باتت حقيقة استقلال إقليم الصحراء المغربية خيارا غير آمن وبعيدا عن الواقع جلية لدى الدول الكبرى، وليس الدوائر المغربية فقط، ومن بينها الولايات المتحدة التي أكدت مواقفها في مناسبات سابقة ودعمها لوحدة التراب المغربي وعلى سيادة المغرب على صحرائه وهو ما أبرزته صحيفة «وول ستريت جورنال» في مقال نشرته مؤخرا وبينت فيه دعم واشنطن لموقف الرباط ورؤيتها بشأن الحل لقضية الصحراء.
واشنطن – تعتبر الولايات المتحدة أن انحيازها لموقف الرباط في ما يتعلق بحل قضية الصحراء المغربية هو أكثر الحلول أمانا، في ظل التحديات الأمنية التي تواجهها هذه المنطقة من شمال أفريقيا نظرا لقربها من منطقة الساحل الأفريقي التي تعيش أوضاعا متوترة، وهي وجهة نظر واقعية بالنظر إلى الارتباطات المشبوهة لحركة البوليساريو الانفصالية.
وأكدت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية أن استقلال إقليم الصحراء ليس خيارا بالنسبة للولايات المتحدة لتسوية النزاع حول الصحراء المغربية.
وتستند الصحيفة في تأكيدها هذا إلى تصريحات مسؤولين أميركيين يتابعون عن كثب المحادثات بشأن قضية الصحراء المغربية، تفيد بأن واشنطن “أعلنت بوضوح أنها لا تدعم مخططا يهدف إلى إنشاء دولة جديدة في أفريقيا”.
وقال ديون نيسنباوم، كاتب المقال، إن “الوضع الأمني في المنطقة يجعل تسوية النزاع أمرا ملحا”. كما وضع مقارنة بين موقف الأمم المتحدة الداعم لبعثة المينورسو وموقف البعض من المسؤولين في البيت الأبيض الذين يبدون نوعا من نفاد الصبر حيال عدم إحراز تطور في العملية السياسية.
وأكد أن “إقامة دولة جديدة في أفريقيا قد تكون في حقيقة الأمر أقل أمانا”. وتابع “إذا حاولتم إقامة دولة جديدة، فقد ينجم عن ذلك خلق منطقة يمكن أن يتخذ منها متمردون وجماعات مثل داعش ملاذا آمنا”.
وتشترك واشنطن مع الرباط في إدراك خطورة التداعيات الأمنية التي ستنجر عن خيار الاستقلال في حال تم إقراره.
وهذه ليست المرة الأولى التي تظهر فيها واشنطن بوضوح انحيازها للحفاظ على الوحدة الترابية للمغرب، ففي بداية العام الحالي رفض مجلس الشيوخ الأميركي مشروع قرار يقضي باستثناء الصحراء المغربية من المساعدات الأميركية المقدمة إلى المغرب ضمن قانون المالية الأميركي للعام 2019.
وبالتالي تم الإبقاء على القانون في صيغته الأصلية والتي بموجبها تدرج المساعدات الموجهة إلى الصحراء المغربية ضمن المساعدات الموجهة إلى المغرب، ما يعني اعترافا واضحا من مجلس الشيوخ الأميركي بسيادة المغرب على صحرائه.
ويرى نيسنباوم أن أي محاولة للانحراف بالعملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة عن مسارها قد تثير الاستياء وتزعزع الاستقرار في واحدة من أكثر المناطق استقرارا، في ظل تنامي بؤر التوتر وعدم الاستقرار عبر العالم.
وقال ناصر بوريطة وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي في المغرب، في تصريح لصحيفة “وول ستريت جورنال”، إن “المينورسو تحصل على دعم مالي يقدر بـ52 مليون دولار للحفاظ على الاستقرار وعلى وقف إطلاق النار في منطقة صعبة للغاية”.
وأكد بوريطة أنه “لم تسجل أي حالة وفاة منذ بدء سريان وقف إطلاق النار، ما يعني أن البعثة الأممية من أكثر بعثات حفظ السلام نجاعة على مستوى العالم”.
وكشفت “وول ستريت جورنال”، تأكيد مسؤولين غربيين ومغاربة أن الولايات المتحدة تدعم المغرب، بشكل غير معلن، في جهوده الرامية إلى إيجاد تسوية نهائية لهذا النزاع الذي طال أمده وذلك على أساس حل توافقي يضمنه مقترح الحكم الذاتي.
ووفق الصحيفة فإن دعم واشنطن هو الذي شجع المغرب على العودة إلى طاولة المحادثات وإطلاق ديناميكية الموائد المستديرة تحت رعاية الأمم المتحدة بحضور المغرب والجزائر وموريتانيا وجبهة البوليساريو.
وهذه الديناميكية، وفق نفس المصدر، كفيلة بإحراز تقدم في هذا الملف غير أن هذا التقدم يتأثر بالأوضاع الحالية في الجزائر وباستقالة المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة هورست كولر.
وفي مايو الماضي، أعلنت الأمم المتحدة أن مبعوثها إلى الصحراء المغربية هورست كولر (76 عاما) استقال من منصبه “لدواع صحية”.
كما تطرقت “وول ستريت جورنال” إلى الجهود الهامة التي يبذلها المغرب لتعزيز التنمية في منطقة الصحراء من خلال استثمارات ضخمة في مختلف المجالات.
وانضمت الصحيفة الأميركية إلى الأطراف التي تؤكد أن جبهة البوليساريو تشكل تهديدا خطيرا للاستقرار في منطقتي شمال أفريقيا والساحل. وأشارت إلى أن البيت الأبيض، وإدراكا منه للمخاطر التي تشكلها “الجمهورية الوهمية”، عازم على وضع حد لهذا النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية.
واعتبرت الصحيفة أن “البوليساريو مجموعة ماركسية لها ارتباطات بالإرهاب الإقليمي”. وأشار نيسنباوم إلى نشأة حركة البوليساريو الانفصالية على أساس اعتناقها للفكر الماركسي، إلى جانب المخاطر على السلم والاستقرار المرتبطة بعدم تسوية قضية الصحراء.
وتجمع الولايات المتحدة بالمغرب علاقات متينة لا ينفك الطرفان عن البحث عن سبل جديدة لتعزيزها في كافة المجالات وعلى جميع المستويات، وهو ما أكدته القائمة بالأعمال بسفارة الولايات المتحدة بالرباط ستيفاني مايلي الشهر الماضي عند انتهاء مهمتها الدبلوماسية في المغرب. وقالت مايلي، في لقاء جمعها برئيس مجلس النواب الحبيب المالكي، إن “المملكة تعتبر بلدا استراتيجيا بالنسبة للولايات المتحدة”.
العرب