لجأت شركات التأمين العالمية بعد تكرار الاعتداءات على ناقلات نفط في مياه الخليج واحتمال حدوث مزيد من التصعيد، إلى رفع أسعارها المتعلقة بالناقلات والسفن التي تدخل المنطقة.
وأكدت لجنة الحرب في شركة “لويدز” إعادة تحديد أسعار التأمين المتعلقة بالمنطقة، وبلغت الزيادة نحو 23% في غضون أسبوع واحد. وتتعامل الشركة العالمية مع الوضع وفق جداول أسعار أسبوعية تعتمد على متابعة المستجدات.
وانعكس هذا الأمر على الشركات العاملة في المنطقة، وكشف نبيل قطران، الرئيس التنفيذي لـ”الصندوق العربي لتأمين أخطار الحرب”، الذي يتخذ من البحرين مقراً له، “عن قرار هذا الأسبوع برفع أسعار التأمين على ناقلات النفط المتوجهة إلى منطقة الخليج العربي دون أن يحدد النسبة المقررة”، وأكد “أنها لن تكون أكبر من تلك التي اعتمدتها شركة “لويدز” وشركات عالمية أخرى”، وأشار في حديث مع “إندبندنت عربية” إلى “أن جميع الشركات عقدت اتفاقات إعادة تأمين مع مؤسسته، وبالتالي لا بدّ من تحديد الناقلات المؤمنة والتعامل مع كل حالة على حدة”. وفيما يتعلق بحجم الزيادة التي ستطال كل شركة شحن وعميل أوضح أن “الزيادة تختلف بين أسطول وآخر، وبين عميل يمتلك على سبيل المثال 20 باخرة، وآخر يمتلك باخرة واحدة”.
منع الاستغلال
وأوضح رئيس “الصندوق” الذي أنشئ في العام 1980 لحماية مصالح أسواق التأمين العربية في الخليج والمناطق العربية الأخرى أن “الزيادة التي سيعلن عنها خلال الأيام القليلة المقبلة ستكون ملزمة لجميع شركات التأمين الأعضاء من المنطقة العربية بما فيها الخليجية، خصوصاً أن الصندوق مملوك للشركات الأعضاء فيه”.
ويرى “أنه في ظل الحديث عن مبالغ ضخمة لا بد من إعادة التأمين التي عادة ما تتم في الأسواق العالمية، فالمؤسسة مرتبطة بالأسواق العالمية في جزء من الاتفاقات، وبالتالي لا بد من حصول زيادة في أسعار التأمين”. وقال “إن هدفنا إيجاد توازن بين الشروط والأسعار وضمان عدم حصول مغالاة فيها قد تنعكس سلبا على شركات التأمين أو عملائها”. وحذّر مما سماها “الزيادة العشوائية لتكلفة التأمين التي قد تلجأ إليها بعض شركات التأمين البحري مستغلة حال التأزم”. وأكد “أن مؤسسته ستتصدى لأي زيادات من هذا النوع”.
شبيهة بالثمانينيات
وأشار قطران إلى أن “ما يحدث اليوم يذكّر بمرحلة أليمة عاشتها المنطقة في الثمانينيات عندما نشبت حرب الخليج الأولى ووُلد معها (الصندوق العربي لتأمين أخطار الحرب)، للحفاظ على مصالح الشركات الوطنية الأعضاء في الدول العربية، وكذلك، في المرحلة ما بين 1987 و1990. وبالتالي ليس هناك شك في أن أسعار التأمين ستشهد زيادة”. وتابع “من خلال تواصلي مع شركات التأمين الأخرى، نلاحظ ارتفاعاً كبيراً في التأمين في سوق لندن ولجنة أخطار الحرب المشتركة في سوق لويدز للتأمين. فما حصل، أنه منذ التفجيرات التي استهدفت 4 ناقلات نفط في مايو (أيار) الماضي، طرأت زيادة على أسعار التأمين، وكانت تُراجع أسبوعياً حتى الأمس، عندما اطّلعت سوق لويدز على الارتفاعات التي بلغت نحو ضعفين عما كانت عليه قبل نحو شهر. بمعنى أن الزيادة في تأمين لويدز بلغت نحو 23% في خلال أسبوع واحد، وبالتالي عندما نتحدث عن ناقلات عملاقة وشحنات ضخمة جدا، فالمبالغ كبيرة والأقساط إضافية والتكلفة عالية جدا”.
أول المتأثرين
وكانت “هيئة السلامة البحرية البريطانية” أطلقت تحذيرات للسفن بوجوب توخي الحذر الشديد وسط تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة وإيران. الدكتور عبد الزهراء عبدالله علي رئيس شركة “الوطنية للتأمينات” في الإمارات، اعتبر أنه “فيما يتعلق بالتجارة البحرية خلال الأزمات، يكون التأمين عادة أول المتأثرين بها، سواء عبر ارتفاع أسعار النقل البحري أو التأمين البحري أو تأمين السفن. والتصعيد الحاصل اليوم، شهدنا مثيلاً له في الثمانينيات خلال حرب الخليج الأولى وتكرر المشهد في حرب الخليج الثانية. ويبدو أن الحاصل اليوم هو تكرار للسيناريو نفسه. فشركة لويدز في لندن رفعت الأسعار بشكل كبير جداً بأكثر من الضعفين، وستواصل رفعها كلما تأزمت المواجهة الأميركية الإيرانية”.
وتوقع الدكتور علي ارتفاع أسعار “تأمين أخطار الحرب” بنحو ضعفين أو ثلاثة في حال استمر مسلسل الاعتداء على الناقلات والسفن التجارية التي تعبر مياه المنطقة”. ورأى “أنه من الصعب تحديد الأرقام لأن التأمين يعتمد على عوامل عدة ترتبط بحجم الشحنة ونوعها ووجهة الرحلة”. ويعطي مثلا: “إذا كان السعر 0.5% فإنه يرتفع إلى 2% أي 4 مرات. لكنه سيتوقف عند هدوء الأمور”. وأشار إلى “أن التأمين البحري للسفن والناقلات النفطية لا يكون متاحاً عند حصول حرب فعلية كما رأينا في حرب الخليج الأولى والثانية، لكن الحاصل اليوم هو تصعيد بين الولايات المتحدة وإيران، وبالتالي لا تزال التأمينات البحرية مستمرة”.
التجارة مستمرة
وعن تداعيات ارتفاع التأمينات البحرية على التجارة في ظل التأزم الحاصل اليوم، أوضح الدكتور علي “أنه قبل أعوام كان قراصنة صوماليون يعترضون السفن، لكن ذلك لم يوقف التجارة. نعم، سيكون هناك حذر وحيطة لتجنب المناطق الخطرة، لكن التجارة الإقليمية والعالمية لن تتوقف”. وأكد “أنه لن تكون هناك ارتفاعات عشوائية في الأسعار، فأسواق الشرق الأوسط تتبع لويدز، وهي مضطرة لزيادة الرسوم لكن الصندوق العربي لتأمين أخطار الحرب سيحرص على ضبطها”.
بسام جلميران، رئيس “اللجنة الفنية للاتحاد الخليجي لشركات التأمين” وعضو مجلس إدارة “الصندوق العربي لتأمين أخطار الحرب” والرئيس التنفيذي لشركة “الوثبة للتأمين”، استبعد من جهته “أن يكون هناك تأثير مباشر على التجارة وعبور السفن التجارية والناقلات في مياه المنطقة”. وتوقع “استمرار انسيابية حركة السفن والشحن”. ورأى أن “التجاذبات التي حصلت واجهتها عقلانية من جهة أخرى، وهي الجهة التي عالجت الأمر بحكمة كبيرة وهدّأت المخاوف. ولا أعتقد أن الأمور في طريقها إلى التصعيد. ومن متابعتنا للتقارير السياسية والاقتصادية لا أرى مؤشرات على تأزم قد يضر بالحركة التجارية البحرية”.
تحويل تأمينات
وأكد جلميران “أن أسعار تأمين الشحن البحري ارتفعت بعد مسلسل الاعتداءات على ناقلات النفط وأعمال التخريب التي طالت سفناً تجارية”. واعتبر “أن الارتفاع طبيعي ونمطي وهو مرتبط بالتصعيد الحاصل”. لكنه وصف الأسعار العالية لبعض الشركات المحلية والعالمية بأنها “غير مبررة”. وأشار إلى “أن هناك شركات في المقابل، منها الصندوق العربي لتأمين مخاطر الحرب، المتخصص بهذا النوع من التأمينات، ودوره يقوم على التعامل مع رفع الأسعار”. وتوقع تحويل تأمينات من الأسواق العالمية إلى الأسواق العربية واللجوء إلى الصندوق العربي لمخاطر الحرب.
اندبندت