يأتي إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو منح تراخيص بناء للفلسطينيين بالمنطقة “سي” مع تلميحات الإدارة الأميركية بأن إسرائيل ستكون قادرة على الحفاظ على المنطقة “سي”، التي تضم معظم أراضي الضفة الغربية المحتلة.
وتشكل المنطقة “سي” 60% من مساحة الضفة، وتضم أغلب المستوطنات والمناطق العسكرية وإطلاق النار التابعة لجيش الدفاع الإسرائيلي، والمناطق الطبيعية المفتوحة، وتخضع المنطقة بموجب اتفاق أوسلو لسيادة دولة الاحتلال من الناحية الأمنية والمدنية.
وأقرّ الكابينت الإسرائيلي الثلاثاء الماضي خطة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو لبناء 715 وحدة سكنية للفلسطينيين في المنطقة “سي” بالضفة الغربية المحتلة، مقابل إقرار بناء ستة آلاف في المستوطنات الإسرائيلية بالضفة. وأعلن نتنياهو -خلال جولة تفقدية في مستوطنة “إفرات” (جنوبي الضفة الغربية المحتلة) بدء بناء ألف وحدة استيطانية في بيت لحم.
وجاءت هذه الخطوة الإسرائيلية بالتزامن مع زيارة جاريد كوشنر مستشار وصهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب للشرق الأوسط، وذلك لبحث سبل الإعلان عن خطة السلام المعروفة “بصفقة القرن”، وقبل غلق باب الترشح لانتخابات الكنيست الـ22 الخميس.
وهذه الخطة إذا تم تطبيقها ستسمح لنتنياهو -وفق محللين- بالقول إنه يقوم بجهد لصالح خطة السلام بالشرق الأوسط التي يحملها جاريد كوشنر ويسعى لتنفيذها.
نفوذ وصلاحيات
ويجمع وزراء بالحكومة الإسرائيلية على أن المصادقة على البناء للفلسطينيين في المنطقة “سي” خطوة مهمة نحو تعميق السيادة الإسرائيلية بالضفة الغربية، والحد من نفوذ وصلاحيات السلطة الفلسطينية.
وبهذا الإجراء الذي يحركه نتنياهو، يعتقد محللون وسياسيون أن إسرائيل اختارت أن تكون في فلسطين التاريخية دولة واحدة لليهود، إذ تخلت نهائيا عن حل الدولتين على أساس تقسيم أراضي البلاد مع الفلسطينيين، بإقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية إلى جانب إسرائيل.
هذا التوجه الإسرائيلي عبّر عنه السفير الأميركي لدى تل أبيب ديفيد فريدمان، الذي كان حاضرا جلسة حكومة نتنياهو التي أقرت البناء بالمنطقة “سي”. وجاءت التصريحات الإعلامية لفريدمان داعمة لإسرائيل وسياساتها بالضفة الغربية، حيث شدد على أن واشنطن تؤمن بالحكم الذاتي والمدني للفلسطينيين، وليس الدولة الفلسطينية.
وفي ظل الموقف الفلسطيني المبدئي الرافض “لصفقة القرن” المنحازة لإسرائيل والهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية، يجمع محللون على أنه سيكون من الأسهل لواشنطن دعم توجه إسرائيل لضم لسيادتها على ما وصفوه “بالأراضي المحتلة في حرب دفاعية”، مثلما بررت الإدارة الأميركية اعترافها بضم الجولان السوري.
صفقة إسرائيلية
ووفقا للمعلق السياسي ألوف بن، فإن البناء الإسرائيلي للفلسطينيين في المنطقة “سي” يهدف إلى إبرام صفقة ما بين نتنياهو وأحزاب معسكر اليمين المتطرف قبيل انتخابات الكنيست التي ستجرى في سبتمبر/أيلول المقبل.
ورجح المعلق السياسي أن الصفقة غير المعلنة تهدف إلى شطب لوائح اتهام الفساد ضد نتنياهو، مقابل الضم المتدرج للمستوطنات بالتنسيق مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وهي الخطوة التي تمهد إلى ضم أغلب أراضي الضفة الغربية للسيادة الإسرائيلية.
ولفت المعلق السياسي إلى أن نتنياهو يهدف من هذا الإجراء إلى ضمان الحصول على حصانه بمعسكر اليمين تحول دون تقديمه للمحاكمة بعد جلسة الاستماع في أكتوبر/تشرين الأول المقبل، في حين يمهد للضم المتدرج للضفة وتقليص مسطحات الأراضي الواقعة تحت سيادة السلطة الفلسطينية.
وفي مقابل منح الحصانة لنتنياهو من ملفات الفساد لضمان مستقبله السياسي، يعتقد ألوف بن أنه سيتعين على نتنياهو أن ينسق مع الرئيس ترامب خطة “صفقة القرن” بطريقة تسمح لإسرائيل بإعلان سيادتها في المستوطنات وضمان عدم إخلاء أي مستوطن.
وإلى جانب ضمان الانحياز الأميركي لجانب السياسات الإسرائيلية بالضفة الغربية والقدس المحتلتين، تقدر المراسلة السياسية لصحيفة “هآرتس” نوعى لاندو -اعتمادا على ما نقلته عن مصادر حكومية- أن “هذه الخطوة هي جزء من تغيير مبدئي من قبل الحكومة الإسرائيلية تجاه القضية الفلسطينية”.
وتعتقد المراسلة السياسية أن هدف نتنياهو من البناء للفلسطينيين بالمنطقة “سي” هو سحب متدرج لسيادة السلطة الفلسطينية على هذه المناطق ومحاصرتها بمنعها من المبادرة أو المشاركة في أي مخططات وتخطيطات مستقبلية على أرض الواقع.
كما يدعو الإجراء للتخطيط ومنح التراخيص لمئات المنازل الفلسطينية، حيث تقول لاندو إن “التعامل مع الانتقادات القانونية والدولية المتزايدة ضد إسرائيل لتكثيفها لهدم المباني والتجمعات الفلسطينية، كما لا تسمح بأي نمو طبيعي للفلسطينيين”.
استهداف متواصل
تقديرات المراسلة السياسية عززتها تصريحات الوزير بتسليئيل سموتريتش، الذي بادر لتشريعات بالكنيست لفرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية، مؤكدا أن الهدف من مصادقة (الكابينت) هو تعميق السيادة الإسرائيلية في المنطقة “سي”.
وكتب الوزير الإسرائيلي على فيسبوك “في نهاية المطاف وصلنا لنقطة تحول ومفصلية بتعامل الحكومة الإسرائيلية مع سرطان الإرهاب المتفشي داخلنا، ولأول مرة من اتفاق أوسلو إسرائيل ستكون صاحبة السيادة على المنطقة (سي) وليس للعرب أي سيادة”.
ووفقا لسموتريتش، فإن إسرائيل تفرض وقائع على الأرض تقول إن الفلسطينيين يمكنهم أن يتطوروا ويتوسعوا فقط في الأماكن التي لا تمس بالأمن والمشروع الاستيطاني، وفي المناطق التي لا تعزز التسلسل والتواصل الجغرافي، ولا تنشئ دولة فلسطينية بحكم الواقع.
ويضيف أنه “لأول مرة، تمارس دولة إسرائيل سيادتها ومسؤوليتها على كامل الأرض، وتتحمل المسؤولية عن أفعالها”.
الجزيرة