نشر موقع “فورين أفيرز” مقالا للباحث في مؤسسة “راند”، أريان طبطائي، عن الطريقة التي غيرت فيها إيران طريقة قتالها، وتساءل عما يعنيه هذا للولايات المتحدة.
وقال الكاتب إن اندلاع ثورات الربيع العربي عام 2011 ملأ الكثيرين بأمل في تحول المنطقة باتجاه الديمقراطية، وفي العام نفسه كانت إيران قد أكملت سحقها للقوى التي خرجت احتجاجا على الانتخابات المزورة عام 2009، والتي أعطت الفوز لمحمود أحمدي نجاد، وهي الانتخابات التي عرفت بالثورة الخضراء، ولهذا السبب راقب الإيرانيون الربيع العربي بنوع من الحسد.
وكانت سوريا بالتحديد مجالا لاهتمامهم، لأنها تحت ظل عائلة الأسد كانت حليفا حيويا للجمهورية الإسلامية والدولة العربية الوحيدة الشريكة لها. ولهذا السبب، احتفل الكثير من الإيرانيين الذين عارضت حكومتهم الاحتجاجات المعادية لنظام بشار الأسد وطالبت بسقوطه. وبالمقارنة، راقب المسؤولون في طهران التطورات بنوع من الضيق والقلق، ولهذا خصصوا الكثير من المصادر لحمايته خوفا من انهيار النظام الصديق لهم، وعمقوا المشاركة الإيرانية في الانتفاضة السورية التي تحولت إلى حرب أهلية شرسة.
وأنفقت إيران حتى هذا الوقت 15 مليار دولار دعما للأسد، حتى مع تدهور الاقتصاد الإيراني بفعل العقوبات. وبالإضافة إلى هذا، أرسل الحرس الثوري حوالي 10000 من عناصره ومستشاريه للقتال في سوريا، وذلك في الفترة ما بين 2011- 2014. ولا يشمل العدد المقاتلين غير الإيرانيين الذين دعمتهم طهران، وقدرت صحيفة “وول ستريت جورنال” عددهم بحوالي 130000 مقاتل. واعترفت إيران بمقتل 2100 إيراني في سوريا بحلول عام 2017، بمن فيهم عدد كبير من القادة والضباط الكبار.
ولا تزال الجثث تصل إلى إيران من سوريا رغم تراجع الحرب في هذا البلد. ويرى الكاتب أن التدخل الإيراني في سوريا كان مكلفا جدا من الناحية المادية والبشرية، ولكنه ترك آثارا عميقة على إيران وكيفية إدارة الحرب. فقد أجبرت التجربة السورية القيادة العسكرية الإيرانية على تغيير الأساليب واكتساب قدرات جديدة، خصوصا فيما يتعلق بالتعاون مع الجيوش الأجنبية وتدريب الجماعات الوكيلة غير الإيرانية.
ويعلق أن التغيرات التي جرت على طريقة الحرب الإيرانية لا تنحصر فقط في سوريا، بل على الطريقة التي تدير فيها المواجهة مع الولايات المتحدة أيضا. فمع زيادة التوتر بين واشنطن وطهران، بدأت الولايات المتحدة وشركاؤها بملاحظة آثار التحول العسكري الإيراني. ولهذا يجب على الولايات المتحدة النظر في أي مواجهة قادمة للطرق القتالية التي تعلمتها إيران في سوريا.
ويرى الكاتب أن التدخل العسكري الإيراني في الحروب الخارجية نادر، فمنذ بداية القرن العشرين لم ترسل إيران قواتها لدعم حروب أهلية أو إقليمية إلا في حالة واحدة، عندما أرسل شاه إيران سبعة آلاف جندي إيراني في الفترة ما بين 1973-1974 إلى عُمان لمساعدة السلطان قابوس بن سعيد لمواجهة التمرد في منطقة ظفار. وبعد ذلك، وفي ظل الجمهورية الإسلامية، دخلت إيران حربا مع العراق قتل فيها مئات الآلاف من الجنود الإيرانيين. ولم يكن أي طرف قادرا على زعم النصر فيها.
وبعد الحرب العراقية – الإيرانية التي انتهت عام 1988، قيدت طهران التدخلات الخارجية وحصرتها بالمساعدة والنصيحة. ولم يكن لدى البلد القدرات الكافية للقيام بعمليات عسكرية، ولهذا نفت في كل مرة أي علاقة بهجمات ظهرت فيها بصماتها. وخلال العقد الأخير من القرن الماضي، ركزت إيران هجماتها على الانفصاليين الأكراد ومجاهدي خلق، المنظمة التي تصنفها بالإرهابية. وعملت على دعم وتقديم الاستشارة والتدريب، خصوصا لحزب الله اللبناني.
وعندما اندلعت الانتفاضة السورية، عملت إيران ما تعمله عادة، إذ أرسلت السلاح والمعدات والتكنولوجيا والمستشارين لتقديم خبراتهم في قمع الانتفاضة. ومع دخول الانتفاضة مرحلة جديدة، وجدت طهران نفسها أمام عملية مكلفة ومستنقع أجبرها على التكيف إن أرادت منع استبدال نظام الأسد بآخر عدواني. ففي عام 2013، وعندما بدأت المعارضة المسلحة للأسد تكتسب زخما، وتسارعت الجهود الدولية لخروج الأسد من السلطة، استخدم النظام السلاح الكيماوي وارتكب مجازر للتمسك بالسلطة. وعند هذه النقطة بدأت إيران بنشر قواتها وبشكل مفتوح في سوريا. فبالإضافة لعناصر الحرس الثوري الذين عادة ما ترسلهم للقيام بعمليات سرية في الخارج، أرسلت عناصر وضباطا من الجيش النظامي، وكذا الميليشيات المعروفة بالباسيج، والجماعات الشيعية الموالية لها مثل حزب الله والميليشيات الشيعية العراقية.
ولدعم كل هذه القوى، جندت إيران ونشرت ميليشيات مكونة من شيعة باكستانيين وأفغان، وعد بعضهم بالتعويضات المالية والإقامة في إيران مقابل مشاركتهم في القتال. وهناك تقارير تقول إنها أكرهت اللاجئين الأفغان الذين يعيشون داخل حدودها على الانخراط في الحرب السورية. وكان القادة الإيرانيون يزورون الجبهات السورية ويتأكدون من وجود اتصالات مباشرة وسيطرة على المقاتلين الذين يدافعون عن نظام بشار الأسد. وما يهم في كل هذا أن إيران توقفت عن إنكار دورها في سوريا كما تفعل في العادة. ولكنها بدأت بالترويج لما تقوم به هناك.
وبحلول عام 2016، نشرت منابر التواصل الاجتماعي التابعة للحرس الثوري أشرطة فيديو لقائد فيلق القدس في الحرس الثوري، الجنرال قاسم سليماني، وهو يصافح ويعانق المقاتلين الأجانب على الجبهات في سوريا. وعندما ضربت الفيضانات إيران عام 2016، جلب المقاتلون الأجانب من سوريا للمساعدة في جهود الإغاثة، وتم الترويج الإعلامي لما قاموا به على منابر التواصل.
وتعاونت القوات الإيرانية والجماعات الوكيلة لها مع القوى الأجنبية مثل روسيا وليس فقط مع قوات النظام، خصوصا بعد قرار موسكو إرسال طيرانها إلى سوريا عام 2015. وكانت هذه مرحلة مهمة في الصراع، فالعلاقة الإيرانية – الروسية من الناحية التاريخية مشحونة، وقامت على التعاون على خلفية التوتر وعدم الثقة. ولم تمح سوريا الشكوك المتبادلة بينهما، ولكنها قدمت مثالا عما يمكن للتعاون تحقيقه عندما تتقارب المصالح الإيرانية والروسية. وكان الطيران الروسي وشبكة الميليشيات الشيعية الأجنبية أمرين حيويين لبقاء الأسد في السلطة.
وكانت الحرب في سوريا هي المرة الأولى التي تتعرض فيها القوات لتجربة قتال حقيقية منذ نهاية الحرب العراقية – الإيرانية. وتركت هذه التجربة الجديدة أثرا عميقا في التفكير العسكري الإيراني، وأجبرت طهران وجيشها على تعزيز تفكيرها، وزادت من تماسكها وقدرتها على إدارة عمليات مشتركة مع الجيوش العسكرية. ويعتقد الكاتب أن التطور في مدخل إيران سيترك آثاره على الولايات المتحدة وقواتها، سواء مباشرة أو من خلال الجماعات الوكيلة، التي تعمل قريبا من القوات الأمريكية في أفغانستان والعراق وسوريا ومنطقة الخليج.
وتظل القوة الإيرانية لا تساوي القوة الأمريكية، ولا تملك إيران بعد القنبلة النووية، ولكن التهديد الأكبر على الولايات المتحدة من إيران نابع من قدراتها العسكرية الهجينة التي عملت طهران على تطويرها خلال العقود الأربعة الماضية وجربتها في سوريا. ولديها الآن قدرات تجنيد جديدة وشبكات وذخيرة إعلامية واسعة وقدرة حادة للتعاون مع الجيوش التقليدية مثل روسيا.
وكإشارة على تعمق العلاقات، وقّع البلدان اتفاقية تعاون عسكري هذا الشهر. ولم يكشف بعد عن التفاصيل، لكنها تحتوي على مكون في الملاحة البحرية. وفي الوقت الذي تفكر فيه الولايات المتحدة بمواجهة مع إيران في مضيق هرمز، يجب عليها البحث عما تعلمته إيران في سوريا؛ فقد غيرت الحرب هناك طريقة إدارة إيران للحرب، إلا أن أحدا في واشنطن لم يلاحظ هذا على ما يبدو، يقول الكاتب.
القدس العربي