في صعود هو الاقوى من نوعه منذ اكثر من ست سنوات، يواصل الذهب صعوده في سباق ماراثوني مع الزمن، بسبب عدد من العوامل الاقتصادية والتوترات السياسية والتجارية ليحقق مستوى قياسي من الارباح تجاوز ألف وخمسمئة دولار .
وفي خطوة لتوضيح الاسباب التي أدت الى صعود اسعار الذهب، وماهي الاسباب الرئيسة التي ادت الى هذا الصعود الكبير، سنقوم باستعراض العوامل المؤثرة في اسواق الذهب .
لقد استطاع الذهب ان يحقق مكاسب في الأيام الماضية تزامناً مع مكاسب الأسهم العالمية ، وعودة شهية المخاطرة لدى المستثمرين، وكما هو معلوم ، فإن اسعار الذهب على علاقة وطيدة مع التقلبات الاقتصادية، ويتأثر سلبا وايجابا مع هذه التقلبات ، فقد حققت مخاوف تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي، وبيانات اقتصادية سلبية ، مكاسب قوية للمعدن النفيس(الذهب) بنحو مئة دولار خلال الأسابيع الثلاثة الماضية ، تبعها انعكاس منحنى العائد على السندات الأمريكية، حيث هبطت عوائد سندات الخزانة الأمريكية لآجل ثلاثين عاماً إلى مستوى قياسي منخفض دون اثنين بالمئة ، عند نحو واحد واثنين وتسعين من المئة بالمئة، وتراجع العائد على سندات الخزانة لآجل عامين إلى نحو واحد فاصلة سبعة وأربعين من المئة بالمئة، وهو أدنى مستوى في حوالي عامين، مع استمرار القلق بشأن التوترات التجارية العالمية، وتباطؤ الاقتصاد العالمي بحسب بيانات اقتصادية اميركية.
من جهة أخرى، أدت الخسائر الحادة التي تعرضت لها أسواق الأسهم “وول ستريت” خاصة الاسبوع الماضي بفعل مخاوف من ركود اقتصادي وشيك في الولايات المتحدة ، إلى مساعدة المعدن النفيس في الحفاظ على قوته فوق مستوى ألف وخمسمئة دولار للأونصة.
وبحسب تقرير حديث صادر عن وكالة «ستاندرد آند بورز»، فإن خطر تعرض الولايات المتحدة لركود اقتصادي في غضون الاثني عشرة شهراً المقبلة قد زاد، بفعل عدم القدرة على التنبؤ فيما يتعلق بالصعيد التجاري، إضافة إلى تدهور الأوضاع العالمية بقيادة ضعف النشاط الصناعي.
واما بالنسبة لأحد اهم الاسباب العالمية، فقد كان للحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم (الولايات المتحدة، الصين) كبير الأثر في التحكم في اتجاه الاسعار، وتهديد الصين باتخاذ إجراءات ردا على رسوم جمركية أميركية جديدة على بضائع صينية بقيمة ثلاثمئة مليار دولار.
وخلال الاسبوع الماضي، أرجأ الرئيس الأميركي دونالد ترمب الموعد النهائي الذي حدده في الأول من سبتمبر، لفرض رسوم بنسبة عشرة بالمئة على بقية الواردات الصينية، ليرجئ فرض رسوم جمركية على الهواتف الخلوية وأجهزة الكمبيوتر المحمولة وسلع استهلاكية أخرى، على أمل الحد من التأثير على المبيعات في العطلات الأميركية.
ويقول الخبير الاقتصادي لدى بنك أستراليا الوطني جون شارما، إن انحسار توترات التجارة، والمخاطر الجيوسياسية، زودا الأسواق ببعض الأمل، مما دعم الأسهم، وتسبب هذا بتراجع لفترة وجيزة في أسعار الذهب خلال الاسبوع الماضي ، مضيفاً ان النزاع التجاري ما زال دون حل، والمخاطر الجيوسياسية في هونج كونج تعتبر الاخطر منذ عقود، واتجاهات النمو العالمي كما نتوقع ما لا يقل عن خفض آخر (لأسعار الفائدة) من جانب مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأميركي)، جميع تلك العوامل تقدم الدعم للذهب.
وهنا نشير إلى ان قوة الدولار في الفترة الماضية كان لها دور اساس في كبح جماح مكاسب الذهب، حيث تراجعت أسعار الذهب خلال الاسابيع التي شهدت صعوده، لكن يمكن القول ان هذا التراجع كان محدودا نوعا ما مع صعود الأسهم والدولار ، ومن ناحية أخرى ارتفع مؤشر الدولار(U.S. Dollar Index)، الذي يقيس قيمة العملة الأمريكية مقابل سلة من ست عملات رئيسة، إلى أعلى مستوى في أسبوعين، لكن المخاوف من تباطؤ الاقتصاد العالمي والافتقار إلى الوضوح فيما يتعلق بالحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، ساعدا المعدن النفيس على تسجيل ثالث أسبوع على التوالي من المكاسب.
وعلى النقيض من العلاقة الطردية نوعا ما بين النفط والذهب ، تعتبر العلاقة بين الذهب والدولار علاقة عكسية، حيث يمكن ان نسميهما مادتين بديلتين، حيث يزداد الطلب على أحدهما عندما يرتفع سعر الآخر ، وهذه العلاقة تنبع من حقيقة أن الذهب أحد أهم أدوات التحوط ضد مخاطر التغير في معدل الصرف للعملات، حيث يمكن للمستثمرين والمتعاملين في سوق النقد الأجنبي شراء الذهب لتغطية المخاطر الناتجة من ضعف الدولار، وبالتبعية أية عملات أخرى، غير أن قيمة الدولار تتحدد أساسا من خلال معدل صرفه بالعملات الأخرى. ونظرًا لأن الذهب يسعر ويتداول بالدولار الأميركي، فقد يتساءل البعض عن كيفية تأثير كل واحد على الآخر. وبعبارة اخرى كلما ارتفعت قيمة الدولار الأميركي ، انخفض سعر الذهب، والعكس صحيح.
من خلال ما سبق، يمكن القول ان صعود اسعار الذهب الى مستويات قياسية، جاء بسبب عدد من العوامل الاقتصادية الفنية والتجارية، وكما هو واضح من مسار الأسعار، فإن أي تغيير مستقبلي في اسعار الذهب، ستكون رهينة للقرارات الاقتصادية التي تم ذكرها بشكل عام، وربما يكون التغيير في أحد هذه العوامل سببا في تغيير اتجاه اسعار الذهب، سواء اكان صعودا او هبوطا، إلا ان أغلب التحليلات الاقتصادية لمسار أسعار الذهب مستقبلا، تشير الى الارتفاع او على الأقل الحفاظ على المكاسب القوية التي حققتها خلال الأيام الماضية .
عامر العمران
وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط لليحوث والدراسات الاستراتيجية