إيران تستثمر الارتباك الدولي لفرض واقع جديد بشأن برنامجها النووي

إيران تستثمر الارتباك الدولي لفرض واقع جديد بشأن برنامجها النووي

طهران – تسعى إيران لاستثمار حالة من الارتباك الدولي وعدم الردّ السريع على استهداف ناقلات النفط لممارسة ضغوط جديدة قد تفضي لجعل شروطها كأمر واقع سواء ما تعلق باستمرار تهديد أمن الملاحة في مضيق هرمز، أو في البحر الأحمر مستفيدة من صمت دولي مريب تجاه أنشطة حلفائها الحوثيين هناك بالرغم من التحذيرات المستمرة للسعودية من خطر الجماعة المرتبطة بإيران.

وهدّد الجيش الإيراني، الاثنين، بإغلاق مضيق هرمز الحيوي بشكل علني، ودون الالتجاء إلى الأساليب الملتوية، في إشارة إلى أدوار الوكلاء المحليين، خاصة في اليمن.

ونقلت وكالة فارس للأنباء عن رئيس الأركان الإيراني الميجر جنرال محمد باقري قوله “إذا قررت جمهورية إيران الإسلامية تعطيل صادرات النفط عبر مضيق هرمز فجيشها قوي بما يكفي ليفعل ذلك بشكل كامل وعلى الملأ”.

وقال علي شمخاني أمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني إن طهران مسؤولة عن أمن الخليج ودعا القوات الأميركية إلى الرحيل عن المنطقة.

ونقلت هيئة الإذاعة والتلفزيون عنه قوله “قلنا دائما إننا نضمن أمن الخليج ومضيق هرمز″.

وجاء التصريحان المتّسمان بالغطرسة بالتوازي مع تصريحات حوثية تم التراجع عنها سريعا بعد أن أدت مفعولها التحذيري كورقة بديلة، وهو ما يكشف أن الصمت الدولي (أيا كانت أسبابه) لا يفعل سوى تشجيع السلطات المتشددة في إيران على الاستمرار في التحدي والهروب إلى الأمام.

واعتبر الحوثيون في اليمن، أن أي سفينة نفطية في البحر الأحمر أو بحر العرب ستكون هدفا مشروعا لهم، حال استمر التحالف بعملياته العسكرية.

جاء ذلك في تصريحات لمهدي المشاط، رئيس ما يسمى المجلس السياسي الأعلى التابع للحوثيين (أعلى هيئة تنفيذية تتبع الجماعة لإدارة المحافظات الخاضعة لها)، ونشرتها وكالة الأنباء الخاضعة لهم.

وقال المشاط “سيكون أي موقع نفطي أو سفينة تحمل النفط في البحر الأحمر وبحر العرب أهدافا مشروعة لنا حتى يتوقف العدوان”.

وأشار المشاط إلى أن صواريخ جماعته والطائرات المسيرة “أصبحت قادرة على الوصول إلى أي نقطة في دول الخليج”.

وهدد “كل دولة لا تنسحب من تحالف العدوان (التحالف العربي) ستطولها صواريخنا بما في ذلك السودان ومصر”.

ويقول متابعون للشأن الإيراني إن تزامن تهديدات باقري مع تصريحات مشاط كان مرتبا ويهدف إلى تحويل تهديد حركة شحنات النفط إلى أمر واقع سواء في مضيق هرمز وخليج عمان أو في البحر الأحمر، وأن الرسالة لا تقف عند السعودية بل تتعداها إلى دول إقليمية وأخرى دولية.

وإلى الآن تقف السعودية، وبشكل أكثر وضوحا، ضد التهديدات الإيرانية وتحث على تحرك دولي جماعي لحماية إمدادات النفط، وهو الدور الذي يزعج طهران لكونه يسلط الأضواء على دورها في استهداف السفن.

وذكر التلفزيون الإيراني، الاثنين، أن طهران اتهمت السعودية باتّباع “نهج عسكري يقوم على الأزمات” في الشرق الأوسط.

وتستفيد إيران بشكل واضح من تأخر الردّ الأميركي على استهداف السفن ومن صدى الخلافات داخل المؤسسات الأميركية بشأن نوعية الردّ وسرعته، ما يعطي طهران، والقيادات المتشددة فيها، الوقت لاستثمار ما تقوم به سياسيا ودبلوماسيا وإظهار نفسها فوق القانون الدولي.

ودعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الاثنين، إيران إلى التحلي بـ”الصبر والمسؤولية” ردا على إعلان طهران أن احتياطها من اليورانيوم المخصب سيزيد عن المستوى المحدد في الاتفاق الدولي المبرم في 2015 في أجواء من التوتر المتنامي مع واشنطن.

وقال ماكرون خلال مؤتمر صحافي مع الرئيس الأوكراني “أعرب عن الأسف للتصريحات الإيرانية”، مضيفا أن طهران لا تزال حاليا “تحترم واجباتها ونشجعها بقوة على التحلي بالصبر والمسؤولية”.

وحمّل وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، الأحد، إيران مسؤولية الهجومين على ناقلتي نفط في خليج عمان، متعهدا بأن تضمن الولايات المتحدة حرية الملاحة عبر مضيق هرمز الحيوي.

ولم يوضح بومبيو الخيارات التي تدرسها واشنطن لحماية الملاحة، أو لمعاقبة طهران، بعد الهجوم. لكنّه شدد على أن ترامب لا يسعى إلى خوض حرب مع إيران، وهو ما يشجع الإيرانيين على المزيد من التحدي.

كما تستفيد طهران، أيضا، من رخاوة الموقف الأوروبي، وهو موقف ليس مع واشنطن ولا ضد طهران، بل إليها أقرب، وهو ما قادها إلى ممارسة ضغوط جديدة بشأن برنامجها النووي بالتلويح بالتخصيب وكسر التزامها بالاتفاق الذي تم التوصل إليه في 2015.

وأعلنت إيران، الاثنين، أن احتياطاتها من اليورانيوم المخصب ستتجاوز اعتبارا من 27 يونيو الحدود التي ينصّ عليها الاتفاق، وذلك في إطار زيادة الضغط.

وقال الناطق باسم المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية بهروز كمالوندي في مؤتمر صحافي بثه التلفزيون الإيراني مباشرة “اليوم بدأ العدّ العكسي لتجاوز الـ300 كلغ لمخزونات اليورانيوم المخصب، وخلال عشرة أيام أي سنتجاوز هذه الحدود”.

وأتاح الاتفاق لإيران إنهاء سنوات من العزلة. كما رفع قسما من العقوبات الاقتصادية الدولية التي كانت مفروضة عليها، مقابل التزامها بالحدّ من أنشطتها النووية لضمان عدم سعيها لامتلاك سلاح ذري.

إلا أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب سحب بلاده من الاتفاق في مايو 2018 وأعادت واشنطن فرض عقوبات قاسية على طهران التي تمارس ضغوطا على شركائها الذين لا يزالون في الاتفاق لمساعدتها على تخفيف العواقب على اقتصادها.

ويأتي هذا الإعلان على خلفية توتر شديد بين إيران والولايات المتحدة التي عزّزت وجودها العسكري في الشرق الأوسط للتصدي لـ”التهديد الإيراني”، وتحمّل طهران مسؤولية الهجمات التي استهدفت، الخميس، ناقلتي نفط في بحر عُمان، الأمر الذي تنفيه طهران.

وتدهورت العلاقات بشكل واضح بين إيران والولايات المتحدة منذ وصول ترامب إلى الحكم، إذ تعتزم إدارته شن حملة “أقصى قدر من الضغط” على طهران.

وبعد عام على انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق فيينا، أعلنت إيران في الثامن من مايو أنها قررت وقف الالتزام باثنين من التعهدات التي قطعتها بموجب الاتفاق النووي. وكان البندان يحددان احتياطي اليورانيوم المخصب بـ300 كلغ واحتياطي المياه الثقيلة بـ130 طنا.

وأعطت إيران الدول التي لا تزال موقعة على الاتفاق مهلة 60 يوما لمساعدتها على الالتفاف على العقوبات الأميركية. وهددت إيران في حال عدم تلبية مطالبها خلال مهلة الستين يوما، بتجاوز بندين آخرين من تعهداتها بشأن برنامجها النووي.

العرب