الباحثة شذى خليل *
منذ عام 2003 والاقتصاد العراقي يمر بأسوأ حالاتهِ من تخبطٍ وفقدان التخطيط والتكنيك وتبديد الثروات واحدة تلوه الأخرى ، وتبدد معها آخر أثر من آثار الدولة وقوتها وثقلها السياسي والعسكري والاقتصادي في المنطقة العربية والعالم ، كأحد أهم أوجه القياس العملية لحقبة ما بعد الاحتلال.
وحسب المختصين والخبراء، فإن الجانب الاقتصادي من أهم أوجه القياس العملية لتلك الفترة (2003 – 2019)، والذي بات يشكل معضلة بالنسبة للدولة منذ أكثر من عقد ونصف من الزمن، حيث تتضارب الآراء حول شكله وتصنيفه ونوعه، فلم يكن الاحتلال مجرد تغيير على مستوى الخارطة السياسية ، وفق مختصين، بل إنه قلب اقتصاد العراق رأسًا على عقب، وغير من محتواه، فصار فاقدًا للهوية، بعد أن كان يحظى بصفة الاقتصاد المحافظ شبه الاشتراكي.
بموجب مؤشر منظمة الشفافية الدولية، فإن العراق واحد من بين أكثر دول العالم فسادا، على مدى السنوات الماضية، إذ ترد تقارير دولية على الدوام بوجود عمليات اختلاس وهدر للمال العام، وحلّ العراق في المرتبة الـ(169) من بين (180) دولة في مؤشر مدركات الفساد.
وكان الفساد سببا رئيسيا في عدم تحقيق الحكومات المتعاقبة، نتائج إيجابية في توفير الخدمات العامة الأساسية من قبيل الكهرباء ومياه الشرب والصحة وغيرها، وهو ما يثير سخط السكان.
ويشير آخر تقرير لوزارة التخطيط العراقية ، إلى أن المنظمات الأممية والأجنبية والمحلية ساهمت في توفير فرص عمل لأكثر من (30000) عراقي عاطل عن العمل منذ مطلع العام الحالي.
ان تلك الأعمال تتركز غالبيتها في المدن المحررة من سيطرة تنظيم “داعش”، الإرهابي شمالي وغربي ووسط البلاد، ويبين أن تلك الأعمال كانت مؤقتة ودامت لشهرين أو ثلاثة أشهر كحد أقصى، لكن العاطلين عن العمل حصلوا على مبالغ جيدة ساهمت في حل مشاكلهم بصورة موقتة، وهذا يعني أن المشكلة لازالت قائمة .
العراقيون يحصدون زرع الاحتلال:
في آخر إحصائية لمنظمة حقوق الإنسان “هيومن رايتس ووتش” عن الأربعة عشر عاماً الماضية، بينت فيها ما يلي:
إن نسبة البطالة في العراق وصلت الى اكثر من (31%) موزعة على محافظات العراق، وجاءت الأنبار في صدارة المحافظات العراقية، تلتها المثنى وديالى وبابل ثم بغداد وكربلاء ونينوى .
نحو (3.400) ملايين مهجر توزعوا على (64) دولة .
نحو (4.100) ملايين نازح داخل العراق .
نحو (1.700) مليون يعيشون في مخيمات مختلفة .
نحو (5.600)ملايين يتيم أعمارهم بين (شهر-17 عاماً).
مليونا أرملة أعمارهن بين (15-52) عاماً .
نحو (6) ملايين عراقي لا يجيد القراءة والكتابة “البصرة وبغداد والنجف وواسط والأنبار في الصدارة” .
نسبة البطالة تجاوزت (31%) “الأنبار والمثنى وديالى وبابل في الصدارة تليها بغداد وكربلاء ونينوى” .
نسبة (35%) من العراقيين تحت خط الفقر “أقل من (5) دولار” .
قرابة (6%) معدل تعاطي الحشيش والمواد المخدرة “بغداد في الصدارة تليها البصرة والنجف وديالى وبابل وواسط” .
نسبة عمالة الأطفال دون الـ(15) عاماً تجاوزت (9%).
انتشار (39) مرضاً ووباءً أبرزها الكوليرا وشلل الأطفال والكبد الفايروسي وارتفاع نسبة الإصابة بالسرطان والتشوهات الخلقية .
توقف (13328) معملاً ومصنعاً ومؤسسة إنتاجية .
تراجع مساحة الاراضي المزروعة من (48) مليون دونم الى (12) مليون دونم .
استيراد (75%) من المواد الغذائية و (91%) من المواد الأخرى .
التعليم الأساسي في اسوأ حالاته ” (14658) مدرسة (9000) منها متضررة و (8000) طينية والحاجة الى (11000) مدرسة جديدة” .
مبيعات النفط للفترة (2003-2016) نحو (1000) مليار دولار لم تسهم في حل أية مشكلة من مشاكل العراقيين .
الفقر ينهش جسد المواطن العراقي:
على الرغم من الزيادة الكبيرة في صادرات العراق النفطية، وارتفاع إيراداته المالية، إلا انها لم تسهم في حل الأزمات المتفاقمة للمواطن العراقي، ولا لتحسين وضعه الاقتصادي او للتنمية الاقتصادية وتدوير حركة الاقتصاد بالاتجاه الصحيح.
وحسب وزارة التخطيط، فإن المؤشر الرسمي لقياس نسبة الفقر المعتمد محلياً، وفي البنك الدولي، هو اكثر بكثير من (22.5%) ، لأن المؤشر لا يعتمد مسحاً دقيقاً وفقاً لما أكدت وزارة التخطيط العراقية، أي أن نحو ربع العراقيين فقراء.
وقد حذر البنك الدولي من هشاشة الوضع الاقتصادي في العراق لسنة 2018، بعد أن تجاوز خط الفقر (22%) ، مشيرا إلى امتلاكه إحصائيات تؤكد وجود مزيد من التدهور، في ظل ارتفاع ملحوظ في نسبة البطالة إلى الضعفين في المحافظات التي تضررت من عنف تنظيم “داعش” شمالي وغربي البلاد.
وقالت وزارة العمل العراقية، إن أكثر من مليون أسرة تعيش تحت خط الفقر، مطالبة برسم خطط وسياسات لمعالجة هذه المشكلة، ويأتي ذلك رغم الزيادة الكبيرة في الإيرادات النفطية، حيث حقق العراق أكثر من (7) مليارات دولار عن مبيعات النفط لشهر يونيو/حزيران الماضي، حسب وزارة النفط.
وهنا يجب ان لا ننسى ان العراق واحد من أكبر الدول العربية انتاجا للنفط، والعراق قادر على رفع الإنتاج خلال السنوات المقبلة إلى (7.5) ملايين برميل يوميا، ويملك حجم الاحتياطي النفطي المؤكد نحو (112) مليار برميل، ويحتل أكبر احتياطي في العالم بعد السعودية.
وأجرت وزارة التخطيط العراقية، في ديسمبر/كانون الأول 2018، مسحا لقياس مستويات الإنفاق من أجل معالجة الفقر، أظهر أن الإنفاق على الغذاء حظي بنسبة (32%) ، تلاه الوقود والسكن بنسبة (24%).
وبين أستاذ الاقتصاد في جامعة بغداد، علي الراوي، أن أغلب الأسر الفقيرة تتواجد في المناطق المحررة من سيطرة تنظيم “داعش” شمالي وغربي العراق، وأن هذه الأسر عادت لتجد منازلها ومناطقها مدمرة بسبب الحرب، ولم تنفعها زيادة الإيرادات النفطية أو حجم الموازنة الكبير.
حينما يتم التدقيق جيدا في هذه الإحصائية المؤلمة، لا يمكن لأي عقل أن يستوعبها، لأن الأرقام المذكورة مرعبة، من حيث الإنسان المدمر من جهة، ومن حيث الأموال المنهوبة وحجم الخراب والدمار الذي يصيب العراق من جهة أخرى.
ارتفاع مديونية العراق الى حوالي 125 مليار دولار
وفقا لصندوق النقد الدولي الدين الاجنبي وصل الى 85.3 مليار دولار، ويضم مستحقات الشركات الأجنبية العاملة في قطاع الطاقة وشراء الكهرباء والغاز من إيران، في حين يبلغ الدين الداخلي أربعين مليار دولار، أغلبه للبنك المركزي والمصارف الحكومية الثلاثة: الرافدين والرشيد والعراقي للتجارة، وهيئة التقاعد الوطنية.
الاقتصاد العراقي يعاني اليوم من تحديات كبيرة تتمثل في ارتفاع حجم المديونة، إذ خصص مبلغ 15 مليار دولار لتسديد مستحقات وفوائد الدين خلال عام 2019، نتيجة زيادة الاقتراض خلال السنوات العشر الماضية.
ويعزوه مختصون إلى الفساد المالي والإداري المنتشر في البلد، وذهاب هذه الأموال إلى جيوب الأحزاب لتمويل أنشطتها بدل التنمية المستدامة.
وبالرغم من ان ثروات العراق الهائلة والمتنوعة، تكفل له مستوى متقدماً بين دول العالم، إلا أن الفساد، وسوء الإدارة للحكومات خلال فترة الاحتلال وما بعدها، أوصلت البلد إلى حافة الإفلاس والغرق في الأزمات الاقتصادية والديون.
وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية