يزداد المشهد السياسي في الداخل الإسرائيلي تعقداً، على وقع إعادة انتخابات الكنيست (البرلمان)، الذي حلَّ نفسه في أواخر مايو (أيار) الماضي، وذلك في سابقة هي الأولى من نوعها.
ويوماً بعد يوم تختلط “أوراق اللعبة الانتخابية” أمام طموحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في ولاية خامسة بعد انتخابات التاسع من أبريل (نيسان) الماضي، وذلك في وقت ترجّح استطلاعات الرأي ابتعاده عنها، بالتوازي مع اتساع الشقاق بينه وحلفاء حزبه (الليكود) التقليديين من أنصار اليمين المتطرف، وصعود أسهم تحالف “أزرق أبيض” بقيادة منافسه القوي بيني غانتس، رئيس الأركان السابق.
Arab-party-barred-from-Israel-polls-after-claims-it-backed-terror.jpg
نتنياهو لدى إطلاقه حملته الانتخابية من مقر حزب الليكود في تل أبيب (أ.ف.ب)
خلال الأيام الأخيرة، وبعد فشل نتنياهو في تشكيل حكومة ائتلافية، يواجه رئيس الوزراء الإسرائيلي، المتهم في عدة قضايا فساد، “مستقبلاً غامضاً”، وتحديات كثيرة لخططه على المستويين الداخلي والخارجي، في انتظار حسمها في جولة الانتخابات الجديدة، المقررة في 17 سبتمبر (أيلول) المقبل، إذ يرى مراقبون أن فرص فوز الليكود، الذي حصل على 36 مقعداً في الانتخابات الأخيرة “باتت بعيدة”، فيما يقترب تحالف “أزرق أبيض”، الذي حصل على 35 مقعداً من تشكيل الحكومة الجديدة.
طموح الولاية الخامسة
في مقاله بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، يعزي ديفيد ماكوفسكي، السبب الرئيسي لفشل رئيس الوزراء الإسرائيلي في تشكيل ائتلاف، إلى “إحجام زعيم حزب (إسرائيل بيتنا) المتطرف أفيغدور ليبرمان عن منحه الدعم البرلماني الضروري لضمان أغلبية تشمل 61 مقعداً في الكنيست المؤلف من 120 مقعداً”ـ
ماكوفسكي اعتبر أن ذلك الرفض، جاء بسبب خلافات مع الأحزاب الأرثوذكسية الأصولية، على مضمون “قانون التجنيد”، القاضي بفرض غرامات مدنية على بعض المؤسسات الدينية، إذا لم يؤدِ عدد كاف من الشباب اليهود المتشددين الخدمة العسكرية، وهو ما سبب تصدعاً بين نتنياهو ووزير دفاعه السابق ليبرمان، وتطور في الأيام الأخيرة إلى تلاسن وتبادل الاتهامات.
وحسب المحلل الإسرائيلي، بين كاسبيت، فإن بقاء نتنياهو في الحياة السياسية باتَ أشبه بـ”مهمة مستحيلة”، لا سيما أنّه لم يواجه هذا النوع من التحدي من قبل (الفشل في تشكيل حكومة)، موضحاً أنه “لكي يتمكن رئيس الوزراء الإسرائيلي من تشكيل حكومة يمينية بعد الانتخابات المقبلة في 17 سبتمبر (أيلول)، يتوجب على حزبه الفوز بـ40 مقعداً بالكنيست، أي بزيادة 5 مقاعد عمّا حصل عليه خلال الانتخابات الأخيرة، وهو ما تستبعده أغلب استطلاعات الرأي الحديثة”.
وشكّل نتنياهو، الملقب من قبل مقربيه بـ”بيبي” حكومته الأولى في يونيو (حزيران) 1996، وظل في رئاستها حتى يوليو (تموز) 1999.
وفي 31 مارس (آذار) 2009 أعيد انتخابه لهذا المنصب، وقاد 3 حكومات متتالية، وفي حال تمكّن نتنياهو من تشكيل حكومة “خامسة”، فإنه سيحطم الرقم القياسي، الذي حققه مؤسس دولة إسرائيل ديفيد بن غوريون، الذي قاد حكومات إسرائيلية على مدى 13 عاماً.
وإلى جانب الفشل في تشكيل الحكومة، يواجه نتنياهو معضلة تهم الفساد المالي، وتلقي رشاوى، إذ حسب المدّعي العام الإسرائيلي فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي متهم في عدة قضايا، باتت معروفة إعلامياً بالملفات 1000 و2000 و4000.
وخلال العامين الماضيين، أوصت الشرطة الإسرائيلية بعد سلسلة تحقيقات مطولة مع نتنياهو ومقربيه، بتقديم لائحة اتهام ضده في 3 ملفات أساسية.
ففي الملف المعروف برقم 1000، يُتهم رئيس الوزراء بتلقي الرشوة من رجال أعمال إسرائيليين، مقابل تقديم خدمات إليهم، وفي 2000، يواجه تهمة إجراء اتصالات مع ناشر صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، أرنون موزيس للحصول على تغطية إعلامية إيجابية مقابل التضييق على صحيفة “إسرائيل اليوم” المنافسة.
وفي الملف 4000 اتهامات بتقديم تسهيلات مالية لشركة “بيزك” للاتصالات مقابل الحصول على تغطية إعلامية إيجابية في موقع “واللا” الإخباري الإسرائيلي المملوك لصاحب شركة الاتصالات.
الخميس الماضي، رفض المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية أفيحاي مندلبليت، تأجيل جلسة استماع لنتنياهو، في قضايا فساد، المقرر عقدها في أكتوبر (تشرين الثاني) المقبل. وذلك غداة تقدم رئيس الوزراء الإسرائيلي طلب لتأجيل جلسة الاستماع بدعوى حل الكنيست.
ووفق المحلل الإسرائيلي بين كاسبيت، فإن كثرة الحديث عن تهم الفساد، التي يتعيّن على نتنياهو أن يدافع عن نفسه أمام المدعي العام، يحاط رئيس الوزراء الإسرائيلي بتطورات سياسية وقضائية تبدو كأنّها “بداية النهاية” بالنسبة إليه.
من جانبها، ترى صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، أن الانتخابات المقبلة في سبتمبر (أيلول) المقبل، ستكون عبارة عن تنافس قوي بين نتنياهو وليبرمان، إذ يعرف كلّ منهما نقاط ضعف الآخر.
شقاق في اليمين الإسرائيلي
كان لافتاً في الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، التي جرت في أبريل (نيسان) الماضي، حصد معسكر اليمين المتطرف 65 مقعداً، وهو أكثر من نصف مقاعد الكنيست (120 مقعداً)، لكن تصاعد الخلافات بين الليكود وحلفائه التقليديين في اليمين المتطرف، قاد إلى زيادة الشقاق في تلك الجبهة المناهضة حل الدولتين والانسحاب من المستوطنات، فضلاً عن التشدد تجاه القضايا الإقليمية والدولية.
وحسب سعيد عكاشة، الباحث في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، فإن “الخبرات المتراكمة في السياسة الإسرائيلية تبين أن أحزاب اليمين واليمين المتشدد تحتل المكانة المركزية في الخريطة السياسية الإسرائيلية، لكن هذه المكانة يمكن أن تتعرض إلى الانهيار إذا نظرت هذه الأحزاب إلى نفسها على أنها متنافسة، وليست متحالفة”،
وقال، إن “الصورة الحالية تصيب جبهة اليمين بأطيافه المختلفة بالقلق، فالتنافس والصراع بدا ظاهرين داخلها في الانتخابات الماضية، إذ يعاني الليكود التلاسن الحاد بين من يؤيدون نتنياهو ومن يفكرون في الانحياز إلى منافسه (جدعون ساعر)، الذي يطمح في قيادة الليكود مستقبلاً. كما أن الفشل غير المتوقع لحزب (اليمين الجديد) في تجاوز نسبة الحسم (وهي 4 مقاعد) يُبين مدى مخاطر التشتت، وتبديد الأصوات التي كان يمكن أن تكون رصيداً مهماً للجبهة في تشكيل الكنيست”.
وأضاف عكاشة، “يمثل وجود نتنياهو كزعيم قوي شرطاً مهماً لتوحيد جبهة اليمين وتقليل الصراعات الداخلية فيها، غير أن تعرضه حالياً لخطر المحاكمة والإدانة في قضايا الفساد واستغلال النفوذ المرفوعة ضده، واحتمالية اختفائه من الحياة السياسية سيشكل أزمة شديدة لجبهة اليمين”.
استطلاعات الرأي
غداة حل الكنيست نفسه، والدعوة إلى انتخابات جديدة في الـ30 من مايو (أيار) الماضي، أظهر استطلاع للرأي أجرته صحيفة “معاريف” الإسرائيلية، أن الكفة تميل إلى تحميل ليبرمان مسؤولية الذهاب إلى انتخابات جديدة، إذ قال 46٪ من المستطلع آراؤهم، إنه السبب، بينما قال 35٪ إن “نتنياهو هو من يتحمل المسؤولية”.
ووفق أحدث استطلاع للرأي، نشرت نتائجه، صحيفة “إسرائيل اليوم” العبرية، قبل يومين، فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي قد يجد نفسه مجدداً، أمام معضلة عدم التمكّن من تشكيل حكومة يمين، بعد الانتخابات المبكرة المقبلة.
وحسب نتائج الاستطلاع، فإنه لو جرت الانتخابات اليوم، فستحصل كتلة اليمين (دون حزب أفيغدور ليبرمان) على 59 مقعداً في الكنيست (البرلمان الإسرائيلي)، المكوّن من 120 مقعداً، وذلك في وقت يلزم أي رئيس وزراء الحصول على ثقة 61 عضواً على الأقل في الكنيست.
أمَّا حزب “إسرائيل بيتنا” اليميني، برئاسة ليبرمان، فيتوقع الاستطلاع حصوله على 8 مقاعد، مقارنة مع 5 مقاعد في الانتخابات الأخيرة.
ويشير إلى أن حزب “الليكود” اليميني برئاسة نتنياهو، ما زال يتقدم بحصوله على 36 مقعداً، مقابل حصول تحالف “أزرق أبيض” الوسطي، برئاسة بيني غانتس على 34 مقعداً، وأنه وضمن الأحزاب اليمينية يرجح حصول حزب “شاس” الديني المتطرف على 7 مقاعد، و”يهوديوت هتوراه” على 7، و”اليمين الجديد” برئاسة نفتالي بينيت وإيلي شاكيد على 5، و”اتحاد أحزاب اليمين” على 4.
الانتخابات و”صفقة القرن”
في الوقت، الذي تقترب فيه الإدارة الأميركية من إعلان خطتها للسلام في المنطقة المعروفة إعلامياً بـ”صفقة القرن”، لا سيما مع اقتراب عقد ورشة البحرين الاقتصادية لمناقشة الجوانب الاقتصادية للخطة أواخر الشهر الحالي بمشاركة إقليمية ودولية ومقاطعة فلسطينية، تنعكس توترات المشهد السياسي الداخلي في إسرائيل على مستقبل “الخطة”، وفق مراقبين.
وفي الوقت الذي يرى فيه البعض أن عزم الإدارة الأميركية طرح الخطة رغم قيادة نتنياهو حكومة تصريف الأعمال، فإن آخرين يرون أن مستقبل الخطة ذاتها في الداخل الإسرائيلي “بات على المحك”.
وحسب ديفيد ماكوفسكي، فإن انتخابات سبتمبر (أيلول) المقبلة في إسرائيل، ربما تقوّض خطة السلام على المدى الطويل أيضاً.
وذهبت صحيفة “معاريف” الإسرائيلية، إلى أن تعثر تشكيل الحكومة والدعوة إلى انتخابات مبكرة من شأنهما تأجيل طرح الخطة، إلى جانب الرفض الفلسطيني لمناقشتها.
وذكرت، أن “التقييمات تشير إلى أنه إذا لم يتم تقديم الخطة في المرحلة الراهنة، فقد لا تقدم على الإطلاق”، منوهة إلى أن “2020 سيكون عام انتخابات في الولايات المتحدة، ولا يتحمّل الرؤساء عادة مخاطر سياسية يمكن أن تؤثر في فرص انتخابهم في تلك الفترات”.
وأوضحت الصحيفة، أن “خطة السلام تتطلب تنازلات من جهة إسرائيل من ناحية، إضافة إلى أن فرص نجاحها منخفضة للغاية من ناحية أخرى”، مؤكدة أنه “إذا لم يُعاد انتخاب ترمب رئيساً للولايات المتحدة، فستدفن الخطة التي تحمل صورته، حتى قبل نشرها”، حسب تعبير الصحيفة.
تكلفة الانتخابات الإسرائيلية
وفق تقديرات صحافية إسرائيلية، فإن التكلفة الأولية للانتخابات المقبلة ربما تصل إلى 470 مليون دولار، بشكل مباشر وغير مباشر.
وحسب موقع “واللا” الإسرائيلي، ربما تصل إلى 600 مليون شيكل (166.6 مليون دولار) خلال الشهور الثلاثة، موضحاً أن “المبلغ سيتوزّع على الدعم الحكومي للأحزاب المتنافسة في الانتخابات بقيمة 195 مليون شيكل (54.1 مليون دولار). بينما ستبلغ نفقات لجنة الانتخابات العامة الإسرائيلية 255 مليون شيكل (70.8 مليون دولار)، و150 مليون شيكل (41.7 مليون دولار)، نفقات إضافية”.
وإضافة إلى ذلك، ووفق التقارير الصحافية، فإن الاقتصاد الإسرائيلي ربما يتكبّد 1.1 مليار شيكل (304 ملايين دولار تقريباً) في يوم الانتخابات. إذ ينص القانون على اعتبار يوم الانتخابات العامة عطلة رسمية بجميع المؤسسات العامة والخاصة. وبموجب القانون، ولتسهيل ممارسة حق التصويت، من حق كل ناخب استخدام وسائل نقل الركاب مجاناً من بلدة إلى أخرى ذهاباً وإياباً.
من جهتها، أوردت صحيفة “يديعوت أحرونوت”، قبل صدور قرار حل الكنيست، أن التكلفة المباشرة وغير المباشرة لهذه الانتخابات، قد تصل بمجموعها إلى 5 مليارات شيكل (1.38 مليار دولار)، من الموازنة العامة والسوق الإسرائيلية.
يشار إلى أن عدد الناخبين الإسرائيليين يبلغ 6 ملايين و339 ألفاً و279 ناخباً، حسب لجنة الانتخابات.
ويدلي الناخبون بأصواتهم في 10 آلاف و720 صندوق اقتراع، بينها 191 في المستشفيات و58 بالسجون، و96 صندوقاً في البعثات الدبلوماسية والقنصلية الإسرائيلية، ولا يحق للناخب الموجود خارج إسرائيل المشاركة في الانتخابات، إلا إذا كان من أعضاء البعثات الدبلوماسية والقنصلية.
اندبندت