تجديد الفكر الديني لمواجهة فوضى التشدد والإرهاب

تجديد الفكر الديني لمواجهة فوضى التشدد والإرهاب

_56219_125

ارتفعت الدعوات المنادية بتجديد الخطاب الديني وتحيينه لمواجهة فوضى التطرّف والتشدّد التي تضرب بعمق في المجتمعات العربية والإسلامية، وخاصة في صفوف الشباب.

ولتحصين الشباب ضد الأفكار الهدامة، شدّدت حلقة نقاشية نظمها مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، بأبوظبي، على ضرورة مراجعة الخطاب الديني وبناء الفكر النقدي الواعي له، بل وإصلاحه وتخليصه مما علق به من مزاعم وخرافات وتفسيرات وتأويلات تتنافى مع مقاصد الإسلام وتؤدي إلى فهم غير صحيح للخطاب الديني.

وخلصت الندوة التي حملت عنوان “من التجديد إلى الثورة.. إصلاح الخطاب الديني وصلته بالإرهاب”، إلى أن الدعوة إلى تجديد الخطاب الديني يجب أن تكون بمنزلة تحويل للفكر بدءا من أصول الفقه، مرورا ببقية الفروع الدينية، وذلك قبل أن تصل في شكل رسائل إلى المواطن العادي، سواء في شكل فتاوى أو في شكل ظواهر سياسية واجتماعية معينة.

وذلك لأن الخطاب الديني يختلف عن الوعظ، فصورة رجل الدين لها تأثير عميق على العامة، وذلك في وقت تنتشر فيه ثقافة الكراهية، سواء في الخطاب الثقافي أو الخطاب الدعوي، ولهذا فالتجديد يبدأ من ترك هذا الخطاب الذي يعود لفترة ما قبل نهاية الاستعمار وما بعده أيضا، وهو خطاب جماهيري غائي يختلط فيه الإحساس بأن الأمة تقود العالم، وأنها مظلومة من العالم كله، من مبدأ نحن سادة ولكننا مضطهدون.

وبين الباحثون المشاركون في الندوة، ومن بينهم ممدوح الشيخ، الباحث المتخصص في الفكر السياسي الإسلامي، علي بكر، الباحث المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية، والأستاذ إبراهيم غالي رئيس تحرير الموقع الإلكتروني لمركز المستقبل، أن هناك إشكالية حالت دون التجديد والتنقية والتطوير، وهي الخلط بين الديني والسياسي. وعلى سبيل المثال، فقد ظهر ذلك جليا في مصر في عهد الرئيس أنور السادات، حينما تحول الإسلاميون للحياة السياسية وللمجتمع، وبالتالي أنتجت السلطة والمعارضة خطابا استهدف تحقيق أهدافهم، أي أنه خطاب دار حول السلطة ذاتها، وليس حول تجديد الفكر، وهو ما أعاق التقدم في العديد من البلدان العربية.

ويرتبط بما سبق أن مسار التجديد الديني كان منذ عشرينات القرن الماضي، وحتى اليوم، موضع سجال فكري بين التيارات الإسلامية والعلمانية، وانتهى الأمر في مصر باغتيال فرج فودة، ومحاولة اغتيال نجيب محفوظ، وغيرها من الحوادث التي تشير إلى أن العنف طغى على السجالات الفكرية بين التيارات المختلفة، في وقت كانت تغيب فيه الدولة عن مسألة تجديد الخطاب الديني.

ومن بين أبرز التحديات التي تواجه تجديد الخطاب الديني في العالم العربي غموض النطاق والأهداف والمدلول؛ خاصة بالنسبة للجماهير غير المسيسة، حيث أضحت القضية وكأنها إرشاد اجتماعي أكثر من كونها ترشيدا دينيا (السجال بين الاجتماعي والديني)، ليتسع بذلك النطاق إلى الدعاة ورواد الفضائيات والمنابر المختلفة، والذين تدخلوا في كافة المسائل الحياتية وليس الدينية فقط.

من جانب آخر فإنه مع كل أزمة كبيرة يتم استخدام “الديباجات الدينية” لتبرير صراع مسلح أو صراع جذري بين الإسلاميين وخصومهم وبينهم وبين الدولة. وبعد ظهور “داعش” أصبحت المصيبة عابرة لحدود الدولة ليتجاوز نطاق التفاعل “الخارج الجغرافي” بصورة غير مسبوقة؛ وهو ما بات يستدعي تجديدا جماعيا وليس فرديا للخطاب الديني، ومواجهة الفكر المتطرف بالفكر الوسطي المعتد.

تواجه قضية تجديد الخطاب الديني أيضا تحدي التطرف والتطرف المضاد، فثمة تصورات معدة سلفا من بعض الشرائح الأكثر تطرفا من العلمانيين، وثمة خطاب ديني مواز ومتطرف أيضا من قبل بعض الإسلاميين، وبالتالي فإن ثمة تعددا في الأهداف والمخرجات؛ فهناك فئة ترى الموضوع أمنيا وأخرى تراه داعما لقيم سياسية معينة، وثالثة لا تسلك إلا الاتجاه الخطي الجامد؛ وهو ما يعني أننا يجب أن نتخلص من تلك الصور النمطية التي تسود بين الإسلاميين والعلمانيين حتى نتجنب مثل هذا المسار الثابت الذي لم يطور الخطاب الديني لعقود.

وخلصت الحلقة النقاشية فيما يتعلق بالحلول الممكنة لعلاج أزمات الخطاب الديني إلى ضرورة:

* التفرقة الصارمة بين “الإعلام الديني” و”الإفتاء” و”الدعوة”، فهي ما يحدد بشكل واضح “نطاق الخطاب”. فالأول يكون بما هو مجمع عليه من الحقائق كالغيبيات والأمور المستندة إلى أحكام قطعية الثبوت والدلالة. أما الإفتاء فليس إلا ردا على سؤال سائل، ولا يجوز أن يتخذه البعض سندا لما يعتبره هو أو غيره “حكما شرعيا”، فليس لأحد كائنا من كان أن “يُنشئ” أحكاما بعد الرسول صلى الله عليه وسلم. وكذلك الإجماع لا يُنشئ حكما بالتحليل أو التحريم. أما الدعوة فتكون إلى الفضائل (وليست ملزمة)، ولا يجوز فيها التمذهب أو التحزب.

* الفصل التام بين “الدعوي” و”السياسي“، فالأول يدور حول الفضائل، والثاني مداره المصالح.

* ضرورة العمل على إحياء معيار الفطرة، فهي المقياس وليس الغرائز، أي نريد خطابا يحدث الفطرة البشرية، ونريد خطابا يعتمد العقل والنقل معا، ويستند إلى ما تمليه الضرورات ومصالح الناس والعباد.

*الانطلاق من بعض المبادئ والأسس الدينية السليمة، ومنها: أن القرآن وحده هو وحي المساء، وما دونه تم استخدامه لتبرير صراعات مذهبية وسياسية، وأن العقل حكم على النص، وليس وسيلة لفهم النص؛ فالنص منتج تاريخي يجب فهمه في ضوء “السياق” لا في ضوء معناه اللغوي فقط.
صحيفة العرب اللندنية