أبدى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اهتماماً استثنائياً بطائرات السوخوي الروسية، وذلك على هامش زيارته لروسيا ومشاركته في معرض الطيران الدولي في موسكو، إذ تعتبر الطائرات الحربية الروسية الحديثة، لا سيما SU-57، الخيار الأول لتركيا في حال قررت إيجاد بديل عن طائرة F-35 الأمريكية، التي تهدد واشنطن بطرد تركيا نهائياً من برنامج تصنيعها وبيعها رداً على شراء الأخيرة منظومة S-400 الدفاعية الروسية.
لكن السؤال الأبرز الذي يدور حالياً يتركز حول ما إن كان تركيز أردوغان على إظهار اهتمامه بالطائرة الروسية يهدف إلى الضغط على واشنطن لمنعها من اتخاذ القرار النهائي حول مشاركة تركيا في برنامج F-35، أم أنها مقدمات لخطوة حقيقية إستراتيجية تركية جديدة تتمثل في شراء المقاتلة الحربية الروسية بعد المنظومة الدفاعية، وهو ما سيعتبر خطوة تركية أخرى باتجاه التقارب مع روسيا إستراتيجياً، والابتعاد أكثر عن الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي “الناتو”.
وتزامنت زيارة أردوغان لموسكو ومشاركته في افتتاح معرض الطيران مع بدء وصول الدفعة الثانية من منظومة S-400 الدفاعية إلى تركيا، إذ هبطت أولى طائرات الدفعة الثانية في قاعدة مرتد الجوية بالعاصمة أنقرة، فيما أوضحت وزارة الدفاع التركية أن عملية وصول البطارية الثانية سوف تستمر لمدة شهر تقريباً، وذلك بعدما اكتمل وصول البطارية الأولى في الخامس والعشرين من يوليو/تموز الماضي.
ورغم الاهتمام التركي وما اعتبره البعض تعمد أردوغان إلى إظهار اهتمامه البالغ بالطائرة الروسية، إلا أن الجانب الروسي أبدى اهتماماً أكبر بالمسألة، وقدم عروضاً سخية لأنقرة، في محاولة جديدة لجرها أكثر عن المحور الغربي، وهو ما يدفع الأخيرة لمزيد من الحذر قبيل اتخاذ قرار إستراتيجي في هذا الإطار.
الرئيس الروسي فلايديمير بوتين، قال خلال المؤتمر الصحافي مع أردوغان، إنه تشاور مع نظيره التركي بشأن التعاون في مجالات مختلفة مثل العسكرية التقنية، والفضاء والطيران، وقال: “يمكننا إجراء تعاون مشترك حول طائرات SU-35 وطائرات SU-57، ولدينا الكثير من الإمكانات”.
وحاول بوتين ملامسة المطالب التركية من خلال تأكيده على جزئية الإنتاج المشترك التي تؤكد عليها تركيا في صفقاتها العسكرية في السنوات الأخيرة، قائلاً: “أعتقد أن ثمة أشياء كثيرة جذبت اهتمام شركائنا الأتراك، وذلك ليس فقط من ناحية إمكانية اقتنائها، بل وأيضا من زاوية إمكانية تصنيعها المشترك”، مشيراً إلى استعداد موسكو للتعاون مع أنقرة في هذا الحقل، وأن محادثات مع الجانب التركي ستبدأ قريباً حول بعض مسارات هذا العمل.
واصطحب بوتين أردوغان لنموذج للطائرة الروسية الأحدث SU-57 على أرض معرض الطيران في موسكو، حيث استمع أردوغان لشرح مفصل عن مزاياها، ليكون بذلك أول رئيس أجنبي يشاهد قمرة قيادة المقاتلة. وخلال تفقده الطائرة برفقة الرئيس الروسي، سأله أردوغان: “هل هذه هي SU-57؟ بدأت طلعاتها؟ هل يمكن شراؤها”، ورد بوتين بالقول: “نعم هي، بدأت الطلعات، ونعم يمكن شراؤها”.
وفي تطور آخر، نقلت وكالة الإعلام الروسية عن مسؤول روسي قوله، الأربعاء، إن روسيا وتركيا تبحثان إمكانية أن تزود موسكو أنقرة بطائرات SU-35 وطائرات SU-57. وقال ديمتري شوغاييف، رئيس الخدمة الاتحادية للتعاون العسكري الفني، إنه يعتزم بحث احتمال توريد هذه الطائرات مع مسؤول تركي، وقال: “تم إبداء اهتمام كبير، ومن السابق لأوانه الحديث عن مفاوضات بشأن عقود؛ إذ لا يوجد طلب بعد ويتعين إجراء مشاورات”.
وتعتبر SU-57 أحدث مقاتلة حربية روسية من الجيل الخامس، وجرى تطويرها بشكل متسارع خلال السنوات الأخيرة، واجتازت مرحلة التجارب والتحسين، وتقول المصادر الروسية إنها مزودة بمحركات حديثة تجعلها قادرة على حمل 10 أطنان من الحمولة والذخائر المختلفة، لمسافات تصل إلى 5500 كلم، وتمكنها من حمل صواريخ مجنحة فائقة الدقة وصواريخ مضادة للسفن وحاملات الطائرات يصل مداها إلى 400 كلم، وتتميز بقدرات عالية على التخفي من الرادارات، ومن المتوقع أن تدخل خلال الأشهر المقبلة الخدمة رسمياً في سلاح الجو الروسي.
لكن وعلى الرغم من جميع هذه التطورات، إلا أن تركيا لم تصل بعد إلى مرحلة اتخاذ قرار إستراتيجي في هذا الإطار، وهي ما زالت تعمل من منطلق أن الخيار الأول لها ما زال يتمحور حول إنهاء الأزمة مع واشنطن والتوصل إلى صيغة تمنع تعقدها والوصول إلى القرار النهائي والقطعي بإبعاد تركيا من برنامج طائرات F-35.
وعلى الرغم من أن واشنطن اتخذت سلسلة قرارات تتعلق بوقف برنامج تدريب الطيارين الأتراك، وأعلنت وقف مشاركة تركيا في برنامج صناعة الطائرة، ووقف توريد أي طائرة لتركيا، إلا أن القرار النهائي لم يصدر بعد، وتأمل أنقرة في إمكانية التوصل لحلول لتجاوز الأزمة.
وتصر تركيا على أنها شريك أساسي في برنامج صناعة الطائرة وليست مجرد مشتر لها، وتشدد على عدم وجود مسوغ قانوني يتيح لواشنطن طردها من البرنامج، مذكرة بأنها دفعت قرابة مليار ونصف المليار دولار في برنامج تطوير وصناعة الطائرة، كما تعول على رغبة ترامب في عدم خسارة الصفقة التجارية المتعلقة بشراء تركيا 120 طائرة من هذا الطراز، التي تصل قيمتها إلى عشرات مليارات الدولارات.
من جهتها، مستشارة وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، إيلين لورد، وعلى الرغم من تأكيدها بأن تركيا بلد حليف وشريك إستراتيجي لبلادها، شددت على صعوبة استمرارها في برنامج طائرات F-35، لافتةً إلى أنه يجري صناعة الأجزاء التي كانت تصنعها الشركات التركية، وأشارت إلى أن “إخراج تركيا بشكل نهائي من البرنامج قد يستغرق عاما”.
وفي ظل كافة المعطيات التي تؤشر لصعوبة تراجع الولايات المتحدة عن قراراها بإقصاء تركيا من برنامج F-35، وصعوبة اتخاذ أنقرة قراراً إستراتيجياً في هذه المرحلة بالتوجه نحو موسكو وشراء طائرات حربية روسية لما يحمله ذلك من مخاطرة غير مسبوقة بتناغم أنقرة مع الناتو، فإن المسؤولين الأتراك قد يتجهون للبحث عن حلول وسط أو مدخل تدريجي للحصول على الطائرة الروسية.
أبرز هذه الخيارات تتمثل في برنامج صناعة مقاتلة حربية وطنية تركية، التي بدأ العمل عليها منذ سنوات، لكنها تتقدم ببطء في ظل ضعف الخبرات والإمكانيات التركية في هذا المجال، وبالتالي فإن أنقرة قد تتجه لطلب المساعدة من روسيا في الإنتاج المشترك للطائرة التركية.
وما يدعم هذا الاحتمال، تصريح رئيس إدارة التعاون العسكري والفني الروسي، ديميتري شوغاييف، الأربعاء، بأن بلاده مستعدة لتقديم الدعم لتركيا في إنتاجها مقاتلات TF-X 5 من الجيل الخامس المحلية، وقال: “يمكننا أن نورد محركات الطائرات إلى تركيا ومعدات الحرب الإلكترونية”.
القدس العربي