الانترنت في العراق مقارنة بالعالم ابطأ 50 مرة واغلى 50 ضعف

الانترنت في العراق مقارنة بالعالم ابطأ 50 مرة واغلى 50 ضعف

الباحثة شذى خليل *

في زمن العولمة اصبح الانترنت في العالم شريان الحياة في جميع المجالات، إذ لا تكاد ابسط الأمكنة ابتدأ في رياض الأطفال الى جميع مؤسسات الدولة عسكريا سياسيا اجتماعيا اقتصاديا زراعيا تخلو من الإنترنت.
في العراق بدأ استخدام الشبكة العالمية للأنترنت عام 2000م، ولكن لم تكون على نطاق واسع في ظل النظام قبل 2003 إذ اقتصر استخدامه على موظفي أجهزة الأمن والاستخبارات وبعض طلاب الدراسات العليا بعد استحصال موافقة قانونية معينة ، حيث تشير الإحصائيات في عام 2000م إلى وجود 12,500 مستخدم ، ولكن بعد عام 2003 اخذت بالتوسع بشكل سريع جدا في عموم العراق ؛ لكن تميزت تلك الخدمة التي تقدم للمواطن العراقي بشكل رديء و بأسعار باهظة .
لقد كشف مركز الاعلام الرقمي العراقي عن حقائق صادمة فيما يتعلق بملف الانترنت في العراق.
ووفقا لبحوث مختصين في المركز بمجال الاتصالات والانترنت ؛ ان معظم ما يجهز للمواطنين هو انترنت “وهمي” وفقا لقياسات التجهيز والتشغيل، وانه يباع لهم باكثر من 50 ضعف سعره الحقيقي .

• حيث ان العراق يستورد الانترنت بسعر ( 500 – 775 ) دولارا للـ STM الواحد، اي ما يعادل (3- 6) دولارت للميغا الواحدة ، وفقا لنوع المنفذ الذي يتم الاستيراد عن طريقه ان كان بحريا ام بريا.
• هذه الاسعار تضاف لها اجور نقل داخل العراق لإيصالها الى بدالة المأمون بقيمة تقريبية 5000 دولار للـ STM الواحد (48 دولارا للميغا الواحدة) وهو ما يسمى بالنقل الدولي ، فضلا عن 1500 دولار لنقلها الى المحافظات العراقية (10 دولارات لكل ميغا) وهو ما يسمى بقيمة النقل المحلي.
• ان قيمة استيراد الانترنت ونقله للمواطنين مع جميع التكاليف تصل لما مقداره (41 دولارا للميغا الواحدة) في حين يباع للمواطنين بقيمة لا تقل عن 50 ضعفا على الاقل في حال تم توفيره وفقا لمقاييس بقية دول العالم .

• لا يقتصر الانترنت على المغالاة في الاسعار وحسب، بل ان الشركات تتلاعب بآليات الانترنت المجهز للمواطنين، فهي تقوم بنصب اجهزة خاصة تسهم في تخزين بيانات الانترنت مثل الفيديو والصور والمواقع المختلفة التي تستخدم داخل العراق وبذلك تصبح قيمتها المحلية، لكنها تباع بسعر دولي .
• وكشف المختصون ان اجهزة كاش الخاصة بموقع اليوتيوب والتي تسمى (GGC) واجهزة كاش الخاصة بالصور والفيديوهات في موقع الفيسبوك والتي تسمى (FNA) وغيرها من اجهزة الكاش المستخدمة لتخزين محتوى المواقع الاباحية او منتجات شركة ابل ، فهي جميعا تحول سعة الانترنت المستخدمة من الدولي الذي يكلف 48 دولارا للميغا الواحدة الى المحلي الذي يكلف عشرة دولارات فقط، واحيانا لا يكلف الشركات اي مبالغ مالية في حال كانت لديها اجهزة (كاش) داخل المحافظات العراقية .
التلاعب في السعات للأنترنت هو خرق قانوني في آليات التجهيز والبث للمواطنين.

واكد الفريق ان النسبة الاكبر من الانترنت الواصل للمواطن مع هذه اآليات انما هو انترنت وهمي وغير حقيقي على حد وصفهم .
واوضح الفريق ان سعر الميغا الواحدة التي يتم بيعها للمواطنين والشركات يتراوح بين 140 دولارا الى 250 دولارا ، وجميعها انترنت غير حقيقي بنسبة عالية جدا.
ورأى المختصون ان وزارة الاتصالات العراقية تكون بذلك قد رفعت قيمة الميغا اكثر من 11 ضعفا، ومن ثم تأتي شركات بأجهزة الكاش المختلفة، وهنا لا يمكن حساب المبالغ التي ستجنيها هذه الشركات كأرباح صافية بسبب التلاعب الكبير ودمج الحقيقي بغير الحقيقي.
ولفت الفريق الى ان جميع شركات الانترنت في العراق لا توفر انترنت (بيور Pure) او ما يسمى (ديدكيت Dedicated )، بل ان جميع الخطوط تكون مرتبطة باجهزة الكاش، فمثلا لو طلب اي مواطن من شركة انترنت رئيسية شراء واحد ميغا، فان الشركة ستعمد الى تقسيم الطلب الى طلبات بيانات منتجات غوغل (من ضمنها اليوتيوب)، واخرى خاصة ببيانات وملفات المواقع الاخرى ولا يحصل من الانترنت الحقيقي الا على القليل.
ان اعتماد الكاش يسهل للشركات عملية تجهيز الانترنت لتصفح المواقع الاباحية في العراق بصورة غير مباشرة، عبر ادخال معظم طلبات الافلام والصور الاباحية في اجهزة كاش خاصة، ومن ثم عند طلب هذه الافلام او الصور من قبل اي مستخدم اخر سيكون التعامل معها على انها طلب محلي وقد لا تكلف الشركات اي مبالغ اضافية خصوصا تلك التي تضع اجهزة الكاش في فروعها بالمحافظات العراقية، بل ان البعض من هذه الشركات اصبح لديهامقرات داتا في الاقضية الاخرى خارج مراكز المحافظات.
هذا ويستمر التحايل والخلل للشبكة العنكبوتية منذ عام 2003 والى يومنا هذا .والمتضرر الوحيد المواطن العراقي الذي يدفع مبالغ طائلة مقابل خدمة ضعيفة جدا، مع تزايد تصريحات المسؤولين والبيانات الرسمية لحل تلك المشكلة الخطرة .

تحايل الشركات في وقت الانترنت
ان شركات الانترنت تلجأ الى حيلة اخرى تسعى من خلالها لخداع المواطن العادي، عبر تقسيم الاوقات التي تمنح فيها الانترنت، فمثلا بعض الشركات تقوم بإيجاد نوعين من السرعة حسب الوقت، فمن الواحدة صباحا وحتى التاسعة صباحا تكون السرعة مفتوحة للمستخدم، ومن ثم يتم تحديدها بعد ذلك، وفي المساء تضعف الخدمة بدرجة عالية لان الجميع سيتقاسم السعة الممنوحة التي هي قليلة اصلا.

وفي ذات السياق فإن الشركات تحرم المواطن حتى من التخفيضات التي تقرها وزارة الاتصالات العراقية في اسعار الانترنت.
حيث ان جميع التخفيضات على سعات الانترنت، لا تفيد المواطن، بل يستفيد منها أصحاب الشركات ، فالتخفيض الذي اجرته الوزارة منتصف العام الماضي والذي خفض قيمة النقل المحلي بنسبة 50٪ ذهب بفائدته الى الشركات، ولم تشهد الاسعار لدى المواطن اي انخفاض، بل ان الشركات منذ ذلك الوقت رفعت سعر الاشتراك الاكثر استخداما ليرتفع من 12 دولارا الى 13.5 دولارا بالنسبة للوكلاء، ليباع في الاخير للمواطنين بملغ 35 الف دينار عراقي.
كما ان التخفيض الاخر الذي أعلنته وزارة الاتصالات كان بنسبة 25٪ لم يستفد منه المواطن ، بل استفادت منه الشركات فقط.
وتعد أسعار الانترنت في العراق الأغلى بالنسبة لأسعار الإنترنت بين دول المنطقة العربية ودول الجوار، اذ تبلغ قيمة الاشتراك الشهري 300 ألف دينار عراقي (ما يعادل 250 دولارا أمريكا ) للميغابايت الواحد، فيما تبلغ قيمة الخدمة التي تقدمها شركات الاتصال المحمول 6 آلاف دينار عراقي (ما يعادل 5 دولارات) للميغابايت الواحد.
واكد المختصون في شركات الاتصالات ان تللك الشركات المستغلة للمواطن العرقي تتحايل في منع المواطن من التعرف على سرعة الانترنت لديه، حيث تقوم هذه الشركات بإعطاء اولوية وسرعات عالية لمواقع قياس سرعة الانترنت، وبالتالي تظهر نتيجة عالية في عمليات الاختبار تصل احيانا لأكثر من 15 ميغا، في حين ان السرعة الحقيقية هي جزء صغير جدا من نتيجة هذا الاختبار.

ويقترح المختصون على وزارة الاتصالات العراقية وضع ضوابط جديدة للحد من التحايل واستغلال المواطن وتحسين جودة الخدمة لتلك الشركات وتحديد اسعار الكارتات التي تبيعها للمستخدمين (Per User)، بما يناسب التكلفة، إضافة لهامش ربح محدد، وكفا جشعا، وبخلافه تفسخ عقودهم.
اما عمليات تهريب الانترنت والتي يتم اكتشافها من قبل الجهات الرقابية الحكومية بين الحين والاخر، واثبتوا ان المتضرر الوحيد منها هو المواطن وليس الشركات ،والتهريب يكون عبر المنافذ الشمالية، الا انه توسع ليشمل المنافذ الجنوبية، حيث ان الشركات لن تكون مضطرة للدفع الى الدولة مبالغ مالية جراء ادخال السعات الى العراق، بل انها تعمد الى ادخالها عبر الكابل الضوئي الى كردستان او البصرة او ديالى، ومن ثم تهريبها عبر اتصالات لا سلكية الى المناطق الأخرى، فالشركة التي كانت تنفق مئة الف دولار على السعات المهربة، باتت الان لا تدفع شيء، ولم تخفض السعر ايضا بل انها وفرت ما كانت تنفقه في السابق على السعات المهربة .
على الحكومة العراقية الاهتمام بهذا الملف الخطير لما يشكله من مشكلة حقيقية للمواطن العراقي بالدرجة الأولى، والهدر الكبير لإيراداته المالية من الثروة الوطنية التي يمكن استثمارها بالتنمية الاقتصادية بشكل عقلاني وبخاصة ان البلد بأمس الحاجة الى نهضة اقتصادية .

وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية