حاول اثنان من الكُتاب -في مقال مشترك بمجلة ناشونال إنترست- الإجابة عن سؤال يحمل كثيرا من الدلالات والإيحاءات: لماذا تغزو الصين أفريقيا؟ يقر كل من أكول نيوك أكول دوك استشاري السياسات الدولية من دولة جنوب السودان، وأستاذ العلوم السياسية بجامعة آيسلندا برادلي ثايير -في مستهل مقالهما- بأن أفريقيا باتت على أعتاب مرحلة جديدة في تاريخها ونهضتها بعد أن تحررت من ربقة الاستعمار والإمبريالية الجديدة، وأمامها فرصة لكي تصبح قوة اقتصادية قادرة على منح الازدهار.
بيد أن أفريقيا تواجه اليوم خطرا جديدا متمثلا فيما يسميه الكاتبان “إمبريالية الصين” والسقوط في براثنها عبر ما تقدمه من استثمارات اقتصادية وقروض لدول القارة.
الترويج للماوية
ويلفت المقال إلى أن الصين طالما قدمت الدعم للدول الأفريقية منذ مجيء الحزب الشيوعي إلى سدة الحكم عام 1945 ووقفت إبان حكم زعيم حزبها الشيوعي الرئيس ماو زيدونغ (ماو تسي تونغ) إلى جانب حركات التحرر الأفريقية في محاولة للترويج للماوية، وهي نظرية ثورية شيوعية تبرز أفكار ماو المسماة باسمه.
وكان الهدف من وراء ذلك الترويج أيضا درء النفوذ السوفياتي والأميركي على حد سواء، حتى أضحت الصين اليوم القوة الإمبريالية في معظم أجزاء القارة.
أما اليوم فإن الصين موجودة في أفريقيا ليس من أجل الترويج للشيوعية الماوية -كما يعتقد دوك وثايير- بل للسيطرة على مواردها وشعوبها وإمكاناتها.
استثمارات وقروض
فمن بناء السكك الحديد في كينيا وتشييد الطرق في أرياف إثيوبيا إلى إدارة المناجم في الكونغو، أحدثت الصين تغييرات جذرية في البنية الاقتصادية الأفريقية إبان القرن العشرين.
وأقرضت الصين دولا في القارة قرابة 125 مليار دولار أميركي ما بين عامي 2000 و2006، وتعهدت خلال منتدى التعاون الصيني الأفريقي مؤخرا بتقديم ستين مليارا أخرى.
ونمت التجارة بين الطرفين من عشرة مليارات دولار عام 2000 إلى 190 مليارا بحلول عام 2017. وتشير التقديرات إلى أن 12% من الإنتاج الصناعي لأفريقيا (خمسمئة مليار دولار سنويا) تتولاه شركات صينية.
وطبقا لمقال ناشونال إنترست، لم يلق نشاط الصين في القارة الأفريقية الاهتمام الذي يستحقه في الغرب.
ثلاثة أسباب
ومن وجهة نظر المقال، فإن سلوك الصين في تلك القارة يكتسب أهمية لثلاثة أسباب رئيسية هي:
1- الصين مصدر رئيس لأموال الاستثمارات المدعومة بقدرتها الهائلة في إنشاء البنى التحتية، وكلا العاملين تحتاجهما العديد من الدول الأفريقية.
2- مسلكها في أفريقيا يتيح لبقية العالم فهما لكيفية التصرف إزاء الدول الأخرى، خاصة دول جنوب الكرة الأرضية.
3- ما تقوم به بكين في أفريقيا لا يبشر بالخير لباقي دول العالم. فنشاطاتها في القارة يمكن وصفها بأنها استعمار جديد، واستغلال لشعوبها وبيئتها.
جنوب السودان مثالا
ويضرب الباحثان أمثلة على التبعات السالبة المترتبة على “الإمبريالية الصينية”. ولعل نموذجها الأصيل يتمثل في مؤسسة البترول الوطنية الصينية المملوكة للدولة والتي تعتبر مستثمرا رئيسيا يعمل في حقول النفط بدولة جنوب السودان.
ويلوث الصينيون البيئة المحلية هناك دون عقاب -كما يزعم الكاتبان- مما تسبب في تشوهات للمواليد الجدد، وتسميم الماشية وتدمير الأراضي الزراعية الخصبة وتلويث الأنهار.
وتكتسب الصين نفوذها هناك من تشييد الطرق ومشاريع البنى التحتية مقابل ثلاثين ألف برميل من النفط الخام في اليوم تُسلم إلى بنك الصادرات والواردات الصيني.
خطر الديون
ويثير الشكوكَ اعتمادُ إثيوبيا على التكنولوجيا والتمويل الصينييْن، ذلك أن هذه الدولة الأفريقية تعاني الأمرّين لكي تسدد أقساط القروض التي حصلت عليها من بكين.
أما الجارة كينيا فربما تخسر ميناء مومباسا الذي قد تستحوذ عليه الصين بسبب القروض التي تثقل كاهل حكومة نيروبي.
وثالثة الأثافي أن الشركات الصينية تجلب معها سائقيه، وعمال بنائها وموظفي إسنادها لتحرم بذلك الأفارقة من فرص العمل. كما أن العمالة الصينية غالبا ما تعيش بمعزل عن المجتمعات الأفريقية التي تقطن في مناطقها.
صفوة القول، يتمثل الخطر الأكبر الذي يحدق بأفريقيا في الإمبريالية الصينية التي قد تحول دون تحقيق دول القارة النهضة المنشودة.
الجزيرة