الصراع الداخلي الإيراني واستهداف الجهود الفرنسية

الصراع الداخلي الإيراني واستهداف الجهود الفرنسية

في الوقت الذي تتسارع الخطوات الدولية من أجل التوصل إلى نقطة وسط تسمح بالحد من وتيرة تصاعد الأزمة بين واشنطن وطهران، وتفتح الطريق أمام حل يعيد طرفي الأزمة إلى طاولة المفاوضات والنزول عن شجرة المواقف المتصلبة والشروط المتبادلة، يأتي حدث اعتقال الباحثة الفرنسية من أصول إيرانية فريبا عادل خواه، خلال زيارتها إلى ايران، ليكشف عن عمق الخلافات الداخلية الإيرانية حول المسار الذي تقوده حكومة الرئيس حسن روحاني من أجل الخروج من الأزمة القائمة والحد من الآثار السلبية للعقوبات الأميركية التي تخنق الاقتصاد الإيراني وتهدد بانهياره وانهيار النظام.

اعتقال الباحثة الفرنسية، بغض النظر عن الجهة التي تقف وراءه في الداخل الإيراني، ومن شبه المؤكد أنها تقع خارج سيطرة الحكومة وتوجهاتها، يستهدف المبادرة الفرنسية التي يقودها الرئيس إيمانويل ماكرون بين طهران وواشنطن والتقدم الإيجابي الذي تحقق على هذا الصعيد، إن كان لدى الجانب الإيراني أو لدى إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب. بالتالي، فإن ما حدث يكشف أن الداخل الإيراني يواجه انقساماً حاداً داخل التيار المتشدّد بين فريق أو جناح مدعوم من التيار الإصلاحي والقوى المعتدلة، يرى إمكان استغلال الفرصة الفرنسية لإعادة الحوار بين إيران والولايات المتحدة تحت السقف الذي يحفظ الحد الأدنى لإيران في الملفات موضوع الخلاف، ويعطي واشنطن الضمانات التي تسعى إليها في هذه الملفات وتؤسس لحوار ثنائي إيجابي مستقبلاً بين الطرفين. وبين فريق لا يزال متمسكاً برفض الاتفاق النووي وما حققه للنظام الإيراني، وهو الفريق الذي أعلن دعمه وتشجيعه للحكومة في الخطوات التي اتخذتها في تقليص التزاماتها ببنود الاتفاق النووي، لكنه اعتبر أن هذه الخطوات تبقى ناقصة ما لم تعمد الحكومة إلى اتخاذ قرار بالانسحاب الكامل من الاتفاق، الذي تسبّب بخسائر كبيرة ومجانية لإيران في مجال برنامجها النووي.

هذا الفريق المتشدّد ضد أي حوار أو اتفاق، والمتضرّر من هذا المسار التفاوضي والحواري الذي يقوده الرئيس روحاني مع المجتمع الدولي، ينطلق من تفاقم مخاوفه بخسارة كل الامتيازات التي حقّقها على مدى السنوات الماضية الاقتصادية والسياسية والإدارية، مستغلاً ما تتعرض له إيران من حصار سياسي واقتصادي دولي في السابق وأميركي بتداعيات دولية في هذه المرحلة. ويعتقد بأن أي بادرة إلى التوصل لحلول لهذه الأزمة ستكون على حساب مصالحه وموقعه داخل النظام وقدرته على التحكم بمسارات القرارات الإستراتيجية. ويستخدم هذا التيار الموقف “الضبابي” الذي يتخذه المرشد الأعلى للنظام لعرقلة جهود الحكومة، وذلك منذ الإعلان عن توقيع الاتفاق النووي عندما أكد أن موافقته على الاتفاق كانت من باب إعطاء الفرصة لجهود الحكومة مع “يقينه” بعدم صدقية الولايات المتحدة في الالتزام بالمعاهدات والاتفاقيات، وصولاً إلى تأكيده مؤخراً بأن مسار تقليص الالتزامات بهذا الاتفاق سيستمر. في المقابل، فإن فريق روحاني لا يخفي مخاوفه من الآثار السلبية لما تواجهه إيران جراء العقوبات الأميركية والضغوط السياسية المفروضة عليها. لذلك، فإن هذا الفريق يعتقد بأن انهيار الهيكل لن يطال فريقاً من دون الآخر من قوى النظام والمجتمع الإيراني، بل الجميع. وإن آثار هذا الانهيار، إن كان جراء عملية عسكرية أو اقتصادية، لن تقتصر على قوى النظام بل ستستمر تداعياتها زمناً طويلاً وسيتحمل تبعاته الشعب الإيراني بكامله من دون تمييز ولعقود طويلة كفيلة بتدمير كل ما عانى الإيرانيون من أجل تحقيقه على جميع المستويات الداخلية والإقليمية والدولية، اقتصادياً وصناعياً وعلمياً واجتماعياً وسياسياً.

من هنا، فإن المعركة التي يخوضها روحاني وفريقه والتيار العقلاني المدرك للمخاطر التي تحيق بإيران ونظامها وتهددهما، لن تكون سهلة وبسيطة. وهي الأصعب إذا ما قورنت بما يواجهه هذا الفريق في الصراع السياسي والأمني والاقتصادي الذي يخوضه مع الإدارة الأميركية حول العديد من الملفات، التي يعتبر البرنامج النووي واحداً منها، خصوصاً في الجهود التي يبذلها من أجل تدوير الزوايا في المواقف التصعيدية المتبادلة مع واشنطن حول الشروط والشروط المقابلة، وتحديداً في عدم التفاوض تحت ظل العقوبات والانسحاب من الاتفاق، من أجل حفظ ماء الوجه وأن لا يكون قرار الذهاب إلى التفاوض وكأنه إعلان هزيمة مسبقة أمام الضغوط والشروط الأميركية.

المؤشرات التي تصدر من الجانب الإيراني، إن كان في تصريحات رئيس دبلوماسيتها محمد جواد ظريف، أو في بعض الإجراءات التي تشهدها بعض الساحات الإقليمية، وتحديداً في العراق وسوريا ولبنان، تكشف عن رسائل إيرانية حول آليات التعاون الإيراني في هذه الملفات. وهو ما قد تكون قد قرأته الإدارة الأميركية في هذه التحولات، وقد يكون هذا الأمر في الخلفية التي دفعت الرئيس دونالد ترمب إلى حصر كلامه الأخير حول النفوذ الإقليمي الإيراني بضرورة الخروج الإيراني من الساحة اليمنية، التي تشكل منطقة نزاع أساسية بين إيران والسعودية. وعلى الرغم من صعوبة هذا المطلب وتعقيده، إلا أنه قد يكون من باب الضغط الأميركي لفرض تعاون إيراني إيجابي في هذا الملف، كما هو حاصل في الملفّين العراقي والسوري، عندما سهّلت إيران عملية دمج الحشد الشعبي في آليات المؤسسة العسكرية العراقية، والتعاون الذي تبديه فصائل هذا الحشد في مسألة عودة النازحين من المناطق المحرّرة من تنظيم داعش، خصوصاً في محافظة صلاح الدين وتحت إشراف مباشر من رجل إيران الأول في العراق “أبو مهدي المهندس”، الذي أشرف على انسحاب هذه الفصائل من المحافظة ووضعها بتصرف القيادة العسكرية ومجلس المحافظة تحت سقف القانون. وهو إجراء جاء بعد أيام من إعلان الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصرالله عن سحب معظم عناصر حزبه من سوريا (الانسحاب بدأ عملياً قبل أشهر بعيداً من الأضواء والإعلام)، فضلاً عن سماح هذا الحزب لأهالي منطقة القصير (غرب سوريا على الحدود مع لبنان) بالعودة إلى قراهم ومنازلهم، وهي المنطقة التي كانت تشكل عمقاً إستراتيجياً للحزب على الحدود المشتركة وداخل الأراضي السورية.

أما المؤشر الأبرز إلى إمكان التوصل إلى تفاهمات مع واشنطن، ما صدر من تلميحات غير مباشرة عن وزير الخارجية ظريف من نيويورك حول إمكان التفاوض على البرنامج الصاروخي، والذي لم يرفضه في المبدأ، إنما ربطه بملف تصدير الأسلحة الأميركية بما فيها الصواريخ إلى المنطقة. أي أن الخطوة الأساس التي يجب القيام بها في هذا الملف هي معالجة مصادر القلق الإيراني الأمني من محيطها الذي يمتد من السعودية إلى إسرائيل، التي تؤسس لبحث مسألة الحد من تطوير إيران لهذا البرنامج والإبقاء على قدراته بالمستوى الذي وصل إليه حتى الآن.

هذه الجهود التي تبذلها إيران لتدوير الزوايا في المواقف الأميركية من أجل التوصل إلى طريق وسط للجلوس إلى طاولة المفاوضات، تواجه أزمة في إثبات صدقية النظام الإيراني. فهل سيكون قادراً على ترميم الصدع الذي يحاول فريق في الداخل الإيراني إحداثه في جدار المبادرة التي يقودها الرئيس الفرنسي للتقريب بين وجهات نظر الفريقين تسمح لواشنطن بالتخلي عن السقف الذي وضعته في العقوبات ويشجع إيران والفريق المفاوض على مواجهة المعرقلين والذهاب إلى حلول تنهي الأزمة وتضع المنطقة على سكة الحل. تساؤلات قد تجيب عنها التطورات المقبلة.

اندبندت