بشار الأسد وحلفاؤه من ميليشيات وثيقة الصلة بإيران وتؤمنه روسيا جويا بإطلاق موجة جديدة من اللاجئين السوريين، لتضاف إلى نحو 3.6 مليون لاجئ تستضيفهم تركيا حاليا.
ويقول مراقبون إن أردوغان راهن على صفقة منظومة الصواريخ الدفاعية الروسية أس-400 لإغراء موسكو وكسب ودّها، خاصة أنه غامر في سبيل ذلك بإغضاب الولايات المتحدة، وكان يتوقع أن يكون المقابل “تفهما روسيا” لأجندة تركيا في سوريا. لكن ذلك لم يتحقق، وظهرت الصفقة، التي ينتظر أن يشرع في تنفيذها خلال شهرين، معزولة عن أي تفاهمات سرية مثلما تروج لذلك وسائل إعلام تركية مقربة من أردوغان.
وعملت أنقرة على الخلط بين صفقة أس-400 والتزاماتها في أستانة، وخاصة ما تعلق بدورها في تفكيك هيئة تحرير الشام (النصرة سابقا)، لكن المعارك الأخيرة كشفت عن أن الأتراك باتوا يراهنون على الهيئة والجماعات المتحالفة معها لمنع سقوط إدلب وسط تقارير عن ضخ أسلحة تركية لتلك الجماعات لإفشال هجوم قوات الأسد المدعوم روسيّا.
وقال كريم هاس، المحلل في مجلس الشؤون الدولية الروسي والمقيم في موسكو، إن اتفاق وقف إطلاق النار الذي وقّعته تركيا وروسيا في سبتمبر الماضي كان محكوما عليه بالفشل منذ التوصل إليه.
وأردف قائلا “كان من الواضح تماما أن الاتفاق لن ينجح منذ البداية”، مشيرا إلى أن موسكو تعلم أنه خلال الوقت الذي كان من المفترض أن تقضي فيه تركيا على هيئة تحرير الشام، ستكون أيضا على خلاف مع واشنطن بشأن شرائها المزمع لنظام أس-400 الدفاعي الصاروخي الروسي.
ويعتقد هاس أن موسكو بقصفها الأخير، تشير إلى استعدادها للسماح للحكومة السورية بالسيطرة الكاملة على إدلب، ولكن ببطء وبشكل تدريجي. ومع ذلك، فإن هذا الأمر عرضة للتغيير.
وتابع قائلا “إذا غيرت أنقرة رأيها بشأن شراء منظومة الدفاع الصاروخي أس-400 فمن المحتمل جدا أن يكون أول رد روسي على مثل هذا القرار هو الإسراع في عملية إدلب”.
وستتمثل النتيجة في تدفق هائل للاجئين على تركيا. ويشك هاس في أن روسيا ستعرض على تركيا أي حل وسط بشأن إدلب في المستقبل القريب.
وبالتوازي مع ارتباك العلاقة مع موسكو، صعّدت الولايات المتحدة، الجمعة، من الأزمة مع تركيا بسبب سعي أنقرة للحصول على نظام دفاع جوي روسي وكشفت عن خطة لاستبعاد شريكتها في حلف شمال الأطلسي من برنامج مقاتلات أف-35 بما في ذلك الوقف الفوري لأي تدريب جديد لطيارين أتراك على هذه المقاتلات.
والتزمت وزارة الدفاع التركية، السبت، الصمت إزاء الخطة الأميركية، التي تضمنتها رسالة من وزير الدفاع الأميركي بالإنابة باتريك شاناهان إلى نظيره التركي خلوصي أكار، بشأن استبعادها من برنامج أف-35، غير أنها قالت إن كلا الجانبين يسعيان إلى حل.
واعترفت وزارة الدفاع في أنقرة فقط باستلام الرسالة، وقالت إنها “تغطي قضايا الدفاع والأمن بين البلدين”.
وتقول الولايات المتحدة إن شراء تركيا منظومة أس-400 الدفاعية الروسية يشكل تهديدا لمقاتلات أف-35 (الشبح) التي تصنعها شركة لوكهيد مارتن والتي تعتزم تركيا شراءها أيضا. وتقول واشنطن إن أنقرة لا يمكنها أن تمتلك الاثنين معا.
ويتضمن خطاب شاناهان القول صراحة “لا تدريب جديدا على أف-35″. مشيرا إلى أن هذا العام كان سيشهد تدريب 34 طيارا آخرين على تلك المقاتلات.
ويقول ملف ملحق بالخطاب بعنوان “استبعاد تركيا من المشاركة في برنامج أف-35″ إن “التدريب لن يُجرى لأننا نعلق مشاركة تركيا في برنامج أف-35 ومن ثم لن تكون هناك حاجة بعد ذلك للحصول على مهارات على تلك الأنظمة”.
وسيتوقف تدريب الجنود الأتراك الموجودين بالفعل في الولايات المتحدة على أف-35 بنهاية يوليو المقبل.
وحذر شاناهان تركيا في الخطاب من تبعات صفقتها مع موسكو على علاقتها بحلف شمال الأطلسي وعلى الاقتصاد التركي بما قد يتسبب في اعتماد زائد عن الحدّ على روسيا.
وقال شاناهان في الخطاب “لا يزال لديكم الخيار لتغيير المسار في ما يتعلق بأنظمة أس-400″.
وتركيا واحدة من الشركاء الرئيسيين في برنامج أف-35 وعبرت عن رغبتها في شراء مئة مقاتلة من هذا الطراز في صفقة كانت ستبلغ قيمتها تسعة مليارات دولار بالأسعار الحالية.
وتقول وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) إن شركات تركية تنتج نحو 937 مكونا في مقاتلات أف-35 أغلبها لمعدات الهبوط وجسم الطائرة. وتعتزم الولايات المتحدة حاليا نقل إنتاج تلك المكونات إلى مكان آخر بما سينهي دور تركيا في التصنيع بحلول أوائل العام المقبل.
العرب