في 20 أبريل/نيسان 2016 أعلن المغرب على لسان الملك محمد السادس، في القمة الخليجية المغربية بالعاصمة الرياض، أنه توجه في الأشهر الأخيرة نحو تنويع شراكاته سواء على المستوى السياسي أو الإستراتيجي أو الاقتصادي.
كان ذلك إعلانا صريحا بأنه -وإن كان ملتزما مع شركائه التقليديين، وبالخصوص الاتحاد الأوروبي- فإن ذلك لن يمنعه من التطلع لخلق فرص استثمارية تنعش الاقتصاد الوطني، في ظل تبعات الأزمة الاقتصادية.
شهر واحد بعد هذا القرار قاد الملك لزيارة الصين، التقى خلالها الرئيس شي جين بينغ، ووقعا على إعلان مشترك لإرساء شراكة إستراتيجية.
أرقام
يكشف التقرير الاقتصادي والمالي -المقدم ضمن وثائق قانون المالية للسنة الماضية بالمغرب- أن النشاط الاقتصادي مع الصين لم يكن وليد السنوات الماضية، لكن عرف منعطفا جديدا بعد زيارة الملك.
وتشير الأرقام إلى أنه منذ بداية سنة 2000 واصل حجم المبادلات التجارية بين البلدين ارتفاعه نتيجة تزايد الواردات المغربية من بكين.
فخلال سنة 2016 بلغ حجم المبادلات التجارية بينهما 39.5 مليار درهم (نحو أربعة مليارات دولار) منها نحو 3.5 مليارات دولار واردات. وبلغت حصة الصين من إجمالي المبادلات التجارية المغربية 6.2%.
وفي المقابل سُجلت طفرة نوعية في الاستثمارات الصينية المباشرة منذ سنة 2014، وبلغ المتوسط السنوي للاستثمارات الصينية 316 مليون درهم (حوالي 37 مليون دولار) ما بين 2014 و2016، مقابل أقل من ثلاثة ملايين درهم (310 آلاف دولار) قبل سنة 2013.
رغم ذلك، لازال الاتحاد الأوروبي أول شريك اقتصادي للمغرب، وحسب معطيات وزارة المالية التي قدمتها هذه السنة أمام البرلمان يبلغ حجم التجارة بينهما 414 مليار درهم (42.8 مليار دولار) سنة 2017 مقابل 375.7 مليار درهم سنة 2016 أي بزيادة قدرها حوالي 10.2%.
لكن اللافت أن تدفقات الاستثمارات القادمة من الاتحاد الأوروبي تسجل تراجعا، على عكس التدفقات من الصين، حيث بلغت نحو 17.9 مليار درهم (حوالي 1.86 مليار دولار) سنة 2017 مقابل 20.7 مليار درهم (أكثر من ملياري دولار) سنة 2016 أي بانخفاض 14%.
لماذا الصين؟
يرى العديد من المراقبين أن إطلاق الرئيس الصيني سنة 2013 مبادرة “الحزام والطريق” -التي تتوخى إحياء طرق تجارية قديمة- أعطت دفعة قوية للحلم الصيني.
ويقول للجزيرة نت محمد ابن شقرون، الأستاذ بجامعة نينغبو التكنولوجية بالصين وعضو جمعية منتدى الشراكة الصينية المغربية، إن النموذج الجديد الذي رسمته الحكومة الصينية أدى إلى زيادة في الدخل، وارتفاع في قيمة العمل.
وللحفاظ على قدرتها التنافسية، كان لابد للصين أن تنقل جزءا من صناعتها إلى دول أجنبية أخرى ذات مزايا تنافسية، كالتسهيلات الضريبية. ومن المتوقع أن يحدِث هذا الترحيل حوالي ثمانين مليون وظيفة.
هذا العدد من الوظائف حافز كاف لدفع الفاعلين الاقتصاديين المغاربة إلى تهيئة المناخ المناسب لاستقطاب الرأسمال الصيني الكفيل بتخفيض نسبة البطالة في المملكة والبالغة -وفق المندوبية السامية للتخطيط (جهة حكومية)- 9.8% خاصة في ظل تراجع الاستثمار المباشر للشركاء التقليديين بفعل تبعات الأزمة الاقتصادية.
بل إن حفاظ الصين على نسبة نمو جيدة وعدم تأثرها بالأزمة العالمية وقدرتها الكبيرة على الاكتساح الاقتصادي تجعل منها -وفق ما قال محمدي البكاي الباحث الاقتصادي للجزيرة نت- القوة الوحيدة التي يمكن لها تمويل مشاريع كبيرة، في ظل تراجع الاستثمار المباشر لشركاء المغرب التقليديين.
كما أنه في ظل الأزمة المالية التي تتخبط فيها العديد من الاقتصادات الشريكة للمغرب، تصبح الصين -وفق محمدي- الدولة التي يمكن أن تقدم مساعدات وقروضا لإنجاز العديد من المشاريع المهيكلة وبالخصوص المتعلقة بالبنية التحتية المرتبطة بالطاقة مثلا.
مشاريع صينية
قبل أيام كشف مجلس جهة درعة تافيلالت (هيئة منتخبة) عن صفقة لإنتاج منصة دولية للترويج الثقافي والسياحي والتسويق التجاري للمنتوجات الجهوية التي تتميز بها الجهة، لدى “نينغشيا” الصينية.
وتسعى جهة درعة تافيلالت إلى استقطاب حصة من السياح الصينيين الذين تضاعف عددهم ثلاث مرات مباشرة بعد إلغاء المغرب للتأشيرة سنة 2016 ليصل العدد 42844 سائحا.
لكن تظل مدينة محمد السادس الذكية بمدينة طنجة -حسب الباحث ابن شقرون- أهم تجسيد للشراكة الوطيدة بين البلدين.
ومشروع مدينة محمد السادس العملاق هو الأول من نوعه الذي سيكون حاضنة لعدد كبيرة من الشركات الصينية أيضا، وقد خصصت له مساحة تتجاوز ألفي هكتار، ويتكون من قطب اقتصادي قادر على توفير مئة ألف وظيفة باستثمار إجمالي على مدى عشر سنوات قدره عشرة مليارات درهم (أكثر من مليار دولار).
ومن تجليات قدرة المشروع على توفير فرص الشغل ونوعية الشركات التي يتوخى استقطابها مشروع مصنع بي واي دي (BYD) الذي سيشغل مساحة خمسين هكتارا ومن المتوقع أن يوفر 2500 وظيفة.
أفريقيا ملاذ خصب
سجل حجم التبادل التجاري بين المغرب والدول الأفريقية -حسب القانون المالي لسنة 2019 بالمغرب- تزايدا ملحوظا ليبلغ 37.2 مليار درهم (3.86 مليارات دولار) سنة 2017.
وتعد أفريقيا وجهة مهمة للاستثمارات المغربية المباشرة، حيث بلغت حصتها في المتوسط 60% من إجمالي استثمارات المملكة المباشرة بالخارج خلال الفترة بين 2003 و2017، وبلغ مجموعها ما يناهز 37 مليار درهم خلال نفس الفترة، وقد وجهت بالأساس نحو غرب أفريقيا.
وفي تصريح للجزيرة نت، يرى عبد القادر عذري أستاذ الاقتصاد بجامعة محمد الأول بوجدة (شرقي المغرب) أن أفريقيا -التي شكلت في نظر المحللين على الدوام القارة التي تحتوي على إمكانيات متعددة- يمكن أن تكون ملاذا جيدا بالنظر للإمكانيات والفرص الاستثمارية التي تتيحها.
وأضاف أن من بين الإشكالات التي تعيق الاقتصاد المغربي ضعف السوق الداخلية، وبالتالي فإن التوجه الجديد نحو تعزيز الشراكة مع الدول الأفريقية سيكسب المملكة فوائد الإمكانات الاقتصادية الأفريقية، ومن ذلك دخول المنتجات المغربية لأسواق جديدة.
وانخرطت الرباط في مشاريع كبرى تتوخى الاندماج، كما هو الشأن لأنبوب الغاز المغربي النيجيري الذي سيمر خلال 15 دولة أفريقية ويربط شبكتها الطاقية فيما بينها، وهو مشروع تعول عليه الحكومة المغربية لإحداث التغيير في المشهد الطاقي غرب أفريقيا.
المصدر : الجزيرة