تمادي إيران في التحرّش بالملاحة الدولية في الخليج وبحر عمان وتعثّر جهود الولايات المتّحدة في تشكيل تحالف دولي للتصدي لأعمال القرصنة الإيرانية، دفعا المملكة العربية السعودية إلى أخذ زمام المبادرة من خلال قيادتها تحرّكا تشارك فيه إلى جانبها أربع دول عربية وقوى دولية وازنة بهدف مواجهة التهديدات وحفظ الأمن القومي.
الرياض – شرعت المملكة العربية السعودية في قيادة تحرّك عربي دولي موحّد “لمواجهة التهديدات الخطرة في المنطقة”، في وقت اتّجهت فيه إيران نحو إثارة المزيد من التوّتر بتعرّضها مجدّدا لحركة الملاحة البحرية، مستغّلة على ما يبدو، تعثّر جهود الولايات المتحدة في تأسيس تحالف دولي واسع لحماية حركة التجارة الدولية في الخليج وبحر عمان بسبب تردّد بعض كبار الحلفاء ورفض البعض الآخر المشاركة في ذلك التحالف.
وأقدمت إيران مجدّدا على احتجاز سفينة أجنبية في الخليج بدعوى نقلها وقودا مهرّبا، بينما وصفت دوائر إقليمية ودولية ذلك بأنّه “عمل من أعمال القرصنة المجرّمة في القانون الدولي”.
وأعلنت السعودية، الأحد، أنها تقود تحركا عربيا تشارك فيه أربع دول أخرى إضافة إلى وفد جامعة الدول العربية في الأمم المتحدة، لمواجهة التهديدات الخطيرة في المنطقة.
وذكرت وكالة الأنباء السعودية الرسمية “واس” أنّ المجموعة العربية التي تقودها المملكة وتتشكّل أيضا من دولة الإمارات والمغرب والبحرين واليمن، بالإضافة إلى الوفد المراقب لجامعة الدول العربية لدى الأمم المتحدة عقدت اجتماعات مكثفة مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش وممثلي كلّ من ألمانيا والدول الأعضاء دائمة العضوية في مجلس الأمن؛ الولايات المتحدة والصين وروسيا وبريطانيا وفرنسا، كما عقدت لقاء مع وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية وبناء السلام روزماري دي كارلو.
وأضافت الوكالة أن تلك الاجتماعات التي عقدها الخماسي العربي نيابة عن الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية، “تأتي في ظل التحديات السياسية والتهديدات الأمنية التي تواجه الدول العربية، وتجسيدا لروح التعاون والتضامن التي نص عليها ميثاق جامعة الدول العربية، وتفعيلا لقرارات الجامعة العربية التي تنص على صون الأمن العربي”.
وقالت إن تلك الاجتماعات تأتي أيضا “لبحث سبل التصدي للتهديدات الخطرة في منطقة الشرق الأوسط، وبذل الجهود من أجل صون الأمن والسلم، وتعزيز السلام وفقا لميثاق الأمم المتحدة والقرارات الدولية”.
وبحسب الوكالة، تهدف هذه الجهود إلى تعزيز التعاون والتنسيق بين الدول العربية وبين الأمم المتحدة وأعضاء مجلس الأمن والأعضاء المؤثرين في الأمم المتحدة بما يخدم القضايا العربية ويعزز الأمن والاستقرار في دول المنطقة.
ويمثّل التوتّر القائم حاليا بسبب جنوح إيران إلى التصعيد مدفوعة بالعقوبات الشديدة المفروضة عليها من قبل الولايات المتّحدة، مبعث قلق شديد على استقرار المنطقة ذات الأهمية الكبرى لأمن الطاقة في العالم.
وذكرت وكالة أنباء فارس الإيرانية الرسمية، الأحد، أنّ القوات البحرية التابعة للحرس الثوري تحتجز سفينة أجنبية تحمل 700 ألف لتر من “الوقود المهرب” في شمال الخليج.
وكانت إيران قد احتجزت منتصف الشهر الماضي ناقلة النفط رياح التي ترفع علم بنما بدعوى أنّها تقوم بتهريب الوقود. وفي الثامن عشر من الشهر ذاته احتجزت الناقلة السويدية ستينا امبيرو التي ترفع العلم البريطاني أثناء عبورها مضيق هرمز، ولا تزال تحتفظ بها إلى الآن على أمل مبادلتها بسفينة إيرانية تحتجزها السلطات البريطانية في جبل طارق لخرقها عقوبات أوروبية على سوريا.
وسارعت الولايات المتحدة إلى عرض نفسها كقائدة لمواجهة القرصنة الإيرانية، إلاّ أنّ شكوكا كبيرة بدأت تحوم حول نجاعة الجهد الأميركي في ظل مواجهة واشنطن لصعوبات قد تحول دون تشكيل تحالف دولي لحماية السفن التجارية التي تعبر مضيق هرمز بسبب مخاوف حلفاء الولايات المتحدة من الانجرار إلى نزاع مع إيران.
وأعلنت أستراليا وهي آخر حليف يعبّر عن شكوكه، أنها تدرس بشكل جدي “الطلب المعقّد” للولايات المتحدة، لكنها لم تتخذ قرارا بعد.
وقالت وزيرة الدفاع الأسترالية ليندا رينولدز، الأحد “نحن قلقون للغاية إزاء التوتر المتصاعد في المنطقة وندين بشدة الهجمات على التجارة البحرية في خليج عمان”. وأضافت في مؤتمر صحافي عقب اجتماع في سيدني مع وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو ووزير الدفاع الجديد مارك إسبر “في نهاية الأمر سنقرر كما نفعل دائما، ما هي مصلحتنا الوطنية”.
وأطلقت الولايات المتحدة فكرة التحالف في يونيو الماضي إثر هجمات تعرضت لها عدة سفن في منطقة الخليج، بعد أن نسبتها إلى إيران التي تنفي ذلك.
وتقضي الفكرة بأن ترافق كل دولة عسكريا سفنها التجارية بدعم من الجيش الأميركي الذي سيتولى المراقبة الجوية للمنطقة وقيادة العمليات. ورفض الأوروبيون العرض، لأنهم لا يريدون المشاركة في سياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب المتمثلة في ممارسة الضغوط القصوى على إيران، كما أنهم يحاولون الحفاظ على الاتفاق حول النووي الإيراني. ولدى سؤاله عن هذا التردد، بدا بومبيو، وهو أحد مهندسي السياسة الأميركية تجاه إيران، منزعجا. وقال “لا تصدقوا ما تذكره الصحافة، هناك الكثير من المحادثات الجارية مع جميع البلدان مثل أستراليا وجميعها تأخذ هذا الطلب على محمل الجد”. وتابع “إنني على اقتناع بأنه سيكون لدينا تحالف دولي”.
وتنوي باريس ولندن وبرلين تنسيق وسائلها ومشاركة المعلومات في الخليج لتعزيز الأمن البحري، لكن دون نشر وسائل عسكرية إضافية، وفقا لوزيرة الجيوش الفرنسية فلورانس بارلي.
ومن الواضح أن ألمانيا نأت بنفسها عن فكرة مهمة الحماية في مضيق هرمز، معتبرة أن ذلك من شأنه تعقيد الجهود الأوروبية للتوصل إلى تسوية دبلوماسية مع إيران. وقالت أولريكه ديمير، المتحدثة باسم الحكومة الألمانية الأسبوع الماضي “يجب أن تكون الأولوية في رأينا للجهود الدبلوماسية ووقف التصعيد”.
العرب