أثار تعليق رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون أعمال البرلمان البريطاني خمسة أسابيع غضبا ضمن أوساط المعارضة البريطانية، وقد اتفقت كل الصحف القوميّة على أن المقصود منه هو منع مجلس النواب من التأثير على قراره بإخراج بلاده من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق مع نهاية شهر تشرين الأول/أكتوبر من هذا العام.
وباستثناء «دايلي تلغراف»، جريدة المحافظين، التي دعت جونسون «لإنفاذ إرادة الأمة»، فقد تكررت في عناوين الصحف الكبرى كلمات الغضب، والإشارة إلى وصف معارضين لرئيس الوزراء له بدكتاتور الصفيح، وقد ركزت بعض الصحف كـ»مترو» و«الدايلي ميرور» على جزء من الكلمة الرسمية المستخدمة لتوقيف البرلمان والتي تعني دولة مارقة، فيما وصل الأمر ببعض المعلقين لاعتبار أن ما حصل «فضيحة»، كما قال زعيم حزب العمال جيرمي كوربين، أو حتى انقلاب كما قال غيره.
أول ردود الفعل المباشرة المعارضة من داخل حزب المحافظين كان التنديد بالقرار، كما فعل فيليب هاموند، وزير الخزانة السابق، ولكن أقسى الردود جاء من اسكتلندا حيث قامت روث دافيدسون، زعيمة حزب المحافظين فيها بالاستقالة، وعلى الصعيد الشعبي فقد وقع أكثر من مليون من البريطانيين عريضة تطالب بمناقشة القرار، كما رفعت عدة دعاوى ضده في المحاكم، وقد خرجت مظاهرات بالآلاف في لندن ومانشستر وادنبرة ومدن كبرى أخرى للاحتجاج، فيما تعرض الجنيه الإسترليني للهبوط.
وفيما أبدى الاتحاد الأوروبي انزعاجه مما حصل، وطالب جونسون بالتسريع في تقديم خطته الموعودة للخروج، فقد جاء رئيس الوزراء البريطاني الدعم المتوقع من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي اعتبر أن «بوريس هو بالتحديد ما انتظرته المملكة المتحدة وسيثبت أنه رجل عظيم».
يعتبر تعليق البرلمان أعماله خلال هذه الفترة من السنة أمرا اعتياديا، ولكن ما أثار الغضب في بريطانيا أن قرار جونسون يأتي في زمن غير اعتيادي في تاريخ بريطانيا وأوروبا والعالم، فالحكومة التي تملك، مع حزب أيرلندي يتشارك معها الحكم، أغلبية ضئيلة تتمثل في نائب واحد، وبالتالي فإن غياب البرلمان في هذه اللحظات التاريخية الخطيرة من تاريخ بريطانيا سيعزز إمكانية خروج صادم سيؤذي الاقتصاد البريطاني ويهزّ اقتصاد الاتحاد الأوروبي أيضا، ولكنّه، من جهة أخرى، سيعزز الاستقطاب السياسي الكبير، وقد يعطي دفعة كبيرة للشعبوية اليمينية التي يمثل جونسون أحد رموزها الأساسيين، فيما يمثل ترامب رمزها الأمريكي والعالمي وتتراصف ضمن جبهتها شخصيات مثل فلاديمير بوتين، الرئيس الروسي، وناريندرا مودي، رئيس الوزراء الهندي، وخاير بولسونارو، الرئيس البرازيلي، وفيكتور أوربان، رئيس الوزراء الهنغاري، وماتيو سالفيني، نائب رئيس الوزراء الإيطالي وكثيرين غيرهم.
تعليق أقدم برلمان في العالم، ضمن هذا السياق، وبغض النظر عن نتائجها الداخلية، هو تذكير بالرغبات السياسية التي تعتمل في التيارات الشعبوية لتحطيم الأسس التاريخية للديمقراطية، أكانت البرلمان أو القضاء أو الإعلام، والمخاطر التي تحيط بالقيم الإنسانية والليبرالية المشتركة.
القدس العربي