ظهرت في الأسابيع القليلة الماضية تغيرات لافتة في معطيات المواجهة الإسرائيلية ـ الإيرانية وهي تغيرات تدل على تطور نوعي وخطير.أحد التغييرات كان انتقال القصف الجوي الإسرائيلي إلى مراكز ترسانة عسكرية ومواقع لتنظيمات محسوبة على إيران ضمن «الحشد الشعبي» في العراق، وكذلك الإعلان بشكل مباشر عن إمكان امتداد هذه الغارات إلى اليمن.وتشكل الأحداث الأخيرة التي حصلت في الضاحية الجنوبية لبيروت بلبنان، بالتناظر مع عملية أخرى في منطقة عقربا في ريف دمشق بسوريا، إعلانا عن انفتاح بيكار المواجهة ـ الإسرائيلية بشكل غير مسبوق.
واعتبرت أوساط سياسية عربية الأحداث التي شهدتها الأيام القليلة الماضية بمثابة بداية العدّ العكسي لحرب إقليمية مؤجلة طرفاها الأساسيان إيران وإسرائيل ومسرحها العراق وسوريا ولبنان.وقالت هذه الأوساط إن هناك ربطا بين استهداف إسرائيل لأهداف إيرانية في بغداد ومدن عراقية أخرى ودمشق وبيروت، في ضوء حاجة بنيامين نتنياهو إلى التصعيد قبل نحو ثلاثة أسابيع من انتخابات إسرائيلية تكتسي أهمية خاصة بالنسبة إلى مستقبله السياسي. وأشارت في هذا المجال إلى أن إيران تلتقي مع رغبة إسرائيل في التصعيد بما يزيد من خطر نشوب نزاع ذي طابع إقليمي.
مصادر جيش الاحتلال الإسرائيلي أعلنت أن القصف الأخير كان محصلة لعملية استخباراتية كبيرة، وكان المسؤولون الإيرانيون قد تحدثوا قبلها عن «مفاجآت» تحضرها بلادهم، فيما رفع الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله من وتيرة التهديدات مع عرض ذي دلالة لمشاهد استهداف الحزب لناقلة إسرائيلية خلال حرب 2006.
تزامنت هذه الوقائع مع اتصال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قبل أيام بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين «لنقاش أوضاع المنطقة»، وكذلك تصعيد كبير في عمليات الحوثيين اليمنيين ضد المواقع العسكرية والمدنية السعودية، فيما حققت إيران انتصارا دبلوماسيا بإعلان سلطات جبل طارق الإفراج عن ناقلتها النفطية العملاقة المحتجزة، من دون أن تفرج عن ناقلة تحمل العلم البريطاني تم احتجازها في نوع من الرد الإيراني على طريقة «العين بالعين والسن بالسن». وغضت روسيا، حليف الرئيس السوري بشار الأسد، الطرف إلى حدّ بعيد عن الضربات الجوية الإسرائيلية. وقال مكتب نتنياهو إنه تحدث مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الجمعة. وترافق القصف الإسرائيلي لأهداف في دمشق مع إرسال طائرتين من دون طيّار للتحليق فوق الضاحية الجنوبية لبيروت.
ولاحظت الأوساط السياسية نفسها أن إسرائيل، على غير عادتها، أعلنت على الفور مسؤوليتها عن قصف أهداف إيرانية في دمشق ومحيطها ليل الأحد. قبل ذلك، لم ينف نتنياهو توجيه إسرائيل ضربات إلى أهداف إيرانية في العراق تابعة للحشد الشعبي الذي يعتبر أداة من الأدوات العراقية التابعة لإيران.ويرى المحلل السياسي الأميركي سيباستيان باخوس، أن العمليات الإسرائيلية الجديدة قد تتحول لفتيل آخر يشعل حربا كبرى في المنطقة. وقال باخوس الكاتب في مركز ستراتفور للدراسات “في حال عدم الردّ على الهجمات قد تتشجع إسرائيل على تأمين نفسها ضد إيران، لأبعد من ذلك”.
وقال وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينتس، إن “المعركة ضد إيران واسعة وطويلة، لأن طهران تحاول السيطرة على كل الشرق الأوسط، لتكون قادرة على توجيه الضغط ضد إسرائيل”.ولفتت الأوساط السياسية العربية إلى اقتراب إسرائيل من أهداف تعتبر داخل دمشق، خصوصا في منطقة السيدة زينب حيث مقرات لحزب الله والحرس الثوري الإيراني.وقالت إسرائيل إن ضربة جوية ضد ذراع للحرس الثوري الإيراني في سوريا تتهمها بالتخطيط لهجمات بطائرات مسيرة تظهر لطهران أن قواتها معرضة للاستهداف في أي مكان.وذكرت وكالة العمال الإيرانية شبه الرسمية أن قائدا بالحرس الثوري نفى اليوم إصابة أهداف إيرانية في ضربات جوية إسرائيلية بسوريا، وقال “مراكزنا الاستشارية لم تُصب بضرر”.
وردا على سقوط الطائرتين المسيرتين توعد الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله «الجيش الإسرائيلي على الحدود بأن يقف على الحائط على إجر ونصف وأن ينتظر ردّنا»، رافضاً السماح «بعودة عقارب الساعة إلى الوراء وأن يصبح لبنان مستباحاً». وقال نصر الله في احتفال في بلدة العين في البقاع الشمالي في الذكرى الثانية لتحرير الجرود «ما حصل ليلة الأحد هو خطير جداً جداً جداً والموقف يجب أن يكون بمستوى الحدث والخطر، ولا يجب تسخيف الموضوع»، موضحاً « أن طائرة مسيّرة ونظامية دخلت وهي موجودة لدينا وقد نعرضها على وسائل الإعلام، وحطام الطائرة الثانية ليس من نوع الطائرات التي يتم استئجارها لتصوير الأعراس والمناسبات، الطائرة الأولى دخلت المنطقة المستهدفة، وكانت طائرة استطلاع وغير مزوّدة بأي مواد تفجير وحلّقت بشكل منخفض، وهذا يعني أنها كانت تحاول إعطاء صور لهدف مقصود، ونحن لم نسقطها لكن شبانا في الحي رموا الحجارة عليها ثم وقعت، ربما وقعت نتيجة خلل فني أو بسبب الحجارة، وبعد مدة زمنية جاءت الطائرة الثانية وبشكل هجومي وضربت مكاناً معيناً».
التطور الجديد النوعي في المواجهة كان، حسب أنباء من مصادر مختلفة، قيام «الحرس الثوري» الإيراني باستهداف إسرائيل بطائرة مسيرة، وتندرج العمليتان الإسرائيليتان الأخيرتان إذن في الرد على هذا التهديد، وكذلك في نقل الهجمات إلى عقر دار «حزب الله» في لبنان، والهدفان المرجوان من ذلك إجهاض تلك العمليات، من ناحية، وإبلاغ «حزب الله» وإيران أنها غير متأثرة بتهديدات حسن نصر الله، أما نقل العمليات إلى العراق والتهديد بالوصول إلى اليمن، وكذلك إعلان الرغبة في المساهمة في حماية مضيق هرمز، يعني أن المعركة يمكن أن تنتقل من الصراع مع أدوات إيران إلى الاشتباك المباشر مع الإيرانيين في الأجواء والبحار الدولية، وربما في إيران نفسها.
بهذه النقلات تنتقل إيران وإسرائيل إلى مرحلة جديدة غير مسبوقة من المجابهة لم يعد واضحا أين يمكن أن تنتهي، وإذا كانت هذه العمليات، ضمن الاستراتيجية السياسية الإيرانية، تصب في نطاق التفاوض مع الولايات المتحدة الأمريكية على إعادة الاتفاق النووي ووقف العقوبات، فإنها، ضمن الاستراتيجية الإسرائيلية، قد تصب في إعادة النفوذ الإيراني إلى الجغرافيا الإيرانية فحسب، وهما استراتيجيتان صعب أن تجدا قواسم مشتركة للتفاوض عليهما، مما يجعل تداعياتهما شديدة الخطورة على كامل المنطقة العربية.
أما سياسة إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عبرت عن دعمها لإسرائيل بعد غاراتها في سوريا، حيث قالت وزارة الخارجية الأميركية اليوم (الأحد) إن وزير الخارجية مايك بومبيو عبر عن دعم واشنطن لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها من تهديد «الحرس الثوري» الإيراني، وذلك في اتصال مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعد ضربات جوية إسرائيلية في سوريا.وأضافت الوزارة في بيان «ناقش وزير الخارجية ورئيس الوزراء كيف تستغل إيران وجودها في سوريا لتهديد إسرائيل وجيرانها»، حسب ما نقلته وكالة «رويترز» للأنباء.
تعكس المستجدات الأخيرة في علاقتها بالتصعيد الإسرائيلي في كل من لبنان وسوريا والعراق، تغير نهج إسرائيل في التعاطي مع الجبهة الشمالية، وإن كان البعض يربطها بالحسابات الانتخابية لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. وأن هناك تغير واضح في التعاطي الإسرائيلي مع الجبهة الشمالية، ويرى محللون في الشؤون الاستراتيجية أن مواقع الاحتكاك مع إيران لم تعد في منطقة الخليج ومضيق هرمز بعد أن بدا أن دولا غربية تنضم إلى العملية العسكرية الأمنية التي تقودها الولايات المتحدة لتأمين سلامة الملاحة الدولية، وأن الحلف الإسرائيلي الأميركي، بتواطؤ روسي في سوريا، يتولى ضرب التمدد الإيراني واستهداف أذرع طهران العسكرية في المنطقة.
وأضاف هؤلاء أن إيران، وبعد الضربات الموجعة التي تلقتها في سوريا تتعامل مع العراق كميدان لاحتضان نقاط تخزين وتدريب. واعتبر هؤلاء أن تبدل الاستراتيجية الإيرانية يدفع إسرائيل إلى توسيع نطاق عملياتها وهجماتها ضد الحضور العسكري الإيراني في كل المنطقة الفاصلة بين إيران والبحر المتوسط. ويرى مختصون في الشؤون الإسرائيلية أن العملية التي استهدفت ضاحية بيروت، حيث المربع الأمني الذي يضم مراكز قيادة حزب الله ومقر أمينه العام، هي جزء من مروحة الهجمات العسكرية التي كثفتها إسرائيل في الساعات والأيام والأسابيع الماضية ضد مواقع عسكرية في سوريا والعراق للحرس الثوري الإيراني أو تسيطر عليها ميليشيات تابعة لإيران.ولفت هؤلاء إلى أن إسرائيل تقصدت هذه المرة إعلان مسؤولياتها عن عملياتها في العراق وسوريا، سواء من خلال تلميح رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أو من خلال إعلان مباشر يتحدث عن قصف المراكز القريبة من دمشق وسقوط ضحايا من الحرس الثوري الإيراني.
وردا على سؤال وجهته القناة التاسعة بالتلفزيون الإسرائيلي، قبل أيام، عما إذا كانت القوات الإسرائيلية “تتصرف في المنطقة بأكملها، بما في ذلك العراق.. ضد التهديد الإيراني”، أجاب نتنياهو “إننا نتصرف في العديد من الساحات ضد بلد يسعى إلى تدميرنا. بالطبع، لقد منحت قوات الأمن حرية التصريح والتعليمات للقيام بما هو ضروري لإحباط هذه الخطط الإيرانية”. يبدو أن المنطقة مقبلة فعلا على مفاجآت كثيرة.
وحدة الدراسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية