غادرت بريطانيا مربع التحفظ حيال تهديدات إيران في منطقة الشرق الأوسط لتنضم بذلك إلى الموقف الأميركي المتشدد بشأن أجندات طهران المزعزعة للاستقرار. ويأتي الموقف البريطاني في وقت تسعى فيه واشنطن إلى تأسيس تحالف عسكري دولي لمواجهة التهديدات الإيرانية للملاحة البحرية في مضيق هرمز.
لندن – أعلنت الحكومة البريطانية، الخميس، استعدادها لبحث أي طلب أميركي من شأنه دعم استراتيجية واشنطن في منطقة الشرق الأوسط، فيما تهدد إيران باستهداف الملاحة الدولية عبر مضيق هرمز.
وقال جيمس سلاك، المتحدث باسم رئيسة الوزراء تيريزا ماي إن بلاده مستعدة لدراسة أي طلب أميركي يدعم سياسة واشنطن في المنطقة الشرق الأوسط.
وحث السلطات الإيرانية على “عدم تصعيد الوضع في المنطقة”، لافتا إلى أن لندن “ستأخذ في الاعتبار أي طلب أميركي لدعم واشنطن في الشرق الأوسط، في ظل التزام بريطانيا بالحفاظ على حرية الملاحة بما يتفق مع القانون الدولي”.
وأوضح المتحدث باسم ماي أنّ احتجاز ناقلة النفط الإيرانية في جبل طارق “له علاقة بالعقوبات على سوريا وليس إيران”.
وتابع “اعتراض السفينة الإيرانية (غريس 1) مسألة خطيرة تتعلق بخرق العقوبات المفروضة على سوريا”.
وأشاد مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون، الذي يتبنّى سياسة متشددة تجاه طهران، بخطوة جبل طارق. وكتب في تغريدة أن توقيف ناقلة النفط الإيرانية “نبأ ممتاز. بريطانيا اعترضت ناقلة النفط العملاقة (غريس 1)، المحمّلة بالنفط الإيراني إلى سوريا في انتهاك لعقوبات الاتحاد الأوروبي”.
وتابع بولتون “أميركا وحلفاؤنا سيواصلون منع نظامَي طهران ودمشق من الإفادة من هذه التجارة غير القانونية”، من دون أن يؤكد ما إذا كانت الولايات المتحدة طلبت اعتراض الناقلة، لكن وزير الخارجية الإسباني جوسيب بوريل صرح أن الناقلة احتجزت بطلب من الولايات المتحدة.
ويأتي احتجاز الناقلة البالغ طولها 330 مترا في وقت حساس في العلاقات الأوروبية الإيرانية، فيما يدرس الاتحاد الأوروبي سُبل الرد على إعلان طهران تخصيب اليورانيوم بمستوى يحظره الاتفاق النووي المبرم عام 2015 بينها وبين الدول الكبرى.
ومنذ قرابة أسبوع، تحتجز مشاة البحرية الملكية البريطانية الناقلة الإيرانية (غريس 1) قبالة ساحل جبل طارق للاشتباه بأنها تخرق بنقلها النفط إلى سوريا عقوبات فرضها الاتحاد الأوروبي.
وجاءت التصريحات البريطانية عقب تحذير أطلقه الحرس الثوري الإيراني، الذي تصنفه واشنطن منظمة إرهابية، من أن الولايات المتحدة وبريطانيا “ستندمان بشدة” على احتجاز ناقلة نفط قرب جبل طارق.
وذكرت الحكومة البريطانية الخميس، أن ثلاث سفن إيرانية حاولت اعتراض ناقلتها (بريتيش هيريتدج) في مضيق هرمز، لكنها انسحبت بعد تحذيرات من فرقاطة بريطانية.
ونفت إيران المزاعم البريطانية على لسان وزير خارجيتها جواد ظريف، الذي قال إن زعم بريطانيا بشأن محاولة طهران احتجاز ناقلة نفط بريطانية “لا قيمة له”.
وقالت القيادة المركزية الأميركية تعقيبا على محاولة إيران احتجاز ناقلة بريطانية إن تهديد حرية الملاحة الدولية يستلزم حلا دوليا.
وقال الكابتن بيل أوربان المتحدث باسم القيادة المركزية الأميركية في بيان “إن الاقتصاد العالمي يعتمد على التدفق الحر للتجارة، ومن الواجب على كل الدول حماية وصيانة هذا العنصر الحيوي للازدهار العالمي”.
وتشهد المنطقة توترا متصاعدا بين الولايات المتحدة ودول خليجية من جهة، وإيران من جهة أخرى؛ إثر تخفيض طهران بعض التزاماتها بموجب الاتفاق النووي متعدد الأطراف المبرم في 2015.
واتخذت إيران تلك الخطوة، الشهر الماضي، مع مرور عام على انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق، وفرض عقوبات مشددة على طهران، لإجبارها على إعادة التفاوض بشأن برنامجها النووي، إضافة إلى برنامجها الصاروخي.
وقال رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية الجنرال جوزيف دانفورد إن الولايات المتحدة تريد تشكيل تحالف عسكري لحماية المياه الاستراتيجية قبالة إيران، حيث تنحو واشنطن باللوم على إيران ومقاتلين تدعمهم طهران في تنفيذ هجمات.
وستوفر الولايات المتحدة بموجب الخطة، التي لم تتبلور بعد، سفن قيادة للتحالف العسكري وستقود جهوده للمراقبة والاستطلاع.
وأوضح “نتواصل الآن مع عدد من الدول لتحديد ما إذا كان بإمكاننا تشكيل تحالف يضمن حرية الملاحة في كل من مضيق هرمز ومضيق باب المندب”. وتهدد إيران منذ فترة طويلة بإغلاق مضيق هرمز، الذي يمر منه قرابة خُمس النفط العالمي، إن لم تتمكن من تصدير نفطها، وهو أمر تسعى إليه إدارة الرئيس دونالد ترامب كوسيلة ضغط على طهران لحملها على التفاوض من جديد حول برنامجها النووي. ويكتسب المقترح الأميركي الخاص بتشكيل تحالف دولي لحماية الملاحة في مضيق هرمز قوة دافعة منذ هجمات في مايو ويونيو على ناقلات نفط في مياه الخليج.
وأسقطت إيران الشهر الماضي طائرة أميركية مسيرة قرب المضيق، مما دفع ترامب إلى أن يصدر أمرا بتوجيه ضربات جوية انتقامية قبل أن يتراجع في اللحظات الأخيرة.
وتتهم دول خليجية، في مقدمتها السعودية والإمارات، إيران باستهداف سفن ومنشآت نفطية خليجية، منتصف مايو الماضي ويونيو، وهو ما أكدته الولايات المتحدة.
وقال مسؤولون أميركيون إن إغلاق مضيق هرمز سيكون تجاوزا “لخط أحمر” وتعهدوا باتخاذ إجراءات لإعادة فتحه. وقال الكابتن بيل أوربان المتحدث باسم القيادة المركزية الأميركية لرويترز “لدينا القوات التي نحتاجها للحفاظ على تدفق حر للتجارة وحرية الملاحة”.
وجاء في تقرير المكتب الأميركي للمخابرات البحرية العام الماضي أن القوات البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني حصلت على زوارق هجومية سريعة وزوارق صغيرة وصواريخ كروز وألغام مضادة للسفن. وأضاف أن تلك القدرات لا يمكنها منافسة التكنولوجيا الغربية.
وقالت الولايات المتحدة إنها ستستخدم كاسحات ألغام وسفنا حربية مرافقة وربما ضربات جوية لحماية حرية تدفق التجارة، لكن إعادة فتح المضيق قد تكون عملية تستغرق وقتا طويلا، خصوصا إذا قام الحرس الثوري بزرع ألغام. وقال مايكل كونيل رئيس برنامج إيران في مؤسسة سي.إن.إيه الأميركية للبحوث غير الهادفة للربح إنه من بين كل قدرات ايران فإن الألغام هي على الأرجح التي تثير معظم القلق.
وكشف نائب بالبرلمان الإيراني الأسبوع الماضي، عن مشروع قانون لفرض رسوم على السفن التي تعبر مضيق هرمز.
ويرى مراقبون أن هذه الخطوة تأتي في سياق سياسة الابتزاز التي يمارسها النظام الإيراني أملا في تحقيق أي تقارب مع واشنطن، فيما يبشّر متابعون للشأن الإيراني بأن مشروع هذا القانون لن يمرر في البرلمان الإيراني، في ظل وجود رغبة شديدة في التفاوض مع واشنطن بدل التصعيد الذي ينهك الاقتصاد الإيراني المأزوم.
ونقلت وكالة “تسنيم” الإيرانية عن عضو المجلس أمير حسين قاضي زاده هاشمي القول إنه جرى تقديم تفاصيل المشروع إلى المجلس من قبل لجنة “الرد بالمثل” المعنية بمواجهة قرارات الولايات المتحدة، لافتا إلى أن المشروع يقترح “فرض رسوم جمركية من جانب إيران على السفن العابرة لمضيق هرمز مقابل توفير الأمن للخليج ‘الفارسي’، بما في ذلك مضيق هرمز”.
العرب