تؤدي جملة التقارير في الأيام الأخيرة إلى استنتاج واحد: المعركة الإسرائيلية ضد التواجد الإيراني في سوريا تتسع إلى العراق أيضاً. التواجد العسكري الإيراني في العراق ليس جديداً. فمنذ سنوات عديدة وإيران تعمل فيه، ولا سيما من خلال الحرس الثوري، علناً وفي الخفاء أساساً.
في التقدير الاستخباري للسنة الماضي (2018) أشارت “أمان” (شعبة الاستخبارات العسكرية) إلى أن إيران ستصعد نشاطها في العراق، لدافعين أساسيين: للسيطرة على مراكز القوة فيه بعد انسحاب القوات الأمريكية من المنطقة، وكقاعدة بديلة للميليشيات الشيعية في هذا المكان لم يتم إقامتها في سوريا كنتيجة للهجمات الإسرائيلية. وقدرت بعض محافل الاستخبارات حتى بأن هذه القواعد كفيلة بأن تستخدم في المستقبل لإطلاق الصواريخ نحو إسرائيل.
يخيل أن النشاط الإيراني الحالي، كما ينعكس من التقارير في وسائل الإعلام العربية، مختلف. ليست قواعد دائمة، بل محطات انتقالية للصواريخ التي كانت في طريقها إلى سوريا. ويتضح من التقرير في صحيفة “الشرق الأوسط” بأن شاحنات أخفيت فيها صواريخ تعرضت للهجوم– وهي طريقة عمل معروفة للإيرانيين، متبعة أيضاً في محاولات تهريب الصواريخ إلى حزب الله في لبنان. وأشار أحد التقارير إلى أن الحديث يدور عن صواريخ من طراز “ذو الفقار” – طراز متطور، دقيق وذو رأس متفجر ثقيل لصواريخ “فاتح 110”.
معقول أن يكون المسار البري قد فتح كنتيجة لسلسلة الهجمات التي نفذها سلاح الجو على إرساليات السلاح التي نقلت من إيران إلى المطارات في سوريا. في بداية السنة وجهت بعض الهجمات ضد نطاق خاص لإيران وحزب الله في مطار دمشق الدولي، في أعقابها طلبت سوريا من إيران أن تتوقف عن النشاط في المطار كي لا تعرض النشاط المدني فيه للخطر. وفي أعقاب ذلك، نقلت إيران بالطيران إرساليات إلى مطار “تي فور” في شمال سوريا معتقدة أنها ستكون محمية هناك (في ظل التواجد الروسي في المنشأة)، ولكن بعد أن تعرضت للهجوم هناك يبدو أنها اختارت التركيز على قوافل الشاحنات التي تتحرك إلى سوريا في المسار البري.
إذا ربطنا التقارير في وسائل الإعلام العربية ترتسم صورة نفذت بموجبها بضع هجمات إسرائيلية في الأيام الأخيرة، ويحتمل ألا تكون هذه هي الوحيدة. ففي تقرير سابق لشبكة “العربية” جاء أن الهجوم (في الحالة إياها نحو هدف مجاور لمدينة تكريت، في شمال العراق) نفذته طائرة مسيرة. ونفت الولايات المتحدة رسمياً أن تكون ضالعة في هذا العمل، ويبدو بالتالي أن إسرائيل قررت توسيع نشاطها إلى خارج حدود سوريا أيضاً، لتضرب تجمعات الصواريخ قبل أن تتحرك غرباً.
يبدو أنه رغم النشاط الإسرائيلي المكثف –في سوريا أساساً، والآن في العراق– لا تتراجع إيران عن خططها لتسليح حزب الله بسلاح متطور وإقامة استحكامات متقدمة لقواتها في سوريا. والمعنى هو أن هذا النشاط، للطرفين، سيستمر أيضاً في الفترة القريبة القادمة، حين من المتوقع للطرفين أن يواصلا اتباع القواعد غير المكتوبة التي يتصرفان بموجبها: نشاط سري، دون أخذ المسؤولية، مما يسمح بمجال مناورة أكبر نسبياً، ويقلص مجال رد الفعل للطرف الثاني وخطر التورط في تصعيد غير مرغوب فيه.
القدس العربي