مواجهات عدن تنتج خارطة سياسية جديدة في اليمن

مواجهات عدن تنتج خارطة سياسية جديدة في اليمن

ترسم التطورات التي تشهدها مجريات الحرب في اليمن، وخاصة بعد مواجهات عدن، ملامح خارطة قوة مختلفة عمّا كان سائدا منذ انقلاب الحوثيين على الحوار الوطني وسيطرتهم على صنعاء. وتستمد هذه الخارطة قوتها من الخبرة التي اكتسبتها الأطراف المكونة لها، على مدى السنوات الماضية من الحرب. تمثل هذه الخارطة معسكرا جديدا مناهضا للحوثيين متكونا من أطراف من بينها المجلس الانتقالي الجنوبي الذي أثبت إثر مواجهات عدن أنه أصبح رقما صعبا في هذه المعادلة، وأن لا مجال لبقاء الوضع على حاله في المدى المنظور.

عدن- تسببت المواجهات، التي شهدتها العاصمة اليمنية المؤقتة عدن بين قوات الحزام الأمني التابعة للمجلس الانتقالي وألوية الحماية الرئاسية التي يقودها نجل الرئيس اليمني ناصر عبدربه منصور هادي وتحظى بدعم من جماعة الإخوان، في هزة عنيفة بالمشهد السياسي اليمني.

تؤذن هذه الهزة بتغيّرات كبيرة ووشيكة في خارطة النفوذ ومعادلة القوة التي لم تشهد أي تغيّر حقيقي منذ اجتياح الميليشيات الحوثية للعاصمة صنعاء في سبتمبر 2014 وانقلابهم على الدولة ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل، التي بدت حتى ذلك الوقت من خلال الأطراف المشاركة فيها ونسب تمثيل تلك الأطراف، حصيلة نهائية للصراع الذي شهدته البلاد منذ اضطرابات العام 2011 مرورا بتنحي الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح وحزبه عن السلطة وفقا للمبادرة الخليجية التي قسمت السلطة مناصفة بين أحزاب اللقاء المشترك المعارضة حينها وبين حزب المؤتمر الشعبي العام وحلفائه.

استحواذ مبكر
في مطلع العام 2013 ومع انطلاق فعاليات مؤتمر الحوار الوطني في صنعاء التي أشرفت عليها الأمم المتحدة ومبعوثها الخاص إلى اليمن في ذلك الوقت جمال بنعمر تم منح مساحة سياسية للحوثيين في الحوار.

كانت الغاية من ذلك احتواء تطلعاتهم السياسية التي اتسعت بشكل ملحوظ مع حالة الارتباك التي أصابت الدولة اليمنية في العام 2011. ومكّنت هذه الحالة الحوثيين من بسط نفوذهم تحت غطاء “الثورة الشعبية” على كامل محافظة صعدة وأجزاء من محافظة عمران (شمال صنعاء).

غير أن مشاركة الحوثيين كأي مكون في الحوار لم تكن تتناسب مع طموحاتهم ولا تتوافق مع مخططات الجماعة الراديكالية التي استخدمت فترة الحوار لحشد طاقاتها والاستعداد لجولة قادمة من صراع دموي الغاية منه فرض سياسة الأمر الواقع وإقصاء جميع القوى السياسية التي جلست على طاولة الحوار.

بالتوازي مع ذلك كان مكون الحراك الجنوبي المشارك في الحوار غير منسجم مع قاعدته الشعبية ومع شعاراته التي رفعها منذ انطلاق الحراك الجنوبي السلمي في سنة 2007 في ظل مؤشّرات على أن سقف الحوار لن يلبي طموحات الجنوبيين السياسية، الأمر الذي انتهى باستقالة رئيس الفريق الممثل للحراك واستبداله بآخر من الهامش.

سادت حالة من عدم الثقة بين الأطراف المشاركة في الحوار الوطني، حيث كانت معادلة القوة في حكومة ما بعد “الثورة” تشير إلى هيمنة متصاعدة لحزب الإصلاح مع عملية تفكيك ممنهجة تجري ضد ما أطلق عليه “النظام السابق” ممثلا بالرئيس السابق علي عبدالله صالح وحزب المؤتمر الشعبي العام ومؤسسة الجيش التي خضعت لعملية جراحية معقدة عرفت باسم “إعادة الهيكلة” وانتهت بإضعاف نفوذ الرئيس السابق في الجيش وإقالة أقربائه والمقرّبين منه، بينما غاب مشروع النفوذ البديل، الأمر الذي سهّل على الحوثيين اختراق الجيش اليمني والإجهاز عليه في سبتمبر 2014.

حسم الحوثيون الصراع على النفوذ في مرحلة ما بعد صالح، حيث قضوا على طموحات الإخوان تماما في خلافة نفوذ صالح وقوته في الدولة، وتبددت خطط خليفته لخلافة صالح في حزب المؤتمر والجيش.

وسيطر الحوثيون في الواقع على مفاصل الدولة ولم يقبلوا حتى بتكرار نموذج حزب الله في لبنان عندما وقعوا على اتفاق السلم والشراكة عشية انقلابهم في 21 سبتمبر 2014 الذي كان يمنحهم مكانة المسيطر في شراكة شكلية مع الأطراف والمكونات اليمنية الأخرى. لكن، حسابات الحوثيين تجاهلت وجود طرف آخر لا يسهل احتواؤه لأسباب تاريخية وثقافية وجغرافية، وهو الحراك الجنوبي الذي تحول بعد اجتياح الحوثيين لعدن في مارس 2015 إلى “المقاومة الجنوبية”.

أفرزت الحرب في اليمن في مرحلة ما بعد الانقلاب مرورا بعاصفة الحزم وإعادة الأمل ووصولا إلى اجتياح عدن قوتين رئيسيتين، هي تحالف صنعاء بين الحوثيين وحزب المؤتمر الشعبي العام في مقابل المعسكر المناهض للانقلاب والذي ضم أطيافا وتيارات واسعة، من أبرزها حزب الإصلاح وتيار الرئيس عبدربه منصور هادي، والمقاومة الجنوبية.

وكرست هذه الأخيرة نفسها على الأرض كقوة حقيقية تمكنت من طرد الحوثيين من محافظات جنوب اليمن كاملة وتمكنت من تحرير مساحات شاسعة على الساحل الغربي من باب المندب وحتى أطراف مدينة الحديدة، لكن تلك القوات المقاتلة وصاحبة العقيدة في محاربة الحوثيين ظلت عمليا خارج المعادلة السياسية نظرا لغياب الحامل السياسي، الذي لم يظهر إلا في 11 مايو 2017 من خلال الإعلان عن تأسيس المجلس الانتقالي الجنوبي.

ويرى العديد من المتابعين للشأن اليمني أن إنشاء المجلس جاء ردا على سعي أطراف عديدة في الشرعية اليمنية والانقلاب الحوثي لتغييب القضية الجنوبية، واستبعادها من أي مشاورات للحل في اليمن والتعامل معها كتحصيل حاصل في حال حسمت الحرب عسكريا أو سياسيا، حيث عملت الشرعية اليمنية على اختطاف الصوت الجنوبي عبر تقديم مكونات هامشية لتمثيل هذه القضية، ودعمت جماعة الإخوان في الشرعية مشروع عبدربه منصور هادي في الجنوب الذي كان يتم بأدوات إخوانية، كما سعى الحوثيون ومن خلفهم إيران وحزب الله، لدعم تيار جنوبي يدين بالولاء لأجندة طهران.

خارطة جديدة
تؤكد مصادر مطلعة لـ”العرب” أن المواجهات التي شهدتها عدن في العاشر من أغسطس كانت من حيث التوقيت مرتبطة بمعلومات عن سعي جماعة الإخوان في اليمن لتفجير الموقف عن طريق خلايا نائمة بالتزامن مع تحركات مرسومة سلفا لألوية الحماية الرئاسية التي تتكون في معظمها من عناصر مؤدلجة. كان الهدف من ذلك خلق معادلة جديدة في جنوب اليمن وإخراج الفاعل الجنوبي القوي، وهو المجلس الانتقالي الجنوبي، من معادلة القوة والحضور السياسي والعسكري في جنوب اليمن.

لكن، حصل العكس تماما، حيث تمكّنت قوات الحزام الأمني التابعة للمجلس الانتقالي من قلب معادلة القوة على مستوى الساحة اليمنية بشكل كامل وحصر الشرعية التي يهيمن عليها الإخوان في زاوية ضيّقة، وتزداد ضيقا مع امتداد سيطرة المجلس الانتقالي إلى محافظات جنوبية مجاورة مثل أبين وشبوة. ولم تفلح محاولات الإخوان المتخفية خلف الشرعية في تحجيم المجلس الانتقالي، الذي استطاع أن يحقق انتصارا عسكريا خاطفا نقله إلى قمة الحضور السياسي بعد دعوته للمشاركة في حوار جدة الذي دعت إليه السعودية كطرف رئيسي.

مصادر مطلعة تؤكد لـ”العرب” أن المواجهات التي شهدتها عدن في العاشر من أغسطس كانت من حيث التوقيت مرتبطة بمعلومات عن سعي جماعة الإخوان في اليمن لتفجير الموقف عن طريق خلايا نائمة

وتزامن وصول الوفد الممثل للمجلس الانتقالي برئاسة عيدروس الزبيدي إلى جدة، مع مشاورات ترعاها الرياض بين تيارات حزب المؤتمر الشعبي العام التي تتوافق مع المجلس الانتقالي حول ضرورة إعادة التوازن إلى بنية الشرعية بما يتناسب مع الحضور الفعلي للأطراف والمكونات المناهضة للمشروع الإيراني على الأرض، وتحجيم دور حزب الإصلاح الذي لعب دورا طاردا لكل التيارات من داخل الشرعية بهدف الاستحواذ عليها وتحويلها إلى أداة لتصفية الحسابات والانقضاض على الخصوم بما في ذلك المجلس الانتقالي الجنوبي وحزب المؤتمر الشعبي العام اللذان يمثلان وفقا للمعطيات الجديدة التي خلقتها أحداث عدن الأخيرة ضلعا في مثلث القوة القادمة في معسكر المناهضين للانقلاب الحوثي.

ويمثل التصعيد الأخير من قبل الشرعية اليمنية تجاه الانتقالي ربما المحاولة الأخيرة لمنع التغيير الذي يبدو أن التحالف العربي بات مدركا لحتميته من أجل استمرار معركة مواجهة المشروع الإيراني في المنطقة الذي يتطلب القيام بمراجعات شاملة لأداء الشرعية واستيعاب المكونات الفاعلة على الأرض، وتحجيم النفوذ الإخواني المتهم الأول بعرقلة جهود التحالف وبعثرة الجهود والطاقات في معارك جانبية تربك المقاومين للانقلاب الحوثي، وتستهدف تفكيك التحالف، كما هو الحال مع حملات التصعيد الممنهجة ضد دولة الإمارات الشريك الأساسي في تحالف دعم الشرعية الذي تقوده السعودية، والتي تصاعدت وبشكل غير مسبوق على هيئة مواقف تتبناها الحكومة اليمنية في الظاهر ولكنها في حقيقة الأمر نتاج هيمنة تيار واحد على هذه الحكومة.

العرب