اليمين الأمريكى والأوهام العربية

اليمين الأمريكى والأوهام العربية

تلقت عواصم عربية خبر فوز دونالد ترامب بالرئاسة بسعادة وترحيب كبيرين، إذ رأت فى فوز ترامب، وانتقال موازين القوة داخل البيت الأبيض بمثابة فرصة لإعادة تقديم أنفسهم كحليف وضامن للمصالح الأمريكية فى الشرق الأوسط. وشجع بصورة كبيرة خطاب ترامب المعادى للاتفاق النووى مع إيران وتعهده بانسحاب بلاده حال وصوله للبيت الأبيض، وهو ما تم بالفعل، عواصم عربية على الترحيب به. وأضاف عداء ترامب الواضح للربيع العربى سببا إضافيا للترحيب به وبخطابه اليمينى. ويكُن ترامب عداء معلنا لقوى الإسلام السياسى، كما عبر عنه منذ خطاب حملته الرئاسية وحتى الآن. ولم تنبع مواقف ترامب بخصوص القضايا السابقة تلبية لرغبات نظم عربية محددة، بل كانت بالأساس قرارات داخلية تتسق مع الخط العام للتيار المتشدد اليمينى داخل الحزب الجمهورى، والذى يدير بصورة كبيرة سياسة ترامب الخارجية.
***
ومثلت الزيارة التاريخية التى قام بها الرئيس ترامب للرياض، والتى كانت الزيارة الأولى له خارج الولايات المتحدة، منعطفا هاما فى علاقات التحالف بين اليمين الأمريكى وعواصم عربية تتبنى سياسات متوائمة مع سياسات ترامب فى المنطقة العربية. وبعد القمة بأيام، قام الملك سلمان بإصدار أمر ملكى أعفى بمقتضاه ولى العهد، الأمير محمد بن نايف من منصبه، وعين نجله الأمير محمد بن سلمان مكانه وليا للعهد. واعتبر الكثير من الخبراء أن ذلك الانتقال تم بمباركة البيت الأبيض ودعما للتوجه اليمينى لولى العهد. وانتقد ستيفن بانون، المستشار الاستراتيجى السابق للرئيس دونالد ترامب، عدم الإشادة بدور الرئيس ترامب فيما حدث فى المملكة السعودية من تغيرات، وإعادة التشكيل الهيكلى فى بنيتها الاجتماعية والسياسية منذ قيام ترامب بزيارته للمملكة فى نهايات شهر مايو 2017. وقال بانون فى ندوة حضرتها بمعهد هدسون بواشنطن إن «الإعلام الأمريكى يتجاهل الإشادة بما قام ويقوم به ترامب من دعم كامل لمحمد بن سلمان ولى العهد السعودى وخطواته الجريئة. لا أحد يدعم محمد بن سلمان مثلما يدعمه الرئيس ترامب.
***
اختار ترامب، كممثل لقوى اليمين الأمريكى، تجاهل ما اعتادت عليه واشنطن من توجيه بعض اللوم والتوبيخ أحيانا على سوء سجل ملفات حقوق الإنسان، أو اضطهاد الأقليات أو غياب الحريات الدينية مع دول حليفة لها فى الشرق الأوسط. ومثلت حالة دعم إدارة ترامب اللامحدود لولى العهد السعودى محمد بن سلمان فى قضية مقتل الكاتب الصحفى جمال خاشقجى، نموذجا على موقف ترامب من قضايا حقوق الإنسان فى المنطقة العربية.
وجاء قرار الرئيس ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل فى ديسمبر 2017، ثم نقل السفارة إليها، ليغازل عاطفية القضية ومركزيتها عند تيار مهم من مناصريه المسيحيين الإيفانجاليكال اليمينيين ممن يؤمنون، بناء على معتقداتٍ دينيةٍ بضرورة عودة الشعب اليهودى إلى أرضه الموعودة فى فلسطين، كل فلسطين، وإقامة كيان يهودى فيها، يمهد للعودة الثانية للمسيح، وتأسيسه مملكة الألف عام.
ويرفض اليمين الأمريكى ممثلا فى ترامب وأركان إدارته من المتدينين المنتمين لجماعة حزب الشاى مثل وزير الخارجية الحالى مايك بومبيو، إضافة لنائب الرئيس مايك بينس الممثل الأهم لحركة الإيفانجاليكال البروتستانتية، وأخيرا جون بولتون أحد صقور حركة المحافظين الجدد الأمريكية، حق الفلسطينيين فى دولة مستقلة. ويرفض هذا التيار وجود دولة فلسطينية على حدود ما قبل 5 يونيو 1967، ويرفض عودة اللاجئين، ويرفض أى حوار بشأن مستقبل القدس.
وشهدت السنتان الماضيتان عددا من الخطوات الخطيرة التى اتخذتها إدارة ترامب تمهيدا للإعلان عن خطته للسلام فى الشرق الأوسط، فقد بدأ ترامب بالاعتراف بمدينة القدس كعاصمة موحدة لإسرائيل فى ديسمبر 2017، وذلك قبل أن ينقل رسميا وعمليا السفارة الأمريكية لدى إسرائيل من مدينة تل أبيب للقدس فى مايو 2018. ثم خفض ترامب المساعدات المالية المقدمة للسلطة الفلسطينية، وأوقف المساهمة الأمريكية المالية لمؤسسة الأنروا التابعة للأمم المتحدة والمعنية باللاجئين الفلسطينيين. ثم أغلقت إدارة ترامب مكتب منظمة التحرير الفلسطينية فى واشنطن، وهو المكتب الذى كان يقوم بمهام تقترب من مهام السفارات والقنصليات الأجنبية فى العاصمة الأمريكية. ويدعم اليمين العربى ويبارك الجهود الأمريكية بصور مختلفة.
***
تضغط إدارة الرئيس دونالد ترامب على أصدقائها العرب السُنة من أجل تأسيس تحالف إقليمى عسكرى يعرف باسم «تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجى» أو اختصارا بكلمة ميسا MESA، ويطلق عليه رمزيا «الناتو العربى». وترغب إدارة ترامب فى تأسيس التحالف الذى يضم إضافة إليها ثمانى دول عربية إلى دول مجلس التعاون الخليجى الست والأردن. ويأمل البيت الأبيض أن يخلق التحالف الجديد جبهة محلية قوية لمواجهة الجماعات المتطرفة وإيران بما يخفف من الضغوط والعبء العسكرى على الولايات المتحدة فى الحفاظ على استقرار المنطقة. وتقف عواصم اليمين العربى فى صف واشنطن فى عمليات التصعيد المستمرة فى الخليج العربى بين طهران وواشنطن. فى ذات الوقت يدعم اليمين الأمريكى التحالف العربى فى حربه على اليمن. وعلى الرغم من اتخاذ الكونجرس العديد من القرارات ضد تقديم الدعم العسكرى للتحالف وتصويته لحظر تصدير السلاح، فإن الرئيس ترامب استخدم الفيتو الرئاسى مرات للحيلولة ضد تفعيل تلك القرارات.
***
يعكس موقف الرئيس ترامب كممثل لرؤية اليمين الأمريكى التى مفادها أن أى ديمقراطية عربية هى خطر على المصالح الأمريكية، وأنه من الأفضل لواشنطن أن تتعامل مع نظم قوية وإن كانت مستبدة. ولا تؤثر النظم العربية اليمينية على الرئيس ترامب كما يتوهم البعض منهم، فما يقوم به ترامب هو ترجمة دقيقة لتصور أجندة اليمين الأمريكى للمنطقة.
كاتب صحفى يكتب من واشنطن