تعيد الإجراءات التركية حيال اللاجئين السوريين فتح ملف اللجوء السوري الذي بدأ منذ أول رصاصة أطلقها النظام السوري على المظاهرات السلمية في ربيع عام 2011، ولم يتوقف؛ حيث يتواصل النزوح على نحو يفوق الوصف. وقد نشرت الأمم المتحدة أن عدد النازحين من ريفي حماة وإدلب خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة تجاوز أربعمائة ألف جرّاء المعارك التي يشنها النظام بقرار روسي، من أجل السيطرة على مناطق المعارضة. وكان هؤلاء سوف يتجهون نحو تركيا، لو لم تغلق حدودها بسبب العدد الكبير الذي دخلها طوال ثماني سنوات، وهو يتجاوز ثلاثة ملايين ونصف المليون، ولذلك فإنهم ظلوا في العراء هائمين في الحقول.
ويظهر من الإجراءات التي تنفذها السلطات التركية لتنظيم اللجوء السوري منذ حوالي أسبوعين أن هذا البلد بدأ يعاني من تداعيات هذا الملف، بعد أن أداره عدة سنوات من دون أية آثار سلبية على اللاجئين. ومهما بلغت المساعدات التي قدمتها الأمم المتحدة والدول الغربية لتركيا من أجل تخفيف وطأة اللجوء عليها، فإن هناك أعباء كبيرة تترتب على استقبال ملايين السوريين، وليس في وسع تركيا أن تنهض بها وحدها، وهذا يتطلب موقفا دوليا على قدر كبير من المسؤولية. وأول خطوة على هذا الطريق أن تضغط المجموعة الدولية على روسيا من أجل وقف عملية القتل وإقامة منطقة آمنة على جزء من الأرض السورية، تسمح بعودة طوعية وآمنة للاجئين. وهذا هو الحد الأدنى المطلوب الذي تفرضه الشروط الإنسانية، بعد أن نفض العالم يديه، واستقال من مساعدة السوريين على إيجاد حل سياسي، يقوم على إبعاد الحكم الحالي الذي يقف وراء عملية التهجير.
هرب ملايين السوريين خوفا من القتل، ولم يتركوا مكانا على الأرض حتى قصدوه، ولكن الغالبية اختارت دول الجوار، تركيا، لبنان، والأردن. وتستقبل الدول الثلاث قرابة ستة ملايين لاجئ سوري. ومع اختلاف ردود الفعل والمقاربات التي تتبعها كل دولة، فإنها جميعها بدأت تضيق ذرعا، ولو بدرجات متفاوتة، بهذه الأعداد التي تحولت إلى أرقام صعبة في المعادلات الداخلية، وصارت تؤثر في الحياة السياسة والاقتصادية، كما حصل أخيرا في الانتخابات البلدية التركية، حيث جرى استخدام المعارضة ورقة اللاجئين ضد الحزب الحاكم. وبعد خسارة حزب العدالة والتنمية رئاسة بلدية إسطنبول، باشرت الدولة حملة تنظيم الوجود السوري الذي تساهلت معه طوال السنوات الماضية، ومن الطبيعي أن تعمل على إخراج ورقة اللاجئين السوريين من المعادلة الداخلية، الأمر الذي لن يمر من دون أضرارٍ على أعداد كبيرة استفادت من سياسة غض النظر، وبات مفروضا عليها أن توائم نفسها مع السياسات الجديدة.
ومن قراءة ردود الفعل والروايات المتداولة، يعيش مجتمع السوريين في تركيا حالة من الصدمة والخوف بسبب الإجراءات، وخصوصا في مدينة إسطنبول، وهناك تعويل على الدولة التركية أن تأخذ في الاعتبار جملة من القضايا الإنسانية الصعبة التي تتعلق بلمّ شمل عائلاتٍ كثيرة. والمعروف أن السلطات حددت يوم 20 أغسطس/ آب الحالي موعدا نهائيا لتصحيح المخالفين أوضاعهم قبل أن تعتبرهم الدولة مخالفين. ولكن في جميع الأحوال لا يبدو أن السلطات التركية سوف تقبل باستمرار الوضع السائد، وهي عازمةٌ على تنظيم اللجوء السوري بما يراعي مصالح الدولة.
فاض السوريون عن طاقة العالم على استيعابهم، ومن الآن فصاعدا لا أحد يريدهم، ولن يستقبلهم أحد على أرضه. باتوا مرفوضين في كل مكان، بعد أن طردهم النظام وحلفاؤه الروس والإيرانيون من بيوتهم. ولن يتم تسهيل حياتهم ما لم تحصل عملية ضغط دولية جادّة تسمح بإقامة منطقة آمنة لاستقبال الذين بلا مأوى في الداخل السوري أولا.
العربي الجديد