لم يجد الأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله، غضاضة في إعلان أنه سيرد على سقوط أي عنصر من حزبه في سوريا، من خلال الأراضي اللبنانية، ففي خطابه الأخير، الذي ألقاه الأحد، من بلدة العين في البقاع هدد بالرد على سقوط عدد من عناصر حزبه إثر غارة إسرائيلية من الأراضي اللبنانية وعلى المناطق الإسرائيلية، ونفى سقوط جنود إيرانيين في هذه الغارة مؤكدا أنه سيرد من الأراضي اللبنانية على الضربة الإسرائيلية في الأراضي السورية.
لم يقل نصرالله الذي لم يرد أصلا على عشرات الضربات الإسرائيلية التي طالت مواقع إيرانية ولحزبه في سوريا خلال السنوات التسع الماضية، إنه سيستكمل طريق القدس من الجولان، ولم يصدر عن النظام السوري، المقاوم كما يصفه نصرالله، أيّ رد أو موقف يمكن أن يُفهم منه دعم سوري لحزب الله للرد على إسرائيل عبر الجولان، بل قال نصرالله بوضوح إنه لن يرد من سوريا على إسرائيل، أو بوصف أدق أعلن التزامه بعدم الرد على إسرائيل من الجغرافيا السورية.
لبنان هو المكان المناسب لإطلاق مثل هذه المواقف، فالدولة اللبنانية في أحسن الظروف، هي رهن إشارة نصرالله، ومسؤولوها هم ناقلو رسائل بين ممثل المحور الإيراني في لبنان، وبين واشنطن، وهذا ما قاله نصرالله بعدما أعلن قراره بالرد العسكري دون أي اعتبار للمؤسسات الرسمية، بأن على الحكومة اللبنانية أن تبلغ الأميركيين بضرورة أن يوقف رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو خروقات القرار 1701 والطيارات المسيرة في الأجواء اللبنانية.
لكن إسرائيل لم تأخذ كلام نصرالله على محمل الجد، فقامت بعد ساعات قليلة على تهديده بالرد فجر الاثنين بغارة عسكرية جوية على مواقع للجبهة الشعبية-القيادة العامة في منطقة قوسايا في البقاع اللبناني، وهو ما يعني أن إسرائيل إما أنها غير مهتمة بتهديد نصرالله وإما أنها تستدرج حزب الله إلى حرب.
كما هو معلوم وبعد ساعات على استهداف إسرائيل لمراكز إيرانية في عقربا قرب دمشق في سوريا، سقطت طائرة مسيرة في الضاحية الجنوبية، قال حزب الله إنها إسرائيلية، والملفت أن نصرالله أكد سقوطها “بعدما قام مواطنون برميها بالحجارة في الساعة الثانية من فجر الأحد”. وأعلن حزب الله عن تفجير طائرة ثانية بعد ساعة من سقوط الأولى لكن دون أن تتضح الصورة تماما، وفي ظل تساؤلات حول حقيقة ما جرى لاسيما أن الإعلام الإسرائيلي تحدث عن تفجير طائرة إيرانية مسيّرة ولم تكن إسرائيلية، فهل نحن أمام سيناريو ملتبس من قصة الحجارة إلى تفجير الطائرة؟
كانت إسرائيل مباشرة قد أعلنت وعلى غير المألوف، مسؤوليتها عن توجيه الضربة الصاروخية في عقربا قرب دمشق، وأشارت إلى أنها أحبطت عملية إطلاق طائرات إيرانية باتجاه إسرائيل، بإشراف قائد لواء القدس قاسم سليماني. الإعلان أيضا جاء على لسان نتنياهو نفسه الذي أشرف على العملية. إيران من جهتها وعلى لسان أكثر من مسؤول، نفت استهداف أي موقع لها في سوريا، فيما تكفلت الذراع الأهم لها أي حزب الله بالرد الذي اقتصر على طمأنة إسرائيل بأن لا رد من سوريا ولا من مزارع شبعا المحتلة، بل على الأراضي الإسرائيلية مباشرة.
في المبدأ سيرد نصرالله على مقتل عناصر من حزب الله في سوريا عبر الأراضي اللبنانية، وبمعزل عن الدولة اللبنانية، ومع الضربة الثانية في قوسايا التي تلت تهديد نصرالله أصبح من الصعب على حزب الله عدم الرد وبشكل قوي، ولكن بالتنسيق مع إيران التي تخوض معركة تحسين شروط التفاوض مع واشنطن، وهي معركة باتت شبه معلنة مع الوساطة الفرنسية حيث أعلن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، أنه قام بتقديم اقتراحات إيرانية جديدة للرئيس الفرنسي بشأن التفاوض مع واشنطن، وأعلنت الخارجية الإيرانية أنها تلقت دعوة فرنسية للمشاركة في قمة الدول السبع المنعقدة في فرنسا.
وسط هذه الأجواء التي تعكس تطورا في المفاوضات بشأن الملف الإيراني، وفي ظل موقف أميركي صامت حيال ما يتردد عن المبادرة الفرنسية، يصبح خيار الحرب عبر لبنان من الاحتمالات المستبعدة، وإن كان واردا من الناحية الميدانية، لكن إيران لا تريد التورط في مسار عسكري ولو عبر حزب الله، لأنها لا يمكن أن تتحكم بتداعياته في بيئة سياسية إقليمية ودولية مختلفة وغير ملائمة لإيران، قياسا على ما كان عليه الحال استراتيجيا واقتصاديا واجتماعيا في حرب العام 2006 التي كان لبنان منطلقا ومسرحا لها.
يبقى السؤال كيف سيرد حزب الله بعد دمشق والضاحية وقوسايا؟
إثر الغارة الإسرائيلية على دمشق وسقوط طائرتين مسيرتين في الضاحية الجنوبية، أجرى وزير الخارجية الأميركي مارك بومبيو اتصالين؛ واحدا برئيس الحكومة اللبناني سعد الحريري والآخر بنتنياهو، دعا خلالهما إلى التهدئة ومنع التصعيد بين لبنان وإسرائيل.
الرد من قبل حزب الله في ظل سياسة تحسين أوراق التفاوض، لن يذهب إلى ما يمكن أن يستدرج حربا، وبالتالي من الممكن تكرار عملية شكلية كما حصل قبل ثلاثة أعوام، عندما قامت إسرائيل باغتيال نجل عماد مغنية قرب الجولان، قام حزب الله حينها بعملية استهدفت جرافة إسرائيلية في مزارع شبعا دون أن تقع إصابات إسرائيلية ولم تستدع ردا إسرائيليا، وأمكن تجاوز إحراج الحرب الذي لا تريده إيران ولا إسرائيل. انطلاقا من ذلك ترجح مصادر خبيرة، أن رد حزب الله سيكون بهذا المستوى الذي لا يحرج إسرائيل فيخرجها نحو حرب تفرضها ظروف غير محسوبة.
يبقى أن ما قاله نصرالله يتصل بإحراج إيراني من الاستهدافات التي تطول ميليشياتها في العراق، فالضربات المتكررة منذ أسابيع في العراق، وآخرها قبل يومين في الحدود السورية العراقية في البوكمال باستهداف موكب للحشد الشعبي أدى إلى سقوط قتلى، تدفع إيران إلى فعل شيء، حيث قال نصرالله إنه لن يسمح بنقل هذا المسار إلى لبنان، أي أن تتحول الضربات الإسرائيلية إلى أمر طبيعي كما يجري في العراق وسوريا، وبالتالي فإن رفع وتيرة التهديد وتكليفه للحكومة اللبنانية بمخاطبة الأميركيين للجم الإسرائيليين، ينطوي حسب بعض الخبراء على إعلان حزب الله استعداده لإنجاز تفاهم بين الدولة اللبنانية وإسرائيل، يقوم على احترام القرارات الدولية لاسيما لجهة وقف الخروقات الإسرائيلية للقرارات الدولية المتصلة بلبنان.
ما يريده نصرالله هو حماية دور حزب الله ونفوذه في لبنان، وهذه الوظيفة التي تضمن لإسرائيل الاستقرار على حدودها، تتطلب في المقابل من الحكومة الإسرائيلية عدم الإخلال بشروط هذا التفاهم المستمر منذ عام 2000 وجرى تثبيته بعد حرب عام 2006. فانتفاضة نصرالله الكلامية في خطابه الأخير جاءت بعدما لمس تطورا في الموقف الإسرائيلي الذي يخلّ بتقاطع المصالح بين إسرائيل وحزب الله، معلنا قبل وصول مساعد وزير الخارجية الأميركي، ديفيد شنكر، مطلع الشهر المقبل إلى بيروت، تقبل حزب الله لدور أميركي يضمن أن لا يتحول لبنان إلى مركز لأهداف إسرائيلية.
وشنكر كما هو معروف يشرف على ملف ترسيم الحدود البحرية والبرية بين لبنان وإسرائيل، والزيارة المقررة ستكون اختبارا أميركيا لمدى جدية لبنان، أو بوصف أدق لمدى جدّية إيران في تسهيل عملية ترسيم الحدود، وبالتالي لمدى تقدم المبادرة الفرنسية بين واشنطن وطهران. لبنان سيبقى ساحة الاختبار الإقليمية والدولية لمدى استجابة طهران لشروط التفاوض الإقليمي مع واشنطن، ودائما تحت سقف المناوشات العسكرية التي لا يرغب نصرالله في خوضها، رغم إعلان قائد الحرس الثوري قبل أيام أن حزب الله وحده كفيل بهزيمة إسرائيل.
العرب