قد يعتقد المتفائلون أنه في غضون بضعة أعوام، ستستمر بتكوين -العملة المشفرة الأشهر- في النمو دون انقطاع ليستخدمها الأفراد في قضاء جميع شؤون حياتهم، انطلاقا من دفع الفواتير ووصولا إلى شراء البقالة؛ فما العوامل التي يمكن أن تسهم في دعم شعبية العملات المشفرة بعيدا عن كونها مشروعا استثماريا يحقق الثراء؟
يقول الكاتب جيسي ألميدا في تقرير نشره موقع “هاكرنون” الأميركي إن قصصا إخبارية مثيرة للجدل في جميع أنحاء العالم ساهمت في تقديم بتكوين -عن غير قصد- على أنها ليست شكلا من أشكال العملة، بل مشروعا لتحقيق الثراء بسرعة فائقة.
وأضاف أن التأثيرات القوية الناتجة عن هذه الصورة المُقدَّمة لا تزال تلحق الضرر بنمو بتكوين وغيرها من العملات المشفرة.
وأشار الكاتب إلى أن سعر عملة بتكوين ارتفع من 900 دولار إلى 20 ألف دولار، قبل أن تنزل في الوقت الحالي إلى مستوى أقل من عشرة آلاف.
المشكلة في الاستثمار
ويكمن الغرض الحقيقي من العملات المشفرة في توظيفها في عمليات بيع وشراء السلع والخدمات، إذ لا تكتسي هذه العملة الأهمية المطلوبة إلا في حال اعتبرها الأفراد ذات قيمة فعلية، ودأبوا على استخدامها بشكل منتظم، وفق اعتقاد الكاتب.
ويقول في هذا الصدد “حين يتعامل الناس مع البتكوين والعملات المشفرة الأخرى على أنها فرصة استثمارية سانحة عوضا عن عملة، فإنهم يميلون إما إلى تبني إستراتيجية الاستثمار الطويل الأجل القائم على شراء كمية محدودة من البتكوين وانتظار ارتفاع قيمتها، أو اعتماد إستراتيجية توقيت السوق المتمثلة في بيع وشراء البتكوين بالتعامل مع مستثمرين آخرين، مع الحفاظ على التدفق المحدود نسبيا للعرض”.
ونبّه الكاتب إلى أن استخدام البتكوين بهذه الطريقة من شأنه أن يقلل من فرص تداول هذا النوع من العملات في السوق المفتوح.
ويشير الكاتب إلى أن هناك أيضا تأثيرات ثانوية يجب مراعاتها، فنظرا لكثرة المستثمرين المتحمسين لشراء الأصول، فإن ذلك من شأنه أن يؤدي إلى ارتفاع الأسعار أكثر من معدّلها الطبيعي.
ويقول “في بعض الحالات، يخلق هذا الوضع تأثير كرة الثلج، إذ إن الأسعار المرتفعة تحفّز المزيد من المستثمرين على الدخول لأنهم يعتقدون أنها فرصة هائلة للربح، مما يؤدي إلى ارتفاع أسعار العملة المشفرة”.
فقاعة
ويضيف الكاتب “في الواقع، هذا ما حدث لبتكوين في نهاية عام 2017، وهو نفس النشاط المسؤول عن خلق الفقاعات الاقتصادية. وعاجلا أم آجلا، ستنفجر هذه الفقاعة، وتضيع كل القيمة المتضخمة المصطنعة الخاصة بالأصول خلال فترة زمنية قصيرة نسبيا”.
ويمثّل هذا الوضع -بحسب الكاتب- مشكلة لعدة أسباب، بما في ذلك حقيقة أنه يمنع العملة المشفرة من أن تحظى بسعر ثابت وموثوق، بالإضافة إلى أن هذا الوضع يقدم صورة من التقلب وعدم الموثوقية عند عامة الناس بشأن العملة.
وأورد الكاتب أن وسائل الإعلام زادت الأمور تعقيدا، من خلال تركيزها على البتكوين وإبرازها على أنها تقنية مثيرة وحديثة.
وفي حين أن بعض الأطراف تعمقت في تفسير جذور “البلوكشين” للعملات المشفرة من منظور واقعي حول كيفية استخدامها في المستقبل، يعتقد معظمهم أنها فرصة استثمارية.
وقد خلق هذا الاعتقاد -وفق الكاتب- ردود أفعال متواصلة، من خلال دخول المزيد من المستثمرين على الخط، مما دفع السعر إلى الارتفاع بشكل مصطنع. ونتيجة لذلك، برز المزيد من “أصحاب الملايين بين عشية وضحاها”.
إستراتيجيات للتأثير
يملك المستثمرون تأثيرا هامشيا إيجابيا على نمو العملة الرقمية المشفرة، بما أنهم يلفتون الانتباه إلى أهمية تقنية البلوكشين، لكن هناك المزيد من الإستراتيجيات الأخرى التي قد يكون لها تأثير إيجابي أكبر على العملة المشفرة.
أولا: الإنفاق والتغطية الإعلامية المناسبة، فعوضا عن شراء العملات المشفرة والاحتفاظ بها، يحتاج المزيد من الأشخاص إلى إنفاقها. إنهم يحتاجون إلى التوقف عن الإيمان بأن العملة المشفرة ستصبح ثمينة في يوم من الأيام، وإثبات ذلك من خلال استعمالها في حياتهم اليومية، بحسب الكاتب.
وعلى نحو مماثل، يجب أن تتوقف وسائل الإعلام عن التعاطي مع العملة المشفرة على أنها استثمار، وتبدأ في التعامل معها للغرض الذي صممت من أجله: أي عملة ذات توجه تقني مفيدة شأنها شأن النقد الإلزامي.
ثانيا: اعتمادها في الأعمال، ففي الوقت الحالي لا يمكنك استعمال العملة المشفرة إلا في الأماكن التي تقبل التعامل بها.
لذلك فإن الشركات والمنظمات التي تقبل التعامل بالعملة المشفرة باعتبارها شكلا من أشكال الدفع، من شأنها أن تقطع شوطا كبيرا في دعم عملية تبني هذه العملة.
ولن تمنح “المستثمرين” مكانا ينفقون فيه رصيدهم من هذه العملة فحسب، وإنما ستساهم أيضا في إكساب فكرة استخدامها شعبية أكبر، كما يقول التقرير.
ثالثا: قبولها على المستوى التنظيمي، فكلما زاد عدد الدول التي تعترف رسميا بالعملة المشفرة أو تقبل تداولها، زادت شرعية العملة، لكن لسوء الحظ، لا يمكن التحكم في هذا العامل، وربما تكون مسألة وقت لا غير.
وقد أصدرت 130 دولة حتى الآن بعض اللوائح التنظيمية أو اعترفت رسميا بالعملة المشفرة.
رابعا: الإدماج، يتم حاليا تداول نحو 1600 عملة مشفرة، لذلك حتى عشاق البلوكشين المتحمسين لا يمكنهم المتابعة، وفقا للكاتب.
ويبلغ إجمالي رأس مال هذه العملات مجتمعة مئة مليار دولار، وهو رقم يتجاوز قيمة اقتصادات 127 دولة.
ويضيف الكاتب أن من الواضح أن سوق العملات المشفرة يمثل قوة لا يستهان بها، لكن قلة من العملات المشفرة يمكنها البروز بشكل فردي، لذلك فإن توفر خيار أو اثنين مهيمنين من شأنه أن يعزز ثقة المستهلكين في العملة المشفرة ويزيد بالتالي من تبنيها.
وخلص الكاتب إلى أن العملة المشفرة إذا استعملت للغرض الذي صُممت من أجله، فإننا سنكون إزاء التوقف عن اعتبارها استثمارا ذكيا (أو غبيا).
ويقول “نحن نحتاج لعدد أقل من الأشخاص الذين يراقبون أسعار البتكوين بشكل يومي، (مقابل) عدد أكبر من الأشخاص الذي ينفقونها يوميا”.
ويضيف “نحتاج إلى قبول الشركات التعامل بالعملة المشفرة، عوضا عن شرائها والاحتفاظ بها كخطة تقاعد طويلة الأجل. إننا بحاجة إلى نشاط أكثر وركود أقل”.
المصدر : مواقع إلكترونية,الصحافة الأميركية