تركيا صعدت في الفترة الأخيرة من تهديداتها باجتياح شرق الفرات خاصة بعد تحركات أميركية في الفضاء الأوروبي لإقناع شركائها بإرسال قوات برية للمنطقة، ويعتقد كثيرون أن التهويل التركي الجاري ليس الهدف منه سوى الضغط على واشنطن، حيث أنها في ظل الوضع الإقليمي والداخلي لا يمكن لأنقرة الإقدام على هكذا مغامرة.
دمشق – أعلنت وزارة الدفاع التركية أن الوزير خلوصي أكار اجتمع الخميس مع مسؤولين عسكريين لبحث عملية محتملة في شرق الفرات بعد يوم من تحذير أنقرة من أنها ستتحرك إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة بشأن منطقة آمنة مزمعة.
ونقلت الوزارة عن أكار قوله في بيان “نقلنا آراءنا وطلباتنا إلى الوفد الأميركي الذي جاءنا. نتوقع منهم تقييمها والرد علينا فورا”. وأضاف “أكدنا لهم من جديد أننا لن نتغاضى عن أي تأخير، وأننا سنبادر بالفعل إذا اقتضت الضرورة”.
ويتشكك كثيرون في إمكانية أن تقدم أنقرة بشكل منفرد ودون غطاء أميركي أو روسي على عملية جديدة تستهدف شرق الفرات الذي يشكل ربع المساحة السورية وتسيطر عليه قوات سوريا الديمقراطية الشريك الرئيسي للتحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
ويعتبر هؤلاء أن الحشد العسكري والتصعيد الدبلوماسي التركي هدفهما الضغط على الولايات المتحدة، خاصة وأن الأخيرة قد نشطت اتصالاتها في الفترة الأخيرة مع حلفائها الأوروبيين لإرسال قوات برية يراد لها أن تتولى إدارة المنطقة الآمنة الموعودة في الشمال السوري.
وقالت تركيا الأربعاء إن صبرها على الولايات المتحدة نفد في المحادثات المتعلقة بإقامة المنطقة الآمنة، عقب اجتماع مسؤولين أتراك بوفد أميركي يقوده المبعوث الخاص إلى سوريا جيمس جيفري في أنقرة.
وتشعر تركيا بالغضب من الدعم الأميركي لقوات سوريا الديمقراطية التي تقودها وحدات حماية الشعب الكردية التي تصنفها أنقرة منظمة إرهابية. وقامت تركيا في الفترة الأخيرة بإرسال حشود عسكرية إلى الحدود مع سوريا ملوّحة بشن عملية عسكرية شرق الفرات في حال لم تستجب الإدارة الأميركية لمطالبها، في علاقة بالمنطقة الآمنة التي كان طرحها الرئيس دونالد ترامب كحل وسط بين الأكراد وتركيا عقب إعلانه في ديسمبر الماضي سحب القوات الأميركية من الأراضي السورية.
وقال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو عقب اجتماعه بجيفري الأربعاء إن الاقتراحات الأميركية الجديدة المتعلقة بالمنطقة الآمنة في شمال سوريا لا ترضي تركيا، مضيفا أنه ينبغي التوصل إلى اتفاق بهذا الشأن في أقرب وقت ممكن لأن صبر أنقرة قد نفد.
وخلال مؤتمر صحافي في أنقرة قال أوغلو إن البلدين لم يتفقا على مدى عمق المنطقة ومن ستكون له السيطرة عليها وما إذا كان سيتم إخراج وحدات حماية الشعب بالكامل منها.
وأوضح جاويش أوغلو “لدينا انطباع بأنهم يريدون الدخول في عملية مماطلة هنا مثلما حدث في منبج”، في إشارة إلى خارطة طريق اتفق عليها في العام الماضي لإخراج وحدات حماية الشعب من البلدة الواقعة في شمال سوريا. وأضاف “ينبغي أن نتوصل إلى اتفاق بشأن المنطقة الآمنة في أقرب وقت ممكن لأن صبرنا نفد”. وقال أيضا إن اجتماع مسؤولين من الجيش الأميركي مع قائد بوحدات حماية الشعب الكردية الاثنين، وهو اليوم نفسه الذي أجرى فيه جيفري محادثات في وزارة الخارجية، يشير إلى أن واشنطن لا تتعامل بنية صادقة.
وكان الوزير التركي قد صرح الاثنين أنه إذا لم يتم إنشاء المنطقة الآمنة في شمال سوريا وإذا استمرت التهديدات ضد تركيا فسوف تبدأ أنقرة عملية عسكرية شرقي نهر الفرات، وهي خطوة هددت أنقرة باتخاذها في ما سبق.
ويخشى الأكراد من أن تقدم على تنفيذ تهديدها مستغلة انشغال الغرب والولايات المتحدة بالصراع مع إيران، وما يزيد من مخاوفهم كم التعزيز العسكري الذي استقدمته أنقرة إلى الحدود السورية، حيث أنه ليس متوقعا أن يكون هذا الحشد موجها لمناصرة الجماعات الجهادية في إدلب وضواحيها ضد روسيا.
في المقابل فإن محللين وسياسيين يعتبرون أن تركيا ليست في وضع داخلي أو إقليمي يسمح لها بالمجازفة بهذه الخطوة دون الحصول على غطاء أميركي، وأنه بعد تحدي الولايات المتحدة من خلال شرائها أس 400، لن تقدم على خطوة استفزازية أخرى تضعها في مواجهة مباشرة مع واشنطن، التي تحاول بصعوبة هضم ما أقدمت عليه أنقرة بشرائها لمنظومة الدفاع الجوية الروسية.
وقال عضو في حزب سوريا المستقبل فرع عفرين محمد رشيد إن التهديدات التركية “هي لصرف الأنظار عن الأزمة الداخلية التي تشهدها تركيا، والجميع يعلم بأن تركيا تعيش أزمات داخلية بعد شرائها لمنظومة أس 400 وتنقيبها عن الغاز في البحر المتوسط”.
واعتبر رشيد في تصريحات لوكالة “هاوار” الكردية بأن جولات جيمس جيفري ومسؤولين أميركيين “هي لإشعار تركيا بأنه ليس لها دور في المجال الذي تتخبط فيه، فلا يمكن لتركيا أن تأخذ مسارا لنفسها دون الرجوع إلى التحالف الدولي وروسيا”.
وعقب رشيد على الاجتماع الذي جمع إسرائيل وروسيا والولايات المتحدة في وقت سابق قائلا “في ذلك الاجتماع أجمعت الأطراف على إخراج تركيا وإيران من سوريا وإبعادهما عن المنطقة”.
ومن الصعب أن تجد تركيا دعما من روسيا للسيطرة على شرق الفرات لعدة اعتبارات بينها أن ذلك يتعارض وأهدافها القائمة على استعادة الحكومة السورية كامل سيطرتها على البلاد، فضلا عن كون شرق الفرات بالذات يشكل عصب هذه الدولة باعتباره يضم أخصب الأراضي السورية وأهم منابع الغاز.
وإلى جانب ذلك تدرك موسكو أن استفزاز الولايات المتحدة بهذا الشكل سيؤدي إلى تعقد المشهد مجددا وهي تدرك أن لا سلام حقيقيا في هذا البلد دون التوصل لتوافقات مع واشنطن.
ويدحض مراقبون فرضية أن تتم عملية مساومة بين موسكو وأنقرة بشأن إدلب وشرق الفرات مثلما جرى في السابق حينما سلمت تركيا وجماعاتها الجهادية الغوطة الشرقية للنظام، مقابل الحصول على ضوء أخضر روسي لاحتلال عفرين ذات الغالبية الكردية في ريف حلب.
ويعتبر المراقبون أن الوضعية مختلفة تماما وبالتالي فإن عملية التهويل التركي الجارية والتهديد بشن عملية شرق الفرات لا تعدو كونها للترويج الداخلي وللضغط على واشنطن التي يستبعد أن تخضع للابتزاز التركي، خاصة وأن استراتيجيتها في سوريا تقوم أساسا على الحليف الكردي.
العرب