دمشق – لقي أكثر من 40 شخصا حتفهم، فيما أصيب أكثر من مئة آخرين بجروح جراء غارات عدة استهدفت مناطق في شمال غرب سوريا، في تصعيد جديد يعكس إصرار موسكو ودمشق على استعادة المنطقة من التنظيمات الإسلامية والجهادية التي تبسط نفوذها عليها بدعم من تركيا.
وأحصى المرصد السوري لحقوق الإنسان ارتفاع حصيلة الغارات على سوق في مدينة معرة النعمان ومحيطه إلى 37 شخصا، هم 35 مدنيا واثنان لم تحدد هويتهما بعد. كما قتل ستة مدنيين آخرين جراء قصف للطيران السوري على مدينة سراقب في محافظة إدلب.
وكانت حصيلة سابقة للمرصد أفادت بمقتل 23 شخصا. واتهم المرصد الطائرات الروسية بشن هذه الغارات، الأمر الذي نفته موسكو. ووصفت وزارة الدفاع الروسية في بيان نقلته وكالة “تاس” الحكومية اتهامها بشن الغارات بـ”تصريحات كاذبة”. وشددت على أنّ “القوات الجوية الروسية لم تنفذ أي مهمات” في تلك المنطقة من سوريا.
وبغض النظر حول ما إذا كانت الضربات الجوية تعود لروسيا أو للنظام السوري، فالواضح أن هناك تغيرا في استراتيجية الطرفين لاستعادة المنطقة، بعد أن فشلت عمليات التغول البري نتيجة شراسة التنظيمات الجهادية التي تقودها جبهة فتح الشام (النصرة سابقا) فضلا عن وصول دعم عسكري تركي لها في الفترة الأخيرة.
ووفق ما أوضح رئيس المجلس المحلي في مدينة معرة النعمان بلال ذكرى لوكالة فرانس برس، حصل القصف عند “الساعة الثامنة صباحا (05:00 ت غ)، في وقت يخرج فيه الناس لقضاء حاجاتهم وإلى أعمالهم”.
وتمسك جبهة تحرير الشام بزمام الأمور إداريا وعسكريا في محافظة إدلب ومحيطها، حيث تتواجد أيضا فصائل إسلامية ومقاتلة أقل نفوذا.
وترد الفصائل المقاتلة باستهداف مناطق تحت سيطرة قوات النظام. وأفادت وكالة الأنباء السورية الرسمية “سانا” الإثنين عن مقتل “سبعة مدنيين بينهم طفلتان باعتداء إرهابي بقذيفة صاروخية” على قرية ناعور جورين في ريف حماة الشمالي.
وجاءت حصيلة القتلى الاثنين غداة مقتل 17 مدنيا بقصف سوري، بالإضافة إلى مقتل مدني آخر بغارات روسية على مدينة خان شيخون، هو أنس الدياب (22 عاما) المتطوع في منظمة الخوذ البيضاء ومصور فوتوغرافي ومصور فيديو تعاون مع وكالة فرانس برس.
ووفق المرصد السوري، قتل منذ بدء التصعيد نهاية أبريل، أكثر من 650 مدنيا جراء القصف السوري والروسي، فيما قتل 53 مدنيا في قصف للفصائل المقاتلة والجهادية على مناطق سيطرة قوات النظام القريبة.
ووفق الأمم المتحدة، دفع التصعيد أكثر من 330 ألف شخص إلى النزوح من مناطقهم. وباتت مناطق بأكملها في ريف إدلب الجنوبي بينها مدينة خان شيخون شبه خالية من سكانها.
وأبلغ الفاتيكان الاثنين دمشق قلقه إزاء وضع المدنيين في إدلب. وأعلن في بيان مقتضب أن وزير الشؤون الاجتماعية الكاردينال بيتر تركسون التقى برفقة السفير البابوي في دمشق الكاردينال ماريو زيناري الرئيس بشار الأسد صباح الإثنين. وسلماه رسالة من البابا فرنسيس أعرب فيها عن “قلقه العميق إزاء الوضع الإنساني في سوريا، وبشكل خاص الظروف المأساوية للمدنيين في إدلب”.
وبدورها حثّت الأمم المتحدة أطراف النزاع كافة على “تهدئة الوضع في شمال غرب سوريا وإعادة الالتزام بوقف إطلاق النار”. وقال المتحدث باسم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية الإقليمي التابع للأمم المتحدة دايفيد سوانسون إنّ المنطقة “باتت سريعا واحدة من أخطر الأماكن في العالم حاليا بالنسبة إلى المدنيين والعاملين الإنسانيين”.
ووفق المرصد، يتزامن القصف الكثيف مع “معارك كر وفر واستنزاف” بين قوات النظام والفصائل في ريف حماة الشمالي، من دون أن تتمكن دمشق من تحقيق أي تقدم استراتيجي.
ويعرب الباحث في مجموعة الأزمات الدولية سام هيلر عن اعتقاده بأن “كل طرف يحاول الضغط على الطرف الآخر، إما عن طريق الشركاء السوريين على الأرض” عبر المعارك وإما “بشكل مباشر في حال القصف الروسي على إدلب”.
ووفق هيلر، من المتوقّع أن تستمر هذه الهجمات “حتى يتوصل الطرفان التركي والروسي إلى حل، ومن ثم إقناع شركائهما السوريين على الأرض بذلك”.
وكان وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف قد جدد الأسبوع الماضي موقف بلاده بأنه لا مجال لبقاء التنظيمات الجهادية في إدلب.
وتشهد سوريا نزاعا داميا تسبب منذ اندلاعه في العام 2011 بمقتل أكثر من 370 ألف شخص وأدى إلى نزوح وتشريد أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها.
العرب