اختتم شي جين بينغ الرئيس الصيني زيارة رسمية إلى موسكو، التقى خلالها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قبل يوم واحد من انطلاق أعمال “منتدى سان بطرسبورغ الاقتصادي الدولي”، الذي عُقد بمشاركة 140 دولة في نسخته الـ 23، في ظل التوترات المتبادلة مع الولايات المتحدة. وقد سعى الطرفان إلى توثيق أكبر للعلاقات الاقتصادية بينهما.
نأي روسي
“اندبندنت عربية” حاولت معرفة فحوى لقاءات الزعيمين الروسي والصيني خلف أبواب مغلقة، فتحدثت مع يليينا سوبونينا المستشارة في “معهد الدراسات الاستراتيجية الروسية” التابع لإدارة الرئيس بوتين، التي أوضحت رداً على كلام صحافي أن “الغرض الأساس من القمة ليس تكوين جبهة موحدة لمواجهة الضغوط الأميركية”، مؤكدة أن “حكومتها لا تريد أن تدخل في أي حرب تجارية، ولا تنوي التورط بأي شكل من الأشكال في المواجهة المشتعلة بين واشنطن وبكين”. لكنها أشارت إلى “تطابق في الرؤى بين روسيا والصين في ما يتعلق بالحروب التجارية الأميركية على دول كثيرة في العالم”.
وذكرت سوبونينا أن زيارة الرئيس الصيني جاءت ضمن مشاركة بلاده في “منتدى سان بطرسبورغ” الذي ترأسه الرئيس الروسي وشارك فيه عدد من زعماء العالم، اجتمعوا تحت مظلة واحدة لمناقشة القضايا الاقتصادية والتجارية والتحديات التي يشهدها العالم. “وهذا يعني”، بحسب رأيها، أنه “على الرغم من الضغوط والعقوبات الأميركية القائمة، فإن روسيا والصين مستعدتان للتعاون معاً في المجالات الاقتصادية والتجارية كافة”.
ولاحظت المحللة الروسية أن “مشاركة نائب مدير شركة هواوي الصينية في أعمال المنتدى، وحضوره إحدى جلساته، كانت لافتة. فالشركة تترنح تحت العقوبات الأميركية، لكن موسكو أبدت استعداداً للتعاون ليس معها فحسب، بل مع شركات أخرى مثل نوكيا للقول إن منطق العقوبات مرفوض”.
تعاون مستجد
وتصر بكين في ذروة الحرب التجارية، على تعزيز علاقاتها مع روسيا في مجالات عدة، في وقت يتعرض مسؤولون وشركات روسية لضغوط أميركية وأوروبية، نتيجة ضم موسكو شبه جزيرة القرم من أوكرانيا. في المقابل، لدى روسيا سبباً لتوثيق علاقاتها مع بكين، فحجم التجارة ارتفع بين البلدين بنسبة 24.5 في المئة ليصل إلى 108 مليارات دولار في العام 2018، بسبب نمو صادرات الطاقة الروسية إلى الصين من النفط والغاز، ما جعل روسيا أكبر مورّد طاقة إلى الصين.
على المستوى التجاري، وفي إطار “مبادرة الحزام والطريق” الصينية لتعزيز التجارة، استثمرت الصين نحو مليارين و580 مليون يوان (373 مليون دولار أميركي)، في بناء جزء من جسر فوق نهر آمور، لربط هايهي بمقاطعة هيلونغ جيانغ ومدينة بلاغوفيشتشينسك الروسية، لتسهيل نقل المنتجات الزراعية من روسيا إلى الصين.
وفي الوقت ذاته، شارف مشروع بناء خط سكك حديد بطول 2169 متراً على الانتهاء، ويشكل وسيلة شحن دولي تربط منظومة السكك في شمال شرقي الصين بنظيرتها الروسية في سيبيريا. ومن المتوقع الانتهاء من أعمال بناء الجسر في يوليو (تموز) المقبل.
أقل من المتوقع
لكن الاستثمارات الصينية في روسيا لا تزال أقل بكثير من المتوقع. وفي هذا الإطار، قال إيفان تسيليشتشيف، البروفسور في كلية الإدارة التابعة لجامعة نيغاتا في اليابان، إن “خطوات الصين ستكون محدودة في مجال التعويض عن تدهور علاقاتها مع الولايات المتحدة، لا سيما في ظل انخفاض الاستثمار الصيني المباشر في روسيا بشكل حاد في النصف الأول من العام 2018، وفق البنك المركزي الروسي”.
وأوضح أن “إجمالي حجم التداول تقلص بنسبة 24 في المئة، في حين كان في النصف الأول من العام الماضي قرابة ثلثي ما كان عليه قبل ضم شبه جزيرة القرم، أي في حدود 4.54 مليار دولار أميركي”.
وأشار إلى أن “تراجع الاستثمار الصيني في روسيا أثار تكهنات واسعة في وسائل الإعلام الروسية، بأن الشركات الصينية تدعم العقوبات الأميركية ضد موسكو، خصوصاً لجهة بطئها أو تبعثرها، تحديداً في قطاع التكنولوجيا المتقدمة جداً، مقارنةً بمناطق أخرى من العالم”.
رسالة لواشنطن
اقرأ المزيد
هل تتحول الخلافات التجارية الدولية إلى “حرب عملات”؟
بكين نحو حرب باردة طويلة مع واشنطن… والعولمة أولى الضحايا
أكدت سوبونينا الرفض الروسي للحروب التجارية التي تشنها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب على عدد من دول العالم، قائلة إن “اللقاء الذي جمع الزعيمين كان يهدف إلى إرسال رسالة موحّدة وواضحة إلى الولايات المتحدة، مفادها بأن الحروب التجارية باتت غير مقبولة، وكذلك لم يعد مقبولاً سعي الولايات المتحدة إلى أن تكون القوة الأحادية المهيمنة في العالم، وإنكارها للتعددية القطبية، في ظل بروز قوى أخرى على رأسها روسيا والصين”.
وأشارت إلى أن “عدم السماح بقيام حروب تجارية في العالم، كان العنوان العريض لمخرجات منتدى سان بطرسبورغ”. أما في ما يتعلق بالصين، فكان الهدف الرئيس هو مواجهة الحرب التجارية الأميركية. ولاحظت المحللة الروسية أن “واشنطن استخدمت سلاح العقوبات ضد روسيا، من دون أن تحولها إلى حرب تجارية حقيقية، على الرغم من أن العقوبات تطاول أنابيب النفط والغاز وصفقات السلاح وغيرها”، مستبعدةً أن تدخل الولايات المتحدة في حرب تجارية مع بلادها.
تغيّب أميركي
الولايات المتحدة من جهتها، حرصت على تفويت فرصة المشاركة في المنتدى الاقتصادي. وعزا مبعوثها السابق إلى الصين وسفيرها الحالي لدى موسكو جون هنتسمان سبب الغياب إلى الاحتجاج على محاكمة موسكو مؤسس “مجموعة بارينغ فوستوك للأسهم الخاصة” مايكل كالفي.
وكانت السلطات الروسية اتهمت المستثمر الأميركي باختلاس قرابة مليارين ونصف المليار روبل (38 مليون دولار أميركي) من بنك فوستوشني. هذه الذريعة حمت واشنطن من انتقادات مباشرة لسياسات رئيسها ترمب في ما يتعلق بالتعاطي مع الصين أو الهند أو حتى مع أقرب حلفائها في دول الاتحاد الأوروبي واليابان، ناهيك عن تهديده بفرض رسوم تعريفية على دول أميركا اللاتينية بصورة شبه يومية.
اندبندت