يواجه الرئيس الإصلاحي حسن روحاني تقريبا نفس سيناريو عرقلة المحافظين لذهاب إيران للتفاوض بشأن برنامجها النووي سنة 2015، إذ يدفع التيار المتشدد المقرب من المرشد الأعلى آية الله خامنئي إلى فرملة جنوحه للتفاوض مجددا بشأن اتفاق نووي جديد يتضمن الشروط الأميركية بإدراج البرنامج الصاروخي الباليستي ضمن الاتفاق الجديد. ويعول روحاني على دعم دبلوماسي فرنسي وحتى ألماني لتليين مواقف واشنطن، يعطي انطباعا للداخل الإيراني بأنه سيتفاوض من موقع قوة.
طهران – تراجع الرئيس الإيراني حسن روحاني الثلاثاء عن تصريحات أدلى بها الاثنين بأنه مستعد للحوار مع الولايات المتحدة بشأن الاتفاق النووي وذلك تحت ضغط التيار المحافظ الإيراني الذي اتهمه بمخالفة تعاليم المرشد الأعلى آية الله خامنئي.
ويدفع التيار الإصلاحي الذي يقوده الرئيس روحاني باتجاه التفاوض مع الولايات المتحدة لإنقاذ الاتفاق النووي وتجاوز الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد جراء العقوبات الأميركية بأقل التكاليف، فيما يعتبر التيار المحافظ المتشدد المقرب من المرشد الأعلى أن الذهاب إلى الحوار مع واشنطن وفق شروطها يعتبر هزيمة لإيران.
وكان التيار المحافظ قد رفض في 2015 التفاوض بشأن البرنامج النووي الإيراني، لكنه قبل في نهاية المطاف بالاتفاق النووي الموقع مع القوى العظمى والذي رفعت بموجبه العقوبات الدولية.
ويرى مراقبون أن الانقسام في الداخل الإيراني بشأن استراتيجية التعامل مع واشنطن قد يطيل أمد الخلاف، إلا أن طهران ستذهب في نهاية المطاف للتفاوض مع واشنطن وهو ما تفرضه سياسة الأمر الواقع، إذ أن ضيق هامش المناورة والتشدد الأميركي حيال طهران لا يتركان للأخيرة إلا الاستجابة للشروط الأميركية للتفاوض.
وفي محاولة لاسترضاء التيار المحافظ والمقرب من المرشد الأعلى، دعا الرئيس الإيراني الثلاثاء الولايات المتحدة إلى “اتخاذ الخطوة الأولى” من خلال رفع العقوبات عن إيران في إطار الملف النووي، وذلك ردا على تصريحات الاثنين للرئيس الأميركي دونالد ترامب أبدى فيها انفتاحه على لقاء مع نظيره الإيراني.
ويسعى روحاني من خلال هذه الدعوة إلى طمأنة خصومه المحافظين وتليين مواقفهم من خلال تأكيده أن سعيه للتفاوض سيكون من موقع قوة ودون شروط مسبقة وأن العملية الدبلوماسية مكملة لاستعدادات الحكومة لمواجهة العقوبات الأميركية.
وأعلنت السلطات السويدية الثلاثاء أنّ صحافيا إيرانيا كان يرافق وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في جولته الاسكندينافية انسحب من الوفد الإيراني خلال محطته في السويد وطلب اللجوء فيها.
وأكد مكتب الهجرة السويدي أنّه تلقى طلب “إقامة في 21 أغسطس 2019” من أمير توحيد فاضل، الصحافي في الوكالة الإيرانية المتشددة “موج”، من دون إعطاء المزيد من التفاصيل.
ويعود سبب التقدّم بطلب لجوء إلى نشر الصحافي لائحة بأسماء مسؤولين إيرانيين يزعم أنّهم يحملون جنسيتين، بينها جنسيات “دول تعتبرها الحكومة الإيرانية دولا معادية”، في وقت ترفض إيران الجنسية المزدوجة وتمنع عن حاملي جنسية أخرى الحماية القنصلية التي يتمتع بها الرعايا الأجانب.
وتصاعد التوتر بين الولايات المتحدة وإيران في الأشهر الأخيرة في أعقاب انسحاب واشنطن بشكل أحادي من الاتفاق الدولي حول النووي الإيراني المبرم عام 2015، وإعادة فرضها عقوبات على طهران.
وبدا أن انفراجا طفيفا تحقق في هذا الملف في الأيام الأخيرة خلال قمة مجموعة السبع في فرنسا، مع عدم استبعاد دونالد ترامب إمكانية عقد لقاء مع نظيره الإيراني، غير أن روحاني علق بدوره على ذلك الثلاثاء فارضا شروطا لعقد مثل هذا اللقاء.
وأعلن روحاني في خطاب بث مباشرة عبر التلفزيون الحكومي أن الخطوة “الأولى هي رفع الحظر. عليكم أن تخطوا الخطوة الأولى في رفع كل أشكال الحظر الخاطئة وغير العادلة وغير القانونية ضد الأمة الإيرانية، وعندئذ ستكون الظروف مختلفة”.
وتابع “إذا لم تسحب أميركا إجراءات حظرها ولم تكف عن سلوكها الخاطئ فإننا لن نشهد تغييرا”.
واعتبر الرئيس الإصلاحي أن “مفتاح التغيير الإيجابي هو بيد واشنطن”، مؤكدا “إننا لا نصنع قنبلة ذرية ليس بسبب تحذيراتكم بل بسبب معتقداتنا وأخلاقياتنا”.
وتابع “إذا كان ذلك بصدق مصدر قلقكم الوحيد، فهو أزيل أصلا” من خلال الفتوى ضد الأسلحة النووية التي أصدرها المرشد الأعلى للثورة الإسلامية آية الله علي خامنئي عام 2003 وأعاد تأكيدها مرّات عدّة منذ ذلك الحين.وازدادت المخاوف من خروج الوضع عن السيطرة في ظل تصاعد التوتر مؤخرا بين الولايات المتحدة وإيران مع تعرض سفن لهجمات في منطقة الخليج الاستراتيجية وإسقاط طائرتين مسيرتين واحتجاز ناقلات نفط، في وقت يلقي الملف النووي الإيراني بظلاله على العلاقات الدولية.
ورد ترامب إيجابيا الاثنين على صحافي سأله “هل من المعقول أن تلتقي بروحاني في الأسابيع المقبلة؟”، خلال مؤتمر صحافي عقده في ختام قمة مجموعة السبع.
ولكن ترامب الذي أحدث صدمة في العالم بانسحابه من الاتفاق النووي معتمدا منذ ذلك الحين استراتيجية “ضغوط قصوى” على إيران، اشترط لعقد اللقاء توافر “الظروف” الملائمة.
وفي طهران، قال روحاني الاثنين إنه منفتح على الحوار، رغم انتقادات الجناح المتشدد في النظام الإيراني لزيارة وزير خارجيته إلى فرنسا، علما أن ظريف لم يلتق أي مسؤول أميركي خلال هذه الزيارة الخاطفة والمفاجئة.
والثلاثاء، اتهم 83 نائبا إيرانيا الرئيس روحاني بمخالفة تعليمات المرشد الإيراني الأعلى، علي خامنئي بإعطائه إشارات للرئيس الأميركي على أن بلاده جاهزة للتفاوض.
وذكرت وكالة تسنيم الإيرانية أنّ النائب أحمد أمير أبادي فراهاني، قرأ في جلسة مجلس الشورى (البرلمان)، إعلانا موقعا من 83 نائبا، اتهموا فيه روحاني بإعطاء إشارات للرئيس ترامب على استعداد إيران للتفاوض.
وتدرك طهران جيدا أن القادة الأوروبيين أعجز من أن يساعدوها على تلافي العقوبات الأميركية وأن الذهاب إلى التفاوض مع صاحب القرار مباشرة يستوجب القليل من الوقت ودعما دبلوماسيا تعمل إيران على تحفيزه عبر الترفيع في سقف التهديدات تارة والتهدئة تارة أخرى.
ويرى مراقبون أن إيران تريد من خلال تصعيدها ضد حلفائها الأوروبيين وحشرهم في الزاوية التمديد في آجال الجهود الدبلوماسية لربح المزيد من الوقت، إلى حين إيجاد وصفة تذهب بها للتفاوض مع واشنطن مباشرة وتحفظ ماء الوجه، إذ لم تفاوض إيران قبل هذا من موقع ضعف. ويرجّح هؤلاء أن تقبل إيران التفاوض مع الولايات المتحدة بشأن اتفاق نووي جديد يشمل برنامجها الصاروخي الباليستي، في ظل تعرضها لعقوبات أثّرت بشكل كبير على اقتصادها.
ويرى مسؤولون أميركيون أن “إدارة الرئيس دونالد ترامب تفضّل حلا سياسيا مع طهران على أساس أن التجارب السابقة أظهرت أن الدخول في حرب أسهل بكثير من الخروج منها”.
العرب