أصبح الإرهاب في وقتنا الحاضر من المواضيع التي تقلق المجتمع الدولي ، وتحظى باهتمام واسع من لدن الخبراء والمحللين، فالآثار الناجمة عن الاعمال الإرهابية تشكل خطرا على كل من الفرد والمجتمع ، ومنها هذه الآثار ما يطال النشاط الاقتصادي وخصوصا النشاط السياحي .
وفي الحقيقة اعتمدت الجماعات والتنظيمات الإرهابية على استهداف صناعة السياحة إدراكا منها لضعف تلك الصناعة للعوامل الخارجية، وبالتالي سهولة التأثير عليها والاستفادة من الطبيعة الخاصة بها لتحقيق عدد من الأهداف الاستراتيجية.
ويعتبر القطاع السياحي من أكثر القطاعات الاقتصادية تضرراً من مجيء الربيع العربي سواء في الدول التي حصل فيها التغيير مثل تونس ومصر او تلك التي لم تصل الامور الى درجة تغيير النظام و التي تأثرت برياح الثورات العربية مثل المغرب والأردن ولبنان.
وبحسب أرقام صادرة عن مؤسسات تابعة للجامعة العربية وأخرى محلية أكدت أن خسائر هذا القطاع في دول “الربيع العربي” بشكل دراماتيكي حيث بلغت ما يقرب من 8 مليارات دولار عن عام 2011.
على سبيل المثال في مصر وتونس بلغت معدلات التراجع في تدفق السياح ومداخيل السياحة من 50 إلى 70 بالمئة في معظم الوجهات السياحية خلال عامي 2012 و2013، وفي سوريا واليمن أصيبت السياحة الخارجية بركود تام، أما في الأردن ولبنان فتأثرت السياحة سلبيًا جدًا بسبب تداعيات الأزمة السورية .
تونس
وفي تونس بعد تفجيرات شاطئ سوسة ومن قبلها تفجيرات الأقصر في مصر تواجه السياحة في دول الربيع العربي خسائر كبيرة، في حين لن نتطرق الى دول مثل اليمن وسوريا نتيجة الحروب الدائرة فيهما.
تونس التي كانت تراهن على تعافي السياحة مرة أخرى، ولا سيما أن هذا القطاع يشكل رقما مهما بالنسبة للاقتصاد التونسي، ولكن الحادث الإرهابي في سوسة أثر بشكل ملحوظ على السياحة فيها ، حيث تؤمن السياحة 20% من إيرادات تونس من النقد الأجنبي، وتشغل نصف مليون شخص، وتخلق أكثر من مليون فرصة عمل غير مباشرة في القطاعات المرتبطة بالسياحة، مثل الصناعة التقليدية. لكن الحادث الارهابي الذي يعد الأول الذي يستهدف الفنادق السياحية بتونس ادى الى ركود الحركة السياحة.
و كشفت إحصائيات وزارة السياحة أن عدد السياح الوافدين على تونس تراجعت بنسبة 17.9% في الفترة المتراوحة بين كانون الثاني – ونيسان 2015 مقارنة بنفس الفترة من 2014 وذلك نتيجة الانخفاض الكبير في عدد السياح الأوروبيين.
وأضافت الإحصائيات أن الاعتداء الإرهابي على متحف باردو تسبب في تراجع عدد السياح الفرنسيين بـ %18.1 والألمان بنسبة %11.5.
مصر
لقد خسرت مصر مبالغ كبيرة من دخل السياحة الذي يعيش عليه ملايين المصريين خصوصا في المدن السياحية مثل “شرم الشيخ ، الغردقة ،الأقصر”. ويعد تفجير الأقصر واغتيال النائب العام هشام بركات، وغياب الامن و الاستقرار ضربة موجعة لقطاع السياحة المصري.
ووضعت الحكومة المصرية لنفسها هدفا يقضي بتحقيق نسبة نمو بمستوى 7% في حين يعاني قطاع السياحة الذي يشكل دعامة الاقتصاد المصري من انعدام الاستقرار. وفي العام 2014 لم يتجاوز عدد السياح الذين زاروا مصر 9,9 ملايين بالمقارنة مع حوالى 15 مليونا العام 2010″.
وتعد السياحة مصدر استقرار اقتصادي لمصر في بلد ليس لديه ركائز اقتصادية متينة كالصناعة والفلاحة يمكن أن تعوض الخسائر التي قد تأتي من قطاع خدمي كالسياحة، فقد تراجعت نسبة النمو في قطاع السياحة 20% خلال عام 2011 وهو ما يعني خسائر جمة للبلاد .
واقع السياحة في دول الربيع العربي
بحسب بيانات البنك الدولي فقد شكلت عائدات السياحة في دول الربيع العربي (تونس ومصر واليمن وليبيا وسوريا) في العام 2010 نحو 24.5 مليار دولار، كان لمصر منها النصيب الأوفر بنحو 13.6 مليار دولار، ثم سوريا بنحو 6.3 مليارات دولار وفي سوريا حيث قطاع السياحة يساهم بـ 12% من الدخل القومي للبلد ويلعب دوراً رئيساً في توفير فرص شغل لأكثر من 14% من القوة العاملة في سوريا ويشكل خمس عائداتها من العملة الصعبة فأي خلل يصيبه سيؤثر بشكل سلبي للغاية في الاقتصاد السوري ككل. ، وحلت تونس ثالثا بنحو 3.4 مليارات دولار، في حين كان حظ ليبيا هو الأقل بعائدات قيمتها 170 مليون دولار فقط.
ونتيجة لأعمال الإرهاب انخفض معدل السياح إلى العالم العربي بنسبة تفوق 41 % ، كما انخفض دخل السياحة في تونس بنسبة 43% وفي المغرب بنسبة 17% عام 2013
وتبين لنا بيانات البنك الدولي انه في 2014 تراجعت الإيرادات السياحية لدول مثل تونس ومصر واليمن بنسبة 55% لتنتقل من 24.5 مليار دولار في 2010 إلى 11 مليار دولار أي أن الخسائر بلغت 13.6 مليار دولار، لتصل نسبة انخفاض الإيرادات في 2013 إلى 55.5% مقارنة بما كانت عليه في العام 2010.
مستقبل السياحة
لقد تأثرت اقتصادات العديد من الدول العربية بشكل كبير و خسرت دول مثل : سوريا واليمن وليبيا عائداتها السياحية، فيما تآكلت الإيرادات في تونس ومصر ، وشكل تراجع الإيرادات فيهما أزمة حقيقية.
هناك تخوفا من الاوضاع في معظم الدول العربية حيث تشهد تراجعا ملحوظا للسياحة، وقد توقفت الحجوزات المتعلقة بفصل الخريف. نتيجة للعمليات الإرهابية التي حصلت ، وسيكون لهذا ثمن باهض ستدفعه دول الربيع العربي ، وخصوصا ان المنطقة ما زالت تشهد ازمات وصراعات ، وهو ما يدعوا الى التشاؤم حول مستقبل السياحة العربية على المدى المتوسط خصوصا مع استمرار الاعمال الارهابية والترويج لها .
عامر العمران
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية