الزيارة الرمزيّة التي قام بها الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى المنطقة منزوعة السلاح بين الكوريتين الجنوبية والشمالية، والمصافحة التي أجراها مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون على أراضي الشطر الشمالي، كانت محل متابعة دقيقة من قِبل الشارع الإيراني السياسي والشعبي، وترجمتها وسائل الإعلام الإيرانية الورقيّة والإلكترونيّة التي وضعتها كغيرها من وسائل الإعلام الدولية في صدر اهتماماتها ومتابعاتها، وذلك للوقوف على تداعياتها المحتملة أو المتوقعة على الأزمة الإيرانية – الأميركية، وهل ستفتح باباً أمام خروج الطرفين من نفق التصعيد المتبادل العسكري والاقتصادي؟
وعلى الرغم من محاولة تأكيد المسؤولين الإيرانيين أن إيران ليست كوريا الشمالية، وأن موقف القيادة الإيرانية يختلف عن موقف نظيرتها الكورية، فإن اللقاء العابر على الأرض الكورية ورمزيته بالنسبة إلى الطرفين الأميركي والكوري، يرفع مستوى التحدي أمام الإدارة الإيرانية وإمكانية أن تبدي ليونة للذهاب إلى مثل هذه الخطوة من الحوار المباشر بين الرئيسين حسن روحاني وترمب، من أجل التأسيس لمرحلة جديدة من العلاقة بين البلدين والتفاهم على آلية من التعاون تسمح بالسير في عملية إلغاء العقوبات المفروضة على إيران أو خفضها تدريجياً بناءً على النتائج التي تحققها المفاوضات حول الملفات الإشكالية بين الجانبين.
لا شك أن المسؤولين الإيرانيين الرافضين أي مساعٍ حوارية مع واشنطن حول أي من الملفات موضوع الجدل بينهما، يراهنون على فشل هذه الخطوة الأميركية، وعدم التوصل إلى أي تفاهم بين ترمب وكيم جونغ أون حول أسباب الأزمة بين بلديهما، على غرار ما حدث في اللقاءات السابقة المباشرة بين الرجلين، خصوصاً أن ترمب وعلى الرغم من الخطوة غير المسبوقة من رئيس أميركي، التي قام بها عندما وطأت قدماه أراضي كوريا الشمالية، لم يقدم أي تنازلات للزعيم الكوري الشاب، وأكد بُعيد القمة الثلاثية التي ضمتهما مع رئيس الوزراء الكوري الجنوبي أن العقوبات المفروضة على بيونغيانغ ستبقى مستمرة وبالوتيرة نفسها، بالتزامن مع إعلانه تشكيل لجان مشتركة من الجانبين لبحث آليات تطبيق الشروط الأميركية فيما يتعلق بالبرنامجين الصاروخي والنووي وتفكيك الثاني، وتجريد بيونغيانغ منه، التي تعتبر مدخلاً أميركياً للوصول إلى قرار رفع العقوبات، وعودة كوريا الشمالية إلى المجتمع الدولي.
اختباء طهران وراء تفسيرات هذه الزيارة بما يخدم تسويغ التصلّب الذي تبديه في رفض التفاوض المباشر في ظل العقوبات المفروضة عليها، يكشف عن وجود حالة من الخوف لدى مسؤولين في النظام بأن يؤدي التعنت في الموقف الرفضي إلى مزيدٍ من إحكام قبضة العقوبات على النظام، وصولاً إلى تهديد وجوده بشكل جدي وحقيقي، وبالتالي تكون طهران أمام خيار مر وصعب يفرض عليها تقديم تنازلات قاسية من دون الحصول على الامتيازات والمحفزات التي تتوقعها أو تسعى وراءها في مختلف الملفات موضوع الجدل مع واشنطن.
هل تذهب إيران إلى التفاوض قبل “تجرع” كأس السم؟
أمام هذا التطور في العلاقة الأميركية – الكورية الشمالية، لم يعد بإمكان طهران الاختباء وراء تفسيرات مبسّطة لهذه الخطوة ذات الدلالات الكبيرة لترمب، ولا يمكن حصرها في توصيف أنها استعراض انتخابي أو إعلامي، بل عليها التوقف ملياً أمام التداعيات التي قد تنتج عنها، خصوصاً أنها تأتي بعد قمتين إيجابيتين بشكل واضح، عقدهما ترمب مع نظيريه الروسي فلاديمير بوتين والصيني شي جين بينغ، وتحديداً القمة الصينية التي أزالت كثيراً من التوترات بين الطرفين، التي ارتفع منسوبها بعد العقوبات التي فرضها ترمب على عملاق الصناعات الإلكترونية الصيني “هواوي” والضرائب على بعض الصادرات الصينية إلى أميركا، وقدرة التنين الصيني على التأثير الفاعل والمباشر في قرار بيونغيانغ وزعيمها الشاب.
وإذا ما كانت طهران استطاعت حتى الآن اللعب على حد السكين، متجاوزة حافة الهاوية في مواجهة التهديدات الأميركية العسكرية، واستغلت موقف ترمب الثابت برفض الحرب المباشرة، وبرهن على ذلك من خلال استيعاب العملية الاستفزازية الإيرانية بإسقاط الطائرة المسيَّرة، وأيضاً الاعتداءات التي تعرضت لها ناقلات نفط وبواخر تجارية في المياه الدولية بخليج عمان وميناء الفجيرة الإماراتي، ولم يلجأ إلى الرد العسكري على هذه الأعمال. فإن الرسالة الأميركية تبدو واضحة، وعلى طهران التوقف عندها، وهي رسالة تشبه إلى حد بعيد الآلية، التي تعاملت بها واشنطن مع بيونغيانغ التي وصل التصعيد العسكري معها إلى حدود التهديد بـ”الزر النووي”، بأن الطريق الوحيد لحل أزمة النظام في طهران تمر عبر القبول بالجلوس إلى طاولة المفاوضات من دون شروط مسبقة لبحث جميع الملفات العالقة من النووي إلى الصاروخي، وصولاً إلى النفوذ الإقليمي مع بقاء سيف العقوبات الاقتصادية مشرعاً حتى الإنجاز النهائي للتفاهمات المطلوبة، وأن الإصرار على رفض التفاوض يعني استمرار الحصار وتصاعده.
الرهان الإيراني على دفع المجتمع الدولي عموماً والدول الموقعة على الاتفاق النووي خصوصاً والترويكا الأوروبية (ألمانيا وفرنسا وبريطانيا) تحديداً، لاتخاذ خطوات عملية لكسر حلقة العقوبات الأميركية من خلال تخفيض التزاماتها ببنود الاتفاق ورفع كمية اليورانيوم المخصب بدرجة 3.67% لتتجاوز 300 كيلو غرام والتلويح بخطوات إضافية تتعلق هذه المرة بمستوى التخصيب ليصل إلى 20% وإعادة العمل على استكمال مشروع مفاعل الماء الثقيل، قد لا يؤدي إلى النتائج التي تسعى وراءها طهران، بل ربما يؤدي إلى مزيدٍ من التقارب الأوروبي والدولي مع موقف واشنطن على خلفية اتهامها بنقض الاتفاق، وبالتالي الخروج منه، على الرغم من تأكيدها أن الخطوات التي قامت بها لا تشكل انتهاكاً أو نقضاً، وعندها لن تكون في مواجهة الضغوط الأميركية، بل ستخسر الحد الأدنى من التعاطف الدولي معها، وربما تصل الأمور إلى إحالة الملف إلى مجلس الأمن الدولي، الذي يعتبر الجهة الدولية المخوَّلة بالنظر في آلية تطبيقه، وعندها تعود الأمور إلى نقطة الصفر، التي لن يكون من السهل عليها الحصول على ما سبق أن حققته في هذا الاتفاق.
اندبندت العربي