تونس – عادة ما يتم حصر الكلام عند الحديث عن جزيرة جربة التونسية الواقعة في جنوب شرق البلاد، في معبد الغريبة اليهودي بما يمثله من رمزية تاريخية لهذه الديانة في تونس، وكذلك لما يقدّمه من ملامح في كل سنة عند حج اليهود إليه عن تسامح وتحابب المسلمين واليهود.
لكن هذه الجزيرة تضم أيضا علاوة على كنيس “الغريبة” كنائس أخرى متلاصقة في أغلبها مع مساجد المسلمين التي أصبح رفع الأذان فيها ليس محل اهتمام المسلمين فحسب بل اليهود أيضا الذين باتوا يعدّلون ساعات صلاتهم على أذان الفجر.
ففي جربة التونسية يؤذن المؤذن مناديا المسلمين لصلاة الفجر، بينما تُؤدَى في نفس التوقيت صلاة أخرى في كنائس اليهود المنتشرة في الحارة الكبيرة بمدينة حومة السوق في جزيرة جربة جنوبي البلاد.
وفي هذا الصدد قال يوسف وزان، رئيس الجمعية اليهودية بجربة (مستقلة)، إن “اليهود القاطنين في الحارة الكبيرة يعرفون دخول صلاة الصبح لديهم من خلال أذان الفجر الموجود في مسجد المسلمين”.
وأضاف “في ديننا توجد ثلاثة أوقات صلاة، وهي صلاة في الفجر وأخرى في الظهر وثالثة في الليل، ونعرف دخول صلاة الفجر مثلا عند الاستماع إلى المؤذن في جامع الرحمة القريب من الحي الذي نسكن فيه”.
وأشار وزان إلى أن هذا الأمر يعبر بشكل كبير عن قيمة التعايش الموجودة في جزيرة جربة، فحتى القيم التي يدعو لها الدين اليهودي والإسلامي هي ذاتها، حسب تعبيره.
ويعد كنيس الغريبة الأقدم تاريخيا في أفريقيا رمزا لجزيرة جربة التونسية التابعة لمحافظة مدنين، جنوبي البلاد، ولكن شهرة هذا المعبد اليهودي عالميا حجبت كنائس أخرى تقع وسط الحارة الكبيرة في الجزيرة.
وتبعد الحارة الكبيرة قرابة كيلومتر من مركز مدينة حومة السوق في جزيرة جربة، ويعيش في هذا المكان نحو 1200 يهودي. وداخل هذا الحي اليهودي تنتشر 11 كنيسة يهودية، وهي عبارة عن معابد صلاة يومية لليهود، تختلف مساحتها.
وتتكون هذه الكنائس من فضاء خارجي واسع وفضاء داخلي خاص بالصلاة، وأداء طقوس اليهود خلال المناسبات الدينية.
ولهذه الكنائس طابع هندسي معماري مأخوذ من الموروث الأندلسي المميز خاصة في مستوى اعتماد البساطة في الفضاء الخارجي، أما الفضاء الداخلي فتحضر فيه الأقواس المزينة ببعض الزخارف في حين كتبت على الجدران بعض آيات التوراة باللغة العبرية.
وتابع رئيس الجمعية اليهودية في جربة “تمتاز هذه الكنائس بالهندسة المعمارية الأندلسية، لأن يهود جزيرة جربة جاؤوا من إسبانيا (هربا من الاضطهاد المسيحي) فجلبوا معهم الموروث المعماري في بناء هذه المعابد”.
وعادة ما يرتاد اليهود هذه الكنائس ثلاث مرات في اليوم، لأداء الصلاة؛ خلافا لأيام الأعياد الدينية. وأضاف وزان موضحا “وظيفة هذه الكنائس مثل وظيفة المساجد عند المسلمين، فنحن نرتادها لأداء صلاة الجماعة خاصة، لأن ديننا يحثنا على القدوم إلى هنا بدلا من الصلاة في البيت”.
وأردف “بمجرد دخول المُصلّي إلى بيت الصلاة عليه أولا ارتداء الغطاء، ويجب أن يغطي الجزء السفلي من رأسه إلى حدود الذراعين قبل الشروع في أداء الصلاة”.
وعادة ما يوضع هذا الغطاء على الرفوف المقابلة للباب الرئيسي لكل بيت صلاة يهودي، وهو لحاف أبيض خفيف يصل طوله إلى قرابة المتر. ويتوسط الفضاء الداخلي للمعبد “المدار”، وهو على شكل منبر محاط بعمودين طويلين يصلان إلى سقف الكنيس، ويرتفع قرابة 50 سنتيمترا عن السطح.
وأشار رئيس الجمعية اليهودية في جربة إلى أن هذا المنبر، الذي يطلق عليه باللغة العبرية اسم “طباء”، يصعد إليه الشخص الذي سيتولى مهمة الإمامة في صلاة الجماعة، لكي يصل صوته إلى عموم المصلين اليهود، خاصة عندما يخطب فيهم ويدعوهم إلى القيم والأخلاق الحميدة. ولكل معبد من المعابد الـ11، مسؤول يسهر على نظافته وفتحه أمام المصلين وإغلاقه.
وعادة ما تحظى الحارة الكبيرة بإجراءات أمنية خاصة لضمان تأمين عيش اليهود، وممارسة معتقداتهم الدينية. والعام الماضي، تعرض أحد هذه المعابد لمحاولة حرق بواسطة زجاجات حارقة من قبل مجهولين من دون تسجيل أي خسائر بشرية.
العرب