توقعات بتصعيد غير مسبوق: عمليات الإرهاب بذكرى 30 يونيو.. خريطة الانتشار والسلاح والفاعلين

توقعات بتصعيد غير مسبوق: عمليات الإرهاب بذكرى 30 يونيو.. خريطة الانتشار والسلاح والفاعلين

3589

لمواجهتها تكن العملية الإرهابية التي شهدتها مدينة الشيخ زويد في شمال سيناء في مطلع يوليو الجاري سوي امتداد لموجة تصعيد العمليات الإرهابية في كافة المحافظات المصرية في ذكري ثورة 30 يونيو، حيث شهدت أنشطة التنظيمات الإرهابية في مصر تحولات نوعية في أنماط العمليات الإرهابية والأسلحة المستخدمة في تنفيذها، فخلال الفترة بين 28 يونيو و2 يوليو 2015 نفذت هذه التنظيمات عمليات إرهابية متعددة شملت اغتيالات لشخصيات عامة واستهداف أقسام الشرطة ومناطق تمركز القوات المسلحة وأبراج الكهرباء، وهو ما يرتبط بالانتشار الجغرافي لهذه العمليات وتعدد نقاط الاشتعال على مستوي الجمهورية، وتحولات خريطة الفاعلين المشاركين في تنفيذها وتعدد الأهداف من ورائها.

جغرافيا الإرهاب:

يكشف تتبع نشاط التنظيمات الإرهابية في مصر في ذكري أحداث 30 يونيو عن تصاعد حدة زخم وكثافة العمليات الإرهابية كماً ونوعاً في ظل الانتشار الجغرافي للعمليات الإرهابية التي تجاوزت النطاقات التقليدية المفترضة لنشاط التنظيمات الإرهابية، حيث اكتسب نشاط التنظيمات الإرهابية زخماً متصاعداً عقب إصدار “نداء الكنانة” في مايو 2015 من جانب 150 من القيادات الدينية الداعمة للإخوان المسلمين 2015 الذي دعي لتنفيذ عمليات إرهابية ضد رموز السلطة في مصر، مما يؤكد انتهاج روافد متعددة بجماعة الإخوان المسلمين للعنف وتكوينهم لخلايا إرهابية.

1- الانتشار الجغرافي: نفذت التنظيمات الإرهابية خلال الفترة من 28 يونيو حتى 2 يوليو ما لا يقل عن 32 عملية إرهابية وفق البيانات المعلنة صحفياً تراوحت بين الاغتيال والتفجيرات الانتحارية وزرع العبوات الناسفة في محيط أقسام الشرطة والطرق الرئيسية والسكك الحديدية وبجوار أبراج الكهرباء والبنوك.


وقد شملت العمليات الإرهابية مناطق متعددة على امتداد المحافظات المصرية وتنوعت بين نطاقات المركز والأطراف، في ظل تنفيذ عمليات إرهابية متفاوتة في تأثيرها في كل من مصر الجديدة وجاردن سيتي و6 أكتوبر والمطرية والإسكندرية وحلوان، بالتوازي مع عمليات مماثلة في محافظات الوجه البحري في بنها وكفر شكر وقليوب وشبين القناطر والشرقية، بينما شهدت محافظتي الفيوم وبني سويف في الوجه القبلي الجانب الأكبر من العمليات الإرهابية.

وفي ذات السياق، ظلت محافظة شمال سيناء البؤرة الأكثر اشتعالاً من حيث كثافة العمليات الإرهابية، كما تصدرت محافظات القاهرة والقليوبية والفيوم وبني سويف خريطة انتشار العمليات الإرهابية في ذكري 30 يونيو مما يعكس انتشار بؤر الاشتعال على امتداد الإقليم المصري في المركز والأطراف، وإن كان بدرجات متفاوتة.

2- تنوع الأنماط: نفذت التنظيمات الإرهابية أنماطاً متعددة من العمليات الإرهابية خلال الفترة سالفة الذكر بحيث تنوعت هذه العمليات بين استخدام العبوات الناسفة والسيارات المفخخة وإطلاق النار والاستهداف بالأسلحة الثقيلة وتفجير المرافق، وشهدت بعض العمليات الإرهابية الدمج بين تكتيكات متعددة بهدف زيادة الخسائر في القوات المسلحة والشرطة والمدنيين على غرار عملية الشيخ زويد الإرهابية في 1 يوليو التي شهدت توظيفاً للاستهداف بالسيارات المفخخة لكميني أبو الرفاعي والسدرة والاستهداف بإطلاق النار الكثيف والأسلحة الثقيلة لعدة مواقع عسكرية ولقسم الشيخ زويد وتلغيم الطرق بالعبوات الناسفة لإعاقة وصول الإمدادات وسيارات الإسعاف لمواقع الهجمات.


بينما شهدت عملية اغتيال النائب العام المستشار هشام بركات في 29 يونيو قيام العناصر الإرهابية بتفجير عن بعد لسيارة مفخخة بمتفجرات يصل وزنها إلى حوالي 300 كجم، وهو ذات الأسلوب الذي كانت تخطط العناصر الإرهابية للقيام به في محيط قسم ثاني 6 أكتوبر إلا أن السيارة المفخخة قد انفجرت قبل وصولها لهدفها.

في المقابل تعد العبوات الناسفة النمط الأكثر شيوعاً لهجمات العناصر الإرهابية خلال الفترة الماضية وهو ما تجلي في تفجير عبوة ناسفة في جاردن سيتي دون خسائر في 28 يونيو وتفجير عبوة ناسفة في العريش استهدفت مدير عام مديرية الطرق في شمال سيناء في 29 يونيو والهجمات التي تمت في محيط قسم سمسطا في بني سويف في 30 يونيو وبالقرب من مبني شرطة المرافق والأحوال المدنية في الفيوم والتفجير بجوار قسم دراو بأسوان في 2 يوليو الجاري.

كما تصاعدت عمليات تفجير المرافق العامة مثل تفجير أبراج الضغط العالي ومحولات الكهرباء في أسوان وبنها والفيوم وبني سويف ومحاولة تفجير كبري المشاة في محطة شرق للقطارات في شبين القناطر بالقليوبية في 1 يوليو الجاري، وتفجير خط السكك الحديدية في الشرقية في 2 يوليو.

أما عمليات إطلاق النار فشهدت تصاعداً في كثافتها وشملت إطلاق نار على قسم شرطة الفشن في بني سويف وقسم العصافرة في الاسكندرية ومتحف الشمع بحلوان وعلى قوات الشرطة في المطرية واستهداف أحد البنوك في قليوب وتبادل قوات الشرطة لإطلاق النار مع خلية إرهابية في 6 أكتوبر بالإضافة لاستهداف مدرعة في الفيوم واستهداف بعض الخفراء وأمناء الشرطة في الفيوم وبني سويف.

3- الأسلحة النوعية: شهدت بعض الهجمات في سيناء توظيف تنظيم “ولاية سيناء” لأسلحة غير تقليدية شملت صواريخ كورنيت المضادة للدبابات الموجهة بالليزر والصواريخ المضادة للطائرات المحمولة على الكتف ومدافع 14.5 ملي المضادة للطائرات وقذائف الهاون والأربي جي، وهو ما يكشف مدي تصاعد نوعية الأسلحة الثقيلة لدي التنظيم وتصاعد عمليات تهريب الأسلحة عبر الحدود على الرغم من إجراءات تدمير الأنفاق الواصلة بين قطاع غزة وشبه جزيرة سيناء.

4- معدل إحباط العمليات: لم تتمكن بعض العمليات التي خططت لها التنظيمات الإرهابية من تحقيق أهدافها سواء بسبب تدخل قوات الأمن وإحباطها أو بسبب إخفاق منفذيها في القيام بها، مثل قيام السلطات الأمنية في المنيا بضبط خلية إرهابية في 28 يونيو قبيل القيام بعملية إرهابية وانفجار سيارة مفخخة قبل وصولها لقسم ثاني 6 أكتوبر وانفجار عبوة ناسفة في أحد الإرهابيين في المعصرة في 30 يونيو وتفكيك العبوة الناسفة في محطة قطارات شبين القناطر وضبط 600 كجم من الكبريت والمواد المتفجرة لدي بعض الأفراد في أسيوط.

تعدد الفاعلين:

تتسم العمليات الإرهابية التي شهدتها المحافظات المصرية في الآونة الأخيرة بتعدد الفاعلين المسئولين عن تنفيذها في ظل انتشار الخلايا الإرهابية على امتداد محافظات الجمهورية، وفي هذا الإطار يمكن تصنيف الفاعلين المتورطين في العمليات الإرهابية في الآونة الأخيرة في عدة جماعات رئيسية:

ولاية سيناء: حيث يعد تنظيم أنصار بيت المقدس أخطر التنظيمات الإرهابية الموجودة على الساحة المصرية خاصةً عقب إعلام مبايعته لتنظيم داعش وتغيير مسماه إلى ولاية سيناء، وتأتي العملية الإرهابية الأخيرة في الشيخ زويد والتي قام بتنفيذها حوالي 300 من عناصر التنظيم استجابة لنداء قيادات تنظيم داعش بتنفيذ عمليات إرهابية كبري في شهر رمضان وبالتوازي مع ذكرى ثورة 30 يونيو، إلا أن القوات المسلحة تمكنت من إيقاع خسائر تقدر بحوالي 100 من عناصر التنظيم وتدمير عدد كبير من السيارات والمدرعات التي يستخدمها في الهجمات الإرهابية. ولم تكن هذه العملية سوي امتداد لتطور عمليات التنظيم والتي شهدت طفرة نوعية في الآونة الأخيرة والتي كان آخرها تفجير قسم ثالث العريش في 14 أبريل 2015 الذي أسفر عن مقتل 25 من المدنيين والعسكريين وإصابة 44، واستهداف عدة كمائن عسكرية في العريش والشيخ زويد في 3 ابريل 2015، أما العملية الأبرز للتنظيم فكانت عملية كرم القواديس التي تمت في 24 أكتوبر 2014 وأسفرت عن استشهاد 31 من العسكريين المصريين.

كتيبة هشام عشماوي: إذ يُعد هشام عشماوى أحد المستبعدين من قوات الصاعقة بالجيش المصري نتيجة تبنيه لأفكار جهادية متطرفة، والتحق على أثرها بتنظيم داعش خاصة بعد سفره لسوريا عبر تركيا، وينسب إليه المشاركة في عدة عمليات إرهابية مثل عملية كمين الفرافرة في 19 يوليو 2014 التي أسفرت عن استشهاد 22 مجند والهجوم علي الكتيبة 101 في العريش في فبراير 2015 مما أسفر عن مقتل 29 من عناصر القوات المسلحة. وقد كشفت مصادر أمنية عن تورط هشام عشماوي وبعض العناصر الإرهابية التي يقودها في تنفيذ عملية اغتيال النائب المستشار هشام بركات خاصةً وأن تنفيذها يتشابه مع تنفيذ محاولة الاغتيال الفاشلة لوزير الداخلية السابق محمد إبراهيم في مطلع سبتمبر 2013، والتي قام بتنفيذها مع المتهمين عماد الدين أحمد ووليد بدر.

الخلايا الإخوانية: أدي تفكك البنية التنظيمية لجماعة الإخوان المسلمين، إلى تكوين بعض أعضاء الجماعة من الشباب لخلايا إرهابية تقوم بتنفيذ عمليات إرهابية في المحافظات المصرية تستهدف أقسام الشرطة وأبراج الكهرباء والمرافق العامة من خلال قنابل بدائية الصنع أو عمليات إطلاق النار الخاطفة، وفي هذا الإطار، أشار يوريا شافيت الأستاذ بجامعة فرانكفورت في درسته المعنونة “مفهوم الإخوان المسلمين للتمرد المسلح” المنشورة في دورية دراسات الشرق الأوسط Middle East Studies في صيف عام 2015 إلي أن معدل التفجيرات في مصر منذ عزل مرسي قد زاد بنسبة كبيرة، وقد استهدفت 64% من هذه التفجيرات كمائن للشرطة ومدرعات للجيش، فيما استهدف 15% منها الجامعات، ووصلت عدد التفجيرات التي استهدفت المصالح الحكومية إلى 11% من إجمالي هذه التفجيرات، يضاف إلى ذلك ظهور عدد من الجماعات المسلحة والتي يشتبه في انشقاقها من جماعة الأخوان المسلمين.

الذئاب المنفردة: يرتبط تصاعد كثافة العمليات الإرهابية في مصر بانتشار نمط الذئاب المنفردة Lonely Wolves بين المنتمين للتنظيمات الإرهابية وقيامهم بتكوين خلايا محدودة العدد لتنفيذ عمليات إرهابية في مختلف محافظات مصر، وهو ما أدي للانتشار الجغرافي للعمليات الإرهابية على نطاق واسع وتصاعد قدرة التنظيمات الإرهابية على التخفي والإفلات من العمليات الأمنية الكثيفة للقبض على العناصر الإرهابية، خاصةً في ظل انقطاع شبكات التواصل بين التنظيمات الإرهابية الكبرى والخلايا الإرهابية المحدودة التي لا تنتمي تنظيمياً لأي جماعة إرهابية معروفة وتقوم بتنفيذ العمليات الإرهابية بصورة مستقلة دون تنسيق مع أيٍ من المرجعيات التنظيمية.

غايات التصعيد:

ترتبط كثافة العمليات الإرهابية التي شهدتها مصر في الآونة الأخيرة بالتحولات في أهداف التنظيمات الإرهابية الرئيسية في مصر من تكثيف نشاطها في هذه الفترة على الرغم من هدوء وتيرة العمليات الإرهابية في سيناء والمحافظات المصرية خلال الفترة الممتدة من أبريل الماضي حتى نهاية يونيو.

وفي هذا الإطار استهدف تنظيم “ولاية سيناء”، محاولة الاستيلاء على مدينة الشيخ زويد والانتقال من حروب العصابات القائمة على الهجمات الخاطفة إلى الاستيلاء على مناطق جغرافية محددة والدفاع عنها إتباعاً لنهج تنظيم داعش في سوريا والعراق، وهو الهدف الذي أخفق في تحقيقه عقب تدخل القوات الجوية المصرية وقصف طائرات F-16 والأباتشي والمدفعية الثقيلة للتنظيم وتدمير سياراته ومدرعاته مما دفع عناصره للانسحاب منها عقب 12 ساعة من الاشتباكات المتواصلة.

بينما ركزت الخلايا الإرهابية في القاهرة للرد على أحكام الإعدام بحق قيادات جماعة الإخوان المسلمين عبر ترهيب وإفزاع القضاة وقوات الشرطة لمنع تنفيذ الأحكام، وهو ما اتضح في عملية اغتيال النائب العام المستشار هشام بركات، واستهداف أقسام الشرطة والكوادر الأمنية في المحافظات المصرية.

وفي ذات السياق، لا يزال استنزاف القدرات الاقتصادية للدولة يتصدر قائمة أهداف الخلايا الإرهابية في المحافظات وهو ما يتضح في عمليات تدمير المرافق العامة وأبراج الكهرباء ومحطات الطاقة وخطوط السكك الحديدية فضلاً عن محاولات استهداف السياحة، وهو ما كشفت عنه محاولة اقتحام معبد الكرنك في الأقصر بسيارة مفخخة في 10 يونيو الماضي.

ولا ينفصل ذلك عن سعي التنظيمات الإرهابية لإفساد الذكرى الرمزية لأحداث 30 يونيو التي تسببت في استبعاد التيارات الدينية من سدة الحكم وأعادت كافة قياداتهم وكوادرهم لقوائم المطاردين أمنياً بتهم الانتماء لتنظيمات غير مشروعة والتورط في أعمال العنف واستهداف قوات الجيش والشرطة عقب الإطاحة بمرسي من الرئاسة.

ومن المرجح أن تتصاعد كثافة العمليات الإرهابية خاصة عقب البيان الذي أصدرته جماعة الإخوان المسلمين في 1 يوليو الجاري الذي يندد بتصفية 9 من قيادات الجماعة في 6 أكتوبر، ومن المرجح أيضاً أن تقوم الجماعات الإرهابية بتفجير الأوضاع الأمنية في مصر عبر تصعيد غير مسبوق في المرحلة المقبلة رداً على الإجراءات المشددة لمواجهة الإرهاب والتي تضمنت إصدار قانون لمكافحة الإرهاب وتعديلات محتملة لقانون الإجراءات الجنائية بالإضافة إلى محاولة إفشال الاحتفالية بافتتاح قناة السويس الجديدة في أغسطس القادم ودفع الشخصيات العالمية المدعوة للمشاركة في الاحتفال لتجنب زيارة مصر خلال هذه الفترة. فالإرهاب في مصر يبدو أنه دخل مرحلة مختلفة تقتضي من أجهزة الدولة الاستعداد لمواجهتها بأساليب مختلفة، أمنيا وقانونيا وفكريا.

مجموعة تحليل الأزمات

المركز الإقليمي للدراسات الإستراتيجية