بغداد – يعكس إلحاح جهات عراقية وثيقة الصلة بإيران، في مطالبة حكومة رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي باقتناء منظومة الدفاع الجوي الروسية المتطوّرة أس 400، حجم المشكلة التي يواجهها الحشد الشعبي المشكّل في غالبيته العظمى من ميليشيات شيعية، جرّاء نشره عشرات الآلاف من المقاتلين على مساحات شاسعة من الأراضي العراقية أغلبها صحراوية دون غطاء جوّي ما يجعله فريسة سهلة لطيران أي طرف يفكّر في ضرب تلك القوّة وتحييدها.
ووجّه عدد من السياسيين العراقيين ومن قادة تلك الميليشيات مؤخّرا الاتهام للولايات المتحدة وإسرائيل باستهداف مواقع للحشد داخل الأراضي العراقية وذلك بعد هجومين من جهة غير محدّدة على معسكرين كبيرين للميليشيات بشمال العاصمة بغداد وجنوبها، ألحقا بهما دمارا كبيرا وخسائر في الأسلحة والذخائر والمعدات المخزّنة داخلهما.
وبحسب المهتمين بالشأن العراقي، فإنّ معضلة انكشاف ميليشيات الحشد أمام هجمات الطائرات المعادية، لا تخص تلك الميليشيات بحدّ ذاتها بقدر ما تشكّل هاجسا لإيران التي ساهمت بفعالية في تشكيل الحشد وتأطيره وتسليحه لتجعل منه جيشا طائفيا رديفا للقوات النظامية العراقية يعمل على حماية نفوذها السياسي في العراق ويؤمّن لها سيطرة ميدانية على أراضيه لاسيما المناطق السنية ونقاط الربط مع سوريا المجاورة حيث تطمح إيران لفتح ممر برّي طويل يصل بين أراضيها ولبنان عبر الأراضي العراقية والسورية.
ومع موجة التصعيد التي أعقبت انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران وفرض واشنطن عقوبات شديدة على طهران، برز دور جديد لميليشيات الحشد الشعبي متمثّل في تهديد الوجود العسكري الأميركي على الأراضي العراقية، وإمكانية فتح جبهة حرب ضدّ الولايات المتّحدة في العراق وكالة عن إيران في حال تطوّرت موجة التصعيد إلى صدام مسلّح. ولا تستبعد مصادر عراقية أن تكون واشنطن وتلّ أبيب تخطّطان فعلا لاستنزاف قوات الحشد ومنع استقرارها وتمركزها من خلال ضربات جوية انتقائية وخاطفة على غرار تلك التي يوجّهها الطيران الإسرائيلي للميليشيات التابعة لإيران على الأراضي السورية.
وأشار إلى ذلك النائب بالبرلمان العراقي وعضو لجنة الأمن والدفاع النيابية كريم عليوي، الاثنين، بقوله إنّ “العراق يتعرض لهجمة إسرائيلية بغطاء أميركي من أجل تدمير مخزونه من السلاح”، وذلك في معرض حديثه عن الانفجار الذي وقع الأسبوع الماضي في معسكر الصقر الواقع جنوبي بغداد ويضم مقرات تابعة لعدد من ألوية الحشد الشعبي ومخازن كبيرة لأسلحتها وذخائرها.
وبالنسبة للداعين إلى حماية الحشد من قبل الدولة العراقية، ومن ورائهم إيران، فإن الحلّ جاهز ويتمثّل في منظومة الدفاع الجوي الروسية المتطوّرة.
ودعا عليوي حكومة بغداد إلى الانفتاح على روسيا والتعاقد معها لتزويد العراق بمنظومة الدفاع الجوي أس 400. ونقل عنه موقع السومرية الإخباري القول أنّ اللجنة النيابية التي ينتمي إليها “ستناقش بشكل تفصيلي ما حصل بقاعدة الصقر وباقي الخروق الأمنية التي ثبت تورط إسرائيل وأميركا فيها”، مؤكّدا “سنضغط على الحكومة من أجل اتخاذ قرار بالانفتاح على دول أخرى غير الولايات المتحدة كروسيا وإيران والصين ودول أخرى قوية لتسليح وتقوية دفاعاتنا الجوية”.
ويبدو اللجوء إلى التقنية الروسية لتأمين غطاء للفصائل العراقية على الأرض حلا عمليا ومناسبا ظاهريا، إلاّ أن للأمر تعقيدات تقنية وسياسية كبيرة. فمن ناحية تقنية يطرح ارتباط القوات العراقية في تسليحها بالولايات المتحدة وتقنياتها العسكرية إشكاليات التحوّل إلى المنظومة الروسية ما يتطلّب جهدا ووقتا لا تسمح بهما الظرفية الضاغطة على الفصائل العراقية المنتشرة دون غطاء جوي.
ومن ناحية سياسية لا تستطيع بغداد الدخول في تجاذبات مع واشنطن على غرار تلك التي دخلت فيها تركيا بسبب إصرارها على اقتناء منظومة أس 400 ذاتها التي تطالب جهات عراقية باقتنائها.
وبدفع من الضغوط المتعاظمة من قبل السياسيين وقادة الميليشيات، أصدر عبدالمهدي الأسبوع الماضي قرارا مفاجئا بإلغاء كافة الموافقات الخاصة بالطيران في الأجواء العراقية وجعل إسناد تلك الموافقات من اختصاصه هو أو من يقوم بتفويضه بشكل رسمي، وذلك في محاولة للسيطرة على قرار استخدام الأجواء العراقية والخارج عمليا من يد حكومة بغداد.
ويبدو أن الولايات المتّحدة الواثقة بتسيّدها الكامل على الأجواء العراقية والمتيقّنة من عدم إمكانية تغيير ذلك الوضع قريبا، آثرت التعامل مع القرار الحكومي العراقي بهدوء باعتباره قرارا شكليا غير ذي قيمة عملية، معلنة “احترامه والالتزام به”.
وفي لقاء جمع الإثنين رئيس مجلس النواب العراقي محمد الحلبوسي مع السفير الأميركي لدى بغداد ماثيو تولر، جدّد الأخير “التزام الولايات المتحدة
بدعم العراق في مكافحة الإرهاب والوقوف إلى جانب قوّاته الأمنية بالتنسيق مع القيادة العامة للقوات المسلحة العراقية”.
العرب