بينما تراوح المعارك مكانها في طرابلس، تقترح القاهرة مبادرة سياسية جديدة للتوفيق بين أعضاء مجلس النواب الذي انقسم على نفسه بعد العملية العسكرية التي أطلقها الجيش لتحرير طرابلس.
تونس – يجتمع العشرات من البرلمانيين من غرب وشرق ليبيا، غدا السبت في القاهرة، بحثا عن حل سياسي للخروج من المأزق الراهن، وذلك في وقت بدأت فيه تحركات الجيش الليبي تأخذ سياقا مغايرا للنمط الذي عرفه خلال الأسابيع الماضية، وسط تأكيدات عسكرية تفيد بأن دخول طرابلس صار وشيكا.
وأكد النائب البرلماني الليبي، أبوبكر بعيرة في اتصال هاتفي مع “العرب”، أن عددا من البرلمانيين في شرق وغرب ليبيا تلقوا دعوات للمشاركة في اجتماع القاهرة الذي يُنتظر أن تتواصل أعماله على مدى ثلاثة أيام برعاية مصرية.
وقال إن هذا الاجتماع المُرتقب، سيُخصص لمحاولة بلورة “مبادرة سياسية” تكون مقدمة لتفكيك عناصر المأزق الراهن، وفق الرؤية المصرية لحل الأزمة الليبية، لافتا إلى أن عقد هذا الاجتماع تم التفاهم بشأنه خلال الزيارة الأخيرة التي أداها رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح إلى القاهرة.
وزار عقيلة صالح مصر في منتصف شهر يونيو الماضي، حيث التقى الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، في قصر الاتحادية الرئاسي بالقاهرة، وبحث معه تطورات الملف الليبي على الصعيدين العسكري والسياسي.
حزب العدالة والبناء يرفض اجتماع القاهرة بحجة أنه يستهدف خلق جسم جديد للحوار والتفاوض يضمن مشروع ثورة مضادة
وأحيط ذلك اللقاء بتكتم واضح، لم يُبدده بيان الناطق باسم الرئاسة المصرية، بسام راضي، الذي قال فيه إن “الرئيس السيسي أكد موقف مصر الثابت في دعم الجيش الوطني الليبي، في حملته للقضاء على العناصر والتنظيمات الإرهابية”. وأضاف أن الرئيس السيسي أكد أيضا أن إرادة الشعب الليبي “هي الإرادة المقدرة، والتي يجب أن تحترم وتكون مفعّلة ونافذة”، مشددا في هذا الإطار على “دعم الشرعية الفعلية في ليبيا والمتمثلة في مجلس النواب الليبي المنتخب من الشعب”.
وترددت بعد ذلك اللقاء أنباء تُفيد بأن هناك تحركات لعقد اجتماع لمجلس نواب الشعب الليبي في القاهرة، من أجل بحث الأزمة الراهنة ورسم خارطة طريق جديدة بعناصر سياسية ترعاها مصر. وبحسب البرلماني أبوبكر بعيرة فإن اجتماع القاهرة المُقرر عقده السبت المقبل يدخل في هذا الإطار، إذ أكد خلال الاتصال الهاتفي مع “العرب” أنه “تلقى دعوة للمشاركة فيه، لكنه رفضها”.
وعزا هذا الرفض إلى أن الاجتماع المذكور “يُخفي مناورة سياسية” لا يريد أن يكون طرفا فيها، لافتا في هذا السياق إلى أن عددا من برلمانيي الغرب الليبي أعلنوا أيضا رفضهم المشاركة في اجتماع القاهرة.
وقبل ذلك أكد البرلماني علي السعيدي القايدي أن اجتماع القاهرة سيجمع بين أعضاء مجلس النواب الداعمين للجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، ونواب رافضين لعمليات الجيش الليبي في العاصمة طرابلس.
وأشار إلى أن أعمال الاجتماع ستتواصل إلى غاية الاثنين القادم، لافتا إلى أن “مصر لها علاقة تاريخية مع ليبيا، ولا تربط علاقتها بأشخاص، يجب أن ندرك أن أمن ليبيا من أمن مصر والعكس صحيح”.
ولم يكشف القايدي عن العنوان الرئيسي للاجتماع المذكور، ومع ذلك سارعت نجاة شرف الدين -رئيسة الهيئة العليا لحزب العدالة والبناء، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين- إلى رفضه، واعتبرت في تصريحات لها أن هذه المبادرة “تستهدف خلق جسم جديد للحوار والتفاوض يضمن مشروع ثورة مضادة”.
وفي المقابل، أعرب النائب عيسى العريبي عن تفاؤله باجتماع القاهرة، قائلا إن الاجتماع “سيُخصص لإنتاج مبادرة برلمانية برعاية مصرية،… وهو بذلك يعد خطوة جيدة لحلحلة الأزمة”.
وتراوح معركة تحرير طرابلس مكانها منذ أكثر من ثلاثة أشهر حيث عجزت قوات الجيش بقيادة المشير خليفة حفتر عن السيطرة على مواقع جديدة، في حين فشلت ميليشيات حكومة الوفاق عن طردها من المواقع التي نجحت في السيطرة عليها جنوب طرابلس، إضافة إلى عدد من مدن المنطقة الغربية في مقدمتها ترهونة.
وبين هذا الموقف وذاك تبدو تطورات المشهد الليبي متأرجحة بين البحث عن حل سياسي، وبين المواجهة التي تبقى الأكثر حضورا على مسرح العمليات العسكرية المفتوحة في عدة جبهات قتالية، ما يجعل الأحداث تتحرك باتجاهات مُتعددة يصعب معها رسم حدود ومساحة المواجهة المحتملة.
وتسهم التصريحات المتتالية لعدد من ضباط الجيش الليبي في إضافة المزيد من الغموض والضبابية حول اجتماع القاهرة المُرتقب، رغم تأكيد الناطق باسم القيادة العامة للجيش، اللواء أحمد المسماري، أن “الجيش الليبي يدعم أي مبادرة لإحلال سلام حقيقي على الأرض”.
ويعود ذلك الغموض إلى أن تلك التأكيدات ترافقت مع تصريحات أخرى مفادها أن الجيش الليبي “يواصل تقدمه في محاور القتال”، منها تصريحات العميد خالد المحجوب التي اعتبر فيها أن “ساعة الحسم” قد اقتربت لدخول العاصمة طرابلس.
وتوقع العميد المحجوب انهيار الميليشيات في أية لحظة، مضيفا “إذا انهارت جبهة الميليشيات تنتهي المشكلة وتتحرر طرابلس”.
العرب