في واحدة من «خرجاته» التي اعتادها العالم، وأثناء تهديده بمحو سكان أفغانستان بالقنابل النووية، شكك الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإمكانية أن تلعب بلاده دوراً في حماية ناقلات النفط بمضيق هرمز، قائلاً إن تواجد قوات بلاده في تلك المنطقة «يفيد الدول الغنية»، وبما أن بلاده لم تعد بحاجة للنفط فإن أي دور أمريكي في هذا الشأن «سيفيد مصدري النفط الأغنياء جداً في الشرق الأوسط، والمستوردين الآسيويين»، متسائلاً: «لماذا نقوم بأنشطة الحماية من أجل الصين؟ إنها غنية جداً. وبالنسبة لليابان، فهي غنية جداً. لماذا نفعل ذلك؟ لماذا لدينا سفن هناك؟».
يتجاهل ترامب طبعاً أن سبب حاجة ناقلات النفط في مضيق هرمز (وبعض منها أمريكية طبعاً) للحماية حالياً هو التوتر المتصاعد بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، والذي يتحمل ترامب شخصياً مسؤوليته لقيامه بإلغاء الاتفاق النووي الدولي مع إيران، والعقوبات الاقتصادية المتصاعدة عليها، وصولاً إلى احتجاز بريطانيا، بطلب من إدارته، لناقلة نفط إيرانية عملاقة في مضيق جبل طارق، وهو ما أدى إلى قيام طهران باحتجاز ناقلة نفط بريطانية، وبالتالي تعريض النقل النفطي في مضيق هرمز للأخطار.
يتجاهل الرئيس الأمريكي أيضاً أن تأمين منطقة الخليج العربي، التي تمر عبر مياهها نصف الإمدادات النفطية في العالم، هو من مهام الأسطول الأمريكي الخامس الذي مقره البحرين، وإذا كانت هذه المهمة، جزئياً، لأن كمية كبيرة من النفط كانت تتوجه إلى أمريكا، فإنها تتعلق، فعلياً، بكون الولايات المتحدة الأمريكية تسيطر على البحار والمحيطات، وأن هذه المهمة التي حصلت عليها بالقوة والضغط على القوى الكبرى السابقة، وبينها بريطانيا، هي لضمان الحركة العسكرية للقوات الأمريكية عبر العالم، وكذلك للضغط السياسي والاقتصادي، وهو ما يساهم في تأكيد السيطرة العسكرية والسياسية والاقتصادية الأمريكية في العالم. فلو كان الأمر يتعلق بالنفط فحسب، فلماذا تضغط قوات أمريكا البحرية لمنع الصين من السيطرة على بحر الصين، وإذا كان الأمر لتوفير الموارد فلماذا لا يسحب ترامب قواته من بحر الصين، أو من قواعده المنتشرة في أوروبا وآسيا والمحيطين الأطلسي والهادي؟
حاولت إدارة ترامب في حزيران/يونيو الماضي تدشين مهمة دولية لحماية الملاحة في الخليج أثناء اجتماع وزراء دفاع دول حلف شمال الأطلسي، وهو ما قوبل برفض أوروبي، ولسان حال الأوروبيين يذكر بالمثل العربي القديم: يداك أوكتا وفوك نفخ، وهو مثل يقال على الشخص الذي أوقع نفسه في مصيبة ثم أخذ يستجير بالآخرين.
يحاول ترامب، منذ دخوله البيت الأبيض، استبدال عقيدة الجيش الأمريكي بتحويله من شرطي العالم إلى تاجر متعهد يريد الحصول على أسعار أرخص، وهي عقلية قد تنجح في إنجاز صفقات العقارات وأساليب التهرب من الضرائب، ولكنها ليست من الأركان التي تبنى عليها الأمم عموماً، وأمريكا خصوصاً.
القدس العربي