لقاء مستشاري الأمن القومي للولايات المتحدة وروسيا وإسرائيل في نهاية شهر حزيران يعتبر إنجازاً لسياسة إسرائيل التي تتلمس الطريق بين مصالح موسكو وواشنطن وتثبت نفسها كعنصر في الحوار بين الدول العظمى في موضوع مستقبل سوريا والتدخل الإيراني في الدولة. من جهة، واشنطن وموسكو هذه تعتبر خطوة أخرى في إطار الجهود لتعزيز الحوار وتركيزه على المسائل الخلافية. اختيار الملعب الإسرائيلي استهدف بالتأكيد هدفه الإقليمي، وكذلك يمكن أن تكون لأمريكا وروسيا مصلحة في إظهار الدعم لإسرائيل، سواء في السياق السوري أو الإيراني. إسرائيل كذلك لها مصلحة في أن تكون مشاركة في النقاشات، ولكن أثناء ذلك قد تأخذ على مسؤوليتها مخاطرة معينة، لأنه سيتم التوصل إلى تفاهمات في النقاشات بخصوص تسوية سياسية وتثبيت الاستقرار في سوريا بدون تقديم رد على المصالح الإسرائيلية في هذا السياق.
مضمون هذا اللقاء الذي مضمونه استثنائي، لم يتم نشره بعد. من وسائل الإعلام الدولية يتبين أن هدفه هو البحث في تسوية بسوريا. في هذا الإطار سيتم مناقشة استمرار تدخل إيران في هذه الدولة، لكن يمكن التقدير بأنه مقابل تعزيز الحوار بين روسيا والولايات المتحدة سيكون لهذا اللقاء أهمية سياسية بذاته، وسيتناول كما يبدو أيضاً مسائل دولية على أجندة هذه الدول العظمى.
يبدو أن القصد هو (على الأقل بالنسبة للولايات المتحدة وإسرائيل) مناقشة بلورة سياسة مشتركة تجاه سوريا وإيران. بالنسبة لسوريا بالذات من المعقول أن تعمل على تحقيق تسوية على أساس مضمون المحادثات التي تقودها الأمم المتحدة في جنيف، خلافاً للاتصالات التي تجري في الأستانة، التي تشارك فيها روسيا وإيران وتركيا. هذا بقصد إجراء إصلاحات سياسية في سوريا. روسيا من ناحيتها ستطلب موافقة أمريكا على المكانة الرسمية للرئيس بشار الأسد، وبأنه يستطيع التنافس في الانتخابات القريبة القادمة على رئاسة سوريا. على خلفية اشتداد الأزمة بين إيران والولايات المتحدة في الخليج هناك توقع أمريكي لدعم روسي لسياستها في الشأن الإيراني، مع التأكيد على تفعيل العقوبات من أجل إعادة إيران إلى المفاوضات التي هدفها تحسين الاتفاق في المجال النووي. وكذلك التوصل إلى تقليص نفوذ إيران في سوريا بشكل خاص والشرق الأوسط بشكل عام.
لا يجب استبعاد من مجمل الاحتمالات أن الانعطاف في السياسة الروسية في الشرق الأوسط والتي تظهر في التقارب مع إسرائيل وفي التعاون المتزايد معها بعد فترة معينة من الجمود، وكذلك التوتر المتزايد سواء مع إيران أو مع نظام الأسد، ينبع بالأساس من جهود التقارب مع الولايات المتحدة. اللقاء المخطط لعقده في إسرائيل كما يبدو هو تعبير آخر عن ذلك.
التقارب بين واشنطن وموسكو تم التعبير عنه في الاتصالات المستمرة التي جرت مؤخراً بين شخصيات رفيعة المستوى من الطرفين. على الأجندة أيضاً هناك لقاء قريب بين الرئيس الأمريكي ترامب والرئيس الروسي بوتين على هامش قمة الـ «جي 20» التي ستعقد في طوكيو. هذا رغم أنه ما زال من السابق لأوانه تقدير حجم نجاح هذه العملية ـ ضمن أمور أخرى، بسبب الضغط الداخلي الذي يستخدم على الرؤساء من أجل الامتناع عن تبني بادرات حسن نية لتحسين العلاقات.
من ناحية الرئيس ترامب، يبدو أنه بعد نشر تقرير المحقق الخاص مولر، هو متحرر أكثر، على الأقل بالنسبة للدفع قدماً بحوار مع روسيا، حيث يبدو أن الإدارة الأمريكية معنية في الوقت الحالي بمحاولة زيادة استعداد روسيا لمناقشة إخراج القوات الإيرانية من سوريا بالتعاون مع إسرائيل، وربما حتى العمل أمام إيران من أجل تخفيف التوتر في الخليج وحثها على الموافقة على استئناف المفاوضات حول الاتفاق النووي. في الخلفية، مصلحة روسيا هي تحسين العلاقة مع الولايات المتحدة والرغبة في التوصل إلى إنهاء قريب للأزمة السورية، من خلال استخدام الأوراق التي راكمتها في هذه الدولة، وثمة توق لتحسين العلاقات مع الغرب، أي مع أوروبا، بخصوص الفضاء ما بعد السوفييتي. وهذا على أمل رفع العقوبات التي فرضت عليها في أعقاب أزمة أوكرانيا.
حتى الآن ليس من الواضح إذا كان الطموح الأمريكي لبلورة تفاهمات مع روسيا سيتجسد حقاً. علينا تذكر أن روسيا وإيران شريكتان في إدارة الحرب في سوريا إلى جانب نظام الأسد. وكما قلنا، منذ فترة تتسع بالتدريج الفجوات في مواقفهما بخصوص مستقبل سوريا. مؤخراً زاد التوتر بينهما على خلفية الأزمة بين إيران والولايات المتحدة.
قد تعترف إسرائيل بحكم الأسد مقابل تعزيز اتصالات عسكرية مع النظام
يمكن التقدير بأن نية روسيا لتغيير مضمون التعاون بينها وبين إيران، إلى جانب التقرب من الغرب وإسرائيل، تبلورت قبل نحو سنة. تعبيرات عن ذلك كان يمكن ملاحظتها في الاقتراحات الروسية على أمريكا وإسرائيل لإزاحة إيران من سوريا التي طرحت في قمة هلسنكي المنعقدة في تموز 2018، وبعد ذلك في المؤتمر الذي عقد في باريس في تشرين الثاني من السنة نفسها. ولكن يبدو أن تنفيذ الخطة ووجه بمعارضة جهات لها تأثير في روسيا خشيت من التقرب من أمريكا والتخلي عن إيران، وكذلك فضلت استمرار المواجهة بين الدولتين العظميين التي تعد إيران في إطارها شريكة مناوئة للغرب. مع ذلك، يبدو أن الرئيس بوتين نجح مؤخراً في دفعها قدماً رغم أن جمرات قوى المعارضة تواصل الاشتعال. لذلك، من المبكر تقدير درجة جدية القيادة الروسية بشأن الخطة. المسافة عن تجسيدها زادت أيضاً في أعقاب معارضتها من قبل إيران ونظام الأسد.
بالنسبة لإسرائيل، ظهر جهد من جانب القيادة الروسية لتحسين العلاقات معها، وبرز بالتحديد على خلفية معارضة في روسيا لتغيير سياسة روسيا في الشرق الأوسط. الأزمة بين الدول أشعلتها المعارضة في أعقاب حادثة إسقاط طائرة التجسس الروسية في سماء سوريا في أيلول 2018، لكنها انتهت في نهاية شباط 2019 أثناء لقاء بين الرئيس بوتين ورئيس الحكومة نتنياهو، تم الاقتراح على إسرائيل إنشاء إطار جديد للتعاون في التسوية في سوريا من أجل إخراج القوات الأجنبية، مع التأكيد على إيران، من الأراضي السورية.
يمكن أن تهدف هذه الخطوة إلى المساعدة على الدفع قدماً تفاهمات بين موسكو وواشنطن. ومن المعقول أن لإسرائيل دوراً حقيقياً في تحقيق مصلحة سوريا وتعزيز الحوار مع الولايات المتحدة، لهذا حظيت إسرائيل باعتراف روسيا بالجميل.
يبدو أن روسيا ستحاول الدفع قدماً بخروج القوات الأمريكية من سوريا. وإن كانت ستطالب بأن يتم تنسيق الخروج مع موسكو لتمكينها من الاستعداد لملء الفراغ الذي سيخلفه الأمريكيون في الفضاء الشمالي ـ الشرقي للدولة على السيطرة والنفوذ في المجال الذي يتنافس فيه نظام الأسد والإيرانيون الذين يريدون السيطرة على الحدود بين العراق وسوريا وحقول المحاجر في شرق سوريا إضافة إلى ذلك القوات الكردية المنظمة (قوات الديمقراطيين السوريين وتركيا) التي ستفعل كل ما في استطاعتها لمنع وجود حكم ذاتي للأكراد في الشمال.
بالإجمال، يبدو أن اللقاء بين روسيا وأمريكا وإسرائيل والمخطط له هو مرحلة أخرى في استئناف الحوار بين أمريكا وروسيا الذي هدفه الأساسي هو الدفع قدماً بالمواضيع الحيوية للأطراف في النظام الدولي. في إطار اللقاء يتوقع أن يجري نقاش هدفه بلورة سياسة مشتركة حول سوريا ونفوذ إيران هناك. وضمن ذلك إخراج القوات الأجنبية من سوريا ومحاولة بلورة الاستعداد لعملية مشتركة من أجل حل تحديات المنطقة. بالنسبة لسوريا بشكل خاص، سيتركز النقاش حول استقرار الدولة والتسوية السياسية فيها، رغم أن هناك شكاً في أن الولايات المتحدة ستكون مستعدة للدفع مقابل التعاون من جهة روسيا بعملة الاعتراف بنظام الأسد أو المشاركة في تمويل إعادة الإعمار في سوريا. بالنسبة لإيران، ستسعى الأطراف للتوصل إلى اتفاق تفاهمات مشتركة حول إنهاء الأزمة معها.
اختيار الملعب الإسرائيلي لإجراء النقاش يرمي إلى التأكيد على هدفه الإقليمي، وخاصة على خلفية حقيقة التقارب بين روسيا وأمريكا. كما أنه يمكن أن تكون لواشنطن وموسكو مصلحة في إظهار الدعم لإسرائيل سواء في السياق السوري أو السياق الإيراني. لإسرائيل مصلحة في المشاركة في النقاشات حول الجوانب الإقليمية المتعلقة بسوريا وإيران. إلا أنه خلال ذلك قد تأخذ إسرائيل على عاتقها مخاطرة معينة؛ لأنه يمكن أن يتم التوصل في هذه النقاشات إلى اتفاقات تتعلق بتحقيق تسوية سياسية واستقرار في سوريا دون إعطاء رد على المصالح الإسرائيلية في هذا السياق.
على كل الأحوال، لقاء مستشاري الأمن القومي في إسرائيل يعتبر إنجازاً سياسياً لإسرائيل، حتى لو لم يتوصل المشاركون إلى تفاهمات عملية حول مستقبل سوريا وإخراج القوات الإيرانية من الدولة، فمجرد عقد اللقاء يرفع مكانة إسرائيل وقد تؤثر على اتفاق مستقبلي في سوريا. روسيا وعدت في السابق بتقييد نشاطات إيران وهي تجري بين الحين والآخر خطوات من أجل تجسيد تنفيذ هذه الوعود ومنها إبعاد القوات الإيرانية ومبعوثيها عن الحدود مع إسرائيل.
في اللقاء، سيحاول المستشار الروسي تحقيق شرعية لاستمرار حكم الأسد في سوريا والاعتراف بأنه العامل الذي انتصر في الحرب الأهلية، ولا بديل عنه، على الأقل في السنوات القريبة. لذلك توصى إسرائيل بأن تطلب مقابل الاعتراف بحكم الأسد تعزيز قناة اتصال عسكرية مع النظام السوري من أجل تنسيق التوقعات ومنع حدوث سوء فهم والتأكد من أن النظام يمنع انتشار عناصر إرهابية ومبعوثين من إيران في هضبة الجولان ومنع التصعيد بسبب تقييمات خاطئة بالنسبة لنوايا ونشاطات الطرف الثاني.
القدس العربي