بغداد – رغم الإجماع الدولي الواسع على الجرائم التي ارتكبها تنظيم الدولة الإسلامية خصوصا في العراق وسوريا، لم يحسم العالم في مسألة تركيز هيكل خاص تتم عبره محاكمة كل من شارك في سفك دماء الأبرياء.
وبقي ملف محاكمة الدواعش مفتوحا على أكثر من احتمال، ففي حين ترفض الدول الأوروبية عودة المقاتلين من أبنائها وتركهم إما أمام أنظار القضاء العراقي أو في سجون قوات سوريا الديمقراطية، يطالب الكثير من الخبراء بوجوب تشكيل محكمة خاصة لمحاكمة الإرهابيين أولا ولإنصاف الضحايا وخاصة لتفكيك أيديولوجيا تنظيم داعش. ومن بين الخبراء الأكثر تشبّثا بهذا المطلب الأخير، كريم خان الذي يقود تحقيقات الأمم المتحدة حول جرائم الجهاديين والذي يؤكّد أنه على غرار ما حصل مع النازية، يجب تشكيل محكمة “نورمبرغ” جديدة ولكن هذه المرة للاستماع إلى ضحايا تنظيم الدولة الإسلامية و”تفكيك” عقيدته.
منذ عام، يجول كريم خان المحامي البريطاني العراق مع نحو 80 شخصا لجمع الأدلة والشهادات. ويقر هذا الحقوقي ورئيس فريق التحقيق التابع للأمم المتحدة لتعزيز المساءلة عن الجرائم المرتكبة من جانب تنظيم الدولة الإسلامية (يونيتاد) بأن العمل الذي يقوم به “جبل يجب تسلقه”، بالتزامن مع قيام الأمم المتحدة بتحليل ما يصل إلى 12 ألف جثة استخرجت من أكثر من مئتي مقبرة جماعية، و600 ألف شريط فيديو لجرائم تنظيم الدولة الإسلامية، إضافة إلى 15 ألف وثيقة لبيروقراطية التنظيم نفسه. قبل خمس سنوات كان التنظيم المتطرف يسيطر على أراض تساوي مساحة بريطانيا، و”الخلافة” تسيطر على سبعة ملايين شخص بين العراق وسوريا، مع إدارات ومدارس وأطفال جنود، وتطبيق صارم للشريعة.
أما بالنسبة لأبناء الأقليات الذين كانوا يعتبرون “زنادقة” أو “شياطين”، فقد قُتل الآلاف منهم، فيما تعرض آخرون للتعذيب أو الاسترقاق.
محكمة لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق قد تساعد على فصل سم داعش عن الطائفة السنية التي تشكل الأقلية
ويقول خان في مقر الأمم المتحدة الشديد التحصين في بغداد إن تنظيم الدولة الإسلامية “لم يكن عصابة أو جماعة متمردة متنقلة، كان ظاهرة غير معتادة” بالنسبة للعدالة الدولية.
ويضيف أنه لم يكن لدى تنظيم الدولة الإسلامية “أي محرمات، من كان يعتقد أنه سيرى في القرن الحادي والعشرين عملية صلب، وإحراق رجال أحياء في أقفاص، واستعبادا جنسيا، وإلقاء رجال من الأسطح وقطع رؤوس؟”، و”كل ذلك تحت أعين الكاميرات”.
ويشدد خان على أنه رغم ذلك الرعب، تلك الجرائم “ليست جديدة، الجديد مع داعش هو الأيديولوجيا التي تغذي الجماعة الإجرامية”، “مثل النازيين” من قبله.
كانت للفاشية الألمانية في نورمبرغ عام 1945 و1946 أول محكمة دولية في التاريخ أنشئت لمحاكمة مجرمي الحرب النازيين المسؤولين عن عمليات قتل يهود بشكل منهجي.
ويقول خان إنه بعد تنظيم الدولة الإسلامية “يحتاج العراق والإنسانية إلى نورمبرغ خاصة”.
ويضيف أنه بعد هذه المحكمة “لا يمكن لأحد أن يتبنى مبادئ ‘كفاحي’ (الذي كتبه أدولف هتلر) وأخذه على محمل الجد، سيتم تنشيط إشارات الإنذار للوعي الجماعي”.
ويتابع خان قائلا “إن نورمبرغ أيضا فصلت سم الفاشية عن الشعب الألماني”، مؤكدا أنه “لم تكن هناك مسؤولية جماعية، بل أفراد مسؤولون ومدانون”.
وبالتالي، فإن محكمة لتنظيم الدولة الإسلامية “قد تساعد على فصل سمّ داعش عن الطائفة السنية” الأقلية في العراق، الذي يشكل المسلمون الشيعة ثلثي سكانه.
وكما “علمت نورمبرغ ألمانيا وأوروبا”، فإن محاكمة لتنظيم الدولة الإسلامية ستخدم العراق و”أطرافا أخرى في العالم، حيث قد تكون هناك مكونات عرضة للسقوط في دعاية داعش”، وفق خان.
ويلفت خان إلى أن ذلك سيساعد أيضا على “إزالة الغموض وتفكيك هذه الأيديولوجيا، ويمكن للجمهور أن يدرك حقيقة واضحة: إنها الدولة الأقل إسلامية في الوجود”، بينما يحاول فريق “يونيتاد” إثبات وقوع جريمة ضد الإنسانية أو جريمة حرب أو “إبادة جماعية”، وهي الجرائم الأخطر في القانون الدولي.
ويحذر خان من أن هذه الأدلة التي تم جمعها من مقابر جماعية أو خيام النازحين أو من محفوظات تنظيم الدولة الإسلامية “لن تبقى في مكتب للزينة”.
ويضيف “سترون في غضون شهرين، أننا سنأتي بعناصر لتعليمات جارية في بعض البلدان”، من دون تسميتها.
الـ”يونيتاد” يرفع قضاياه التي قد تسمح للدول -على غرار ألمانيا التي لها ولاية قضائية عالمية- بالحكم في الجرائم، بغض النظر عن مكان ارتكابها وهوية الجناة والضحايا.
وبالفعل فقد أجريت محاكمات -خصوصا في فرنسا- لهجمات تبناها تنظيم الدولة الإسلامية، أو في ميونيخ حيث أدينت ألمانية بعدما تركت فتاة أيزيدية “بيعت في سوق النخاسة”، تموت عطشا. لكن، وفق خان، فإن “أول متلق لمعلوماتنا هو العراق”، حيث يحكم على عراقيين يوميا بالإعدام غالبا، بتهمة الانتماء إلى تنظيم الدولة الإسلامية، سواء شاركوا في المعارك أم لم يشاركوا.
يؤكد خان أن “أهمية المكان صغيرة”، خصوصا وأن خيار المحكمة الدولية قد ذكر في بعض العواصم، لكن يبدو أنه غير مرجح في المستقبل القريب.
لكن الأساسي وفق المحامي هو ضمان “حق الضحايا في إسماع أصواتهم “، لأن تلك الأصوات بقيت مكتومة لثلاث سنوات بفعل ضوضاء الدعاية الجهادية والمعارك، وهي تكافح اليوم كي لا تذهب قضيتهم أدراج النسيان في عراق ما بعد تنظيم الدولة الإسلامية.
العرب